في إيران.. الإحباط يحل محل الأمل
المستثمرون اكتشفوا أن رفع العقوبات الدولية عن إيران ليس إلا جانبًا واحدًا من المعوقات، التي تحول دون اندماجها في الأسواق العالمية.
اكتشف المستثمرون الأجانب أن رفع العقوبات الدولية عن إيران مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني ليس إلا جانبًا واحدًا من المعوقات، التي تحول دون اندماجها السريع في الأسواق العالمية.
وبينما تعج فنادق طهران برجال الأعمال الحريصين على اقتناص شريحة من سوق ناشئة جديدة كبيرة في إيران، كانت المفاجئة أن القضية أكبر من مجرد
رفع العقوبات.
ويقول تقرير لرويتر، إن من العوائق التي تحول دون دخول المستثمرين مقاومة المتشددين داخل إيران ممن يخشون أن يؤدي الانفتاح على العالم إلى تقويض مصالحهم الراسخة، بالإضافة إلى الخوف بين المستثمرين الأجانب من مخالفة عقوبات أمريكية لا تزال سارية على إيران.
وبمقتضى الاتفاق النووي رفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات دولية في يناير/ كانون الثاني الماضي، لكن لا تزال عقوبات أمريكية سارية ومنها حظر على المعاملات الدولارية المتصلة بإيران والتي تمر عبر النظام المالي الأمريكي، وكذلك العقوبات المفروضة على أفراد ومؤسسات بعينها على أساس أنها تدعم "الإرهاب الذي ترعاه الدولة".
والهدف الرئيسي للعقوبات التي ترمي لمحاربة الإرهاب هو الحرس الثوري الإسلامي، وهو القوة التي تنفذ من خلالها المؤسسة الدينية إستراتيجيتها في الداخل وتمثل قوتها الضاربة في الخارج.
كما أن الحرس الثوري يقف وراء إمبراطورية أعمال تغطي قطاعات من الإنشاءات إلى البنوك وقد اكتسب خبرات كبيرة في إخفاء دوره.
ويخشى المستثمرون والبنوك الأجنبية الكبرى من أن يؤدي تحرك أمريكي إلى إخراجهم من النظام المصرفي العالمي إذا ما أجروا تعاملات حتى ولو عن طريق الخطأ مع مؤسسات خاضعة للعقوبات.
ويقول محللون إيرانيون ومديرون تنفيذيون أجانب، إن مما يزيد الغموض صعود نجم دونالد ترامب الملياردير الأمريكي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة هذا العام بعد أن هدد بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران.
وحتى بدون هذا العنصر الغامض تجد الأطراف الساعية لإبرام اتفاقات الأبواب مغلقة أمامها.
صلات الحرس الثوري
ويقول تنفيذيون أجانب يسعون لإبرام اتفاقات في إيران، إنهم عندما يتفحصون حقيقة ملكية الشركات التي يتواصلون معها يكتشفون في كثير من الأحيان صلات تربطها بالحرس الثوري.
ويقول كلود بيجل الرئيس التنفيذي لشركة سيمبيو سويس المتخصصة في اللوجستيات والبنية التحتية، إنه وجد أن مشروعًا استكشافيًّا واحدًا كشف عن وجود صلات من هذا النوع.
وقال في إشارة للحرس الثوري: "أجرينا كثيرًا من الفحوص اللازمة وتوصلنا إلى أن أسماء المؤسسات التي تظهر على قائمة العقوبات الخاصة بمكتب الرقابة على الأصول الأجنبية (التابع لوزارة الخزانة الأمريكية) لا تكون بعيدة في بعض الأحيان."
وأضاف "عندما تتفحص هيكل الملكية في المستوى الثاني أو الثالث تجد أن مثل هذه الأسماء تظهر، فهي قابعة هناك."
وتابع "في أحيان كثيرة جدًّا عندما تتفحص شركات إيران الناجحة يمكنك أن ترى ذلك، وما لم تكن هذه الشركات مستعدة لتعديل هياكل مجالس إدارتها فسيكون من الصعب جدًا تدبير تمويل دولي للعمل مع مثل هذه الكيانات."
وتتمثل المشكلة الرئيسية للمستثمرين الأجانب المحتملين في الخوف من أن يسفر اتصال حتى ولو عن غير قصد بطرف إيراني تسري عليه العقوبات عن فرض عقوبات ضخمة من جانب وزارة الخزانة الأمريكية تمنعها فعليًّا من العمل من خلال الأسواق المالية الأمريكية، وهو عامل قوي مثبط لأي نشاط تجاري له وجود عالمي.
ويقول الكسندر جورجينيا الذي شارك في وفد الأعمال الألماني الثاني الذي يزور إيران منذ أغسطس/ آب 2015: "المشكلة الكبرى هي البنوك".
ورغم أن الشركات والبنوك قد تحظى بموافقة ألمانية على العمل في إيران، فإن مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية الأمريكي "يحمل الشركة الأجنبية مسؤولية التحقق مما إذا كانت الشركة (الإيرانية) نظيفة."
وقال جورجينيا لرويترز: "على الشركة الأجنبية أن تتحقق من الشركة الإيرانية، وما إذا كانت تربطها صلة بالحرس الثوري الإيراني أو بجزء منه."
وأضاف "عليها أن تتحرى تعاملات الشركة والطريقة التي تعمل بها وراء الكواليس، وعلينا أن نتعامل مع شركات لديها أموال في جيوبها، وأغلبها جزء من الحرس الثوري، هذا ما توضحه لنا معلوماتنا."
وشكا من أن الشركات الأوروبية تشعر بأن كل هذه اللوائح جزء من خطة تنفذها الإدارة الأمريكية لمنع إبرام الأعمال بين أوروبا وإيران.
ويكمن جزء من المشكلة في أن وحدات من الحرس الثوري تتدخل في عدد من الحروب في الشرق الأوسط.
ففي العراق تقف إيران في صف الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم داعش، لكنها تقف في سوريا موقفًا مغايرًا مع روسيا لدعم حكومة الرئيس بشار الأسد. وفي اليمن تؤيد طهران تمرد الحوثيين الذي دفع السعودية حليف الولايات المتحدة في العام الماضي لشن حرب جوية عبر حدودها الجنوبية.
ولا يتوقع أحد تقريبًا أن تخفف الولايات المتحدة عقوباتها على الحرس الثوري وإمبراطوريته الاقتصادية في ضوء ذلك.
خوف بين البنوك
ورغم أن رجال الأعمال الغربيين يفترضون عمومًا أن نظراءهم الصينيين والروس سيكونون أقل اكتراثًا بالعقوبات الأمريكية، فقد أشار مدير تنفيذي صيني في طهران طلب عدم نشر اسمه إلى أن البنوك الدولية ترفض التعامل مع إيران حتى الآن خشية إغلاق أسواق المال الأمريكية في وجهها.
وأشار المسؤول الصيني الذي يمثل شركة لمعدات النفط والغاز أنه زار إيران عدة مرات بعد الاتفاق النووي، لكنه لم يوقع اتفاقًا واحدًا حتى الآن، وقال إن أغلب الشركات الإيرانية "ليس لديها أموال لدفعها" رغم الطلب الواضح على معدات الحفر التي يعرضها عليها.
ويقول "يطلبون من البائعين توفير التمويل، لكن هذا مستحيل لأنه لا يوجد في العالم أي بنك أجنبي يجرؤ على إبرام صفقات مع بنوك إيرانية لأنه خائف، إلى أن تبدأ البنوك (الدولية) الكبرى في إبرام صفقات، غير أن البنوك الأوروبية مازالت خائفة من البنوك الأمريكية."
ويشكو قادة إيرانيون من أنهم تعرضوا للخديعة فيما يتعلق بتخفيف العقوبات مقابل الاتفاق النووي.
وقال الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الشهر الماضي: "على الورق تسمح الولايات المتحدة للبنوك الأجنبية بالتعامل مع إيران، لكنها في الواقع العملي تخلق خوفًا من إيران حتى لا يبرم أحد صفقات معها."
ويقول بيجل المدير التنفيذي السويسري، إن الرئيس حسن روحاني طلب من رئيس سويسرا خلال زيارة لطهران في وقت سابق من العام الحالي الضغط حتى تبدأ البنوك السويسرية تمويل عمليات أجنبية في إيران.
ويضيف "لكن بالطبع لا يمكن للحكومة السويسرية أن تأمر شركة خاصة بأن تفعل ذلك، يمكنها الإشارة إلى أنها ستعتبر ذلك خطوة إيجابية بل ويمكنها أيضًا النظر في بعض الضمانات لكنه في نهاية الأمر قرار البنك نفسه."
عداء
وثمة عقبات أخرى، فالحرس الثوري الإيراني ومراكز قوى أخرى كونها المتشددون المحيطون بخامنئي يشعرون بالعداء تجاه دخول النفوذ الأجنبي إلى الاقتصاد الإيراني.
وقد قدم خامنئي الذي تفوق سلطاته صلاحيات المسؤولين المنتخبين في البرلمان والرئاسة تأييده للاتفاق النووي الذي عزز وضع الرئيس روحاني المنتمي لتيار الوسط الإصلاحي.
واستطاع روحاني بالتحالف مع الإصلاحيين والمحافظين المستقلين انتزاع السيطرة على البرلمان من المتشددين في الانتخابات التي أجريت في فبراير/شباط.
ويعتقد بعض حلفائه أن هذا سيسهل على الحكومة استحداث قوانين لتحسين مناخ الأعمال.
ومع ذلك فقد أقر البرلمان قبل 4 سنوات قانونًا يهدف لتقليص دور الدولة في الاقتصاد وفرض لوائح ذات مصداقية وضمانات للمستثمرين، وحمل مؤسسات مثل الحرس الثوري على سداد الضرائب في نهاية المطاف، ولم ينفذ هذا القانون.
ويعتقد بعض المحللين الإيرانيين أن روحاني يجسد التوقعات الشعبية التي يبدو أن مراكز القوى المرتبطة بالحرس الثوري عازمة على إحباطها؛ لأن العقوبات مكنتها من تحقيق السيطرة على الاقتصاد والاحتفاظ بها.
ويقول حسين رغفار أستاذ الاقتصاد بجامعة الزهراء في طهران: "هناك جماعات كثيرة من أصحاب المصالح أصبحت ثرية للغاية بسبب الأزمة الاقتصادية، وهي لا تريد رفع العقوبات."
ويقول سعيد ليلاز الاقتصادي الذي تربطه صلة وثيقة بروحاني، إن الاقتصاد الإيراني أرغم على الركوع من خلال سوء الإدارة أكثر منه بسبب العقوبات.
وكان ليلاز قد دخل السجن بعد حملة القمع التي شنها متشددون لإخماد الاحتجاجات على انتخابات الرئاسة التي تردد أنها تعرضت للتلاعب، وأسفرت عن فوز محمود أحمدي نجاد بفترة ولاية ثانية عام 2009.
وقال ليلاز، إنه لا يقلل من حجم عداء مراكز القوى لمزيد من الانفتاح الاقتصادي.
وأضاف "أعتقد اعتقادًا جازمًا أن شطرًا واضحًا من النظام استفاد من مشروع خلق العقوبات ضد إيران لإخفاء سوء الإدارة والنهب المنظم للثروة الاقتصادية."
وتابع أنه لتغيير المناخ العام للأعمال في البلاد لابد من اتفاق الزعيم الأعلى والحرس الثوري والنظام القضائي على ذلك.
وقال "هذه عناصر في غاية الأهمية لجذب الاستثمار الأجنبي، فتأييد البرلمان وحده لا يفلح على الإطلاق، ولهذا السبب ليس لدي تفاؤل كبير بذلك."