جدل في مصر حول اعتزام الحكومة إطلاق صندوق "أملاك" السيادي
لاقى صندوق "أملاك" السيادي الذي أعلنت وزارة التخطيط المصرية عن دراسة إطلاقه آراء متباينة بين خبراء الاستثمار والبنوك
لاقى اتجاه الحكومة المصرية لإطلاق أول صندوق سيادي رسميًا تحت اسم "أملاك" ردود أفعال متباينة بين المصرفيين وخبراء الاستثمار والتشريعات الاقتصادية، إذ رحب البعض بهذه الخطوة باعتبارها تشكل نواة لكيان مالي قد يشكل محفزًا رئيسيًا للاقتصاد في المستقبل.
وأكد فريق من خبراء الاستثمار أن الحكومة تمتلك عدة مصادر لتمويل الصندوق مثل مخصصات الإنفاق الاستثماري بالموازنة أو أموال التأمينات أو فتح باب الاكتتاب أمام المواطنين.
وأعتبروا أن الميزة الأهم في فكرة الصندوق هي مساهمته بنسبة 20% في المشروعات بحد أقصى مقابل 80% للقطاع الخاص بحيث تكون المساهمة الحكومية دافعا رئيسيا يشجع الشركات الخاصة على ضخ الاستثمارات.
أما على الجانب الآخر، رأى فريق آخر من خبراء الاستثمار أن الوقت الحالي لا يلائم تأسيس صنددوق سيادي نظرًا لمحدودية موارد الدولة في ظل تجاوز الدين العام حاجز 2 تريليون جنيه واقتراب عجز الموازنة من 300 مليار جنيه سنويًا، بصورة لا تسمح بتحميل المزيد من الأعباء على الموازنة.
وأشاروا إلى أن صندوق "تحيا مصر" الذي أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل عامين يقوم بنفس الدور تقريبًا إذ يعكف على تنفيذ مشروعات استثمارية ذات بُعد تنموي في مجال الزراعة والتصنيع والتجزئة، علاوةً على أنه من الأفضل استكمال الحكومة في تحفيز مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص بنظام PPP دون تحميل الدولة أية تكاليف.
جدير بالذكر أن قانون الـ PPP أو الـ Public - Private Partnership هو إحدى آليات الحكومة للشراكة مع القطاع الخاص، الذى تم إصداره فى عام 2009 باعتباره أحد الأنظمة التمويلية الجديدة.
ويقوم عمل نظام الـPPP على التمويل المشترك بين القطاع الخاص والقطاع الحكومى، لتنفيذ مشروعات البنية التحتية، ويصبح للقطاع الخاص حق إدارة المشروع بعد الانتهاء منه لفترة زمنية طويلة ويعود المرفق بعدها إلى الحكومة مرة أخرى بعد تحقيق مستهدفات المستثمر.
ويُعرّف صندوق النقد الدولي الصناديق السيادية بأنها صناديق استثمار ذات غرض خاص تملكها الحكومة، وتحتفظ بالأصول أو تتولى توظيفها أو إدارتها لتحقيق أهداف مالية.
وتنشئ صناديق الثروة السيادية في العادة معتمدة على فوائض ميزان المدفوعات، أو عمليات النقد الأجنبي الرسمية، أو عائد الخصخصة، أو فوائض المالية العامة، أو الإيرادات المتحققة من الصادرات السلعية، أو كل هذه الموارد مجتمعة.
كما تهدف هذه الصناديق إلى الحصول على عائدات أكبر من تلك التي يمكن أن تسجلها سندات الخزانة .
ويوجد حول العالم عشرات الصناديق السيادية، في مقدمتها صندوق التقاعد الحكومي النرويجي بقيمة 882 مليار دولار، ثم جهاز أبوظبي للاستثمار بقيمة 773 مليار دولار، ثم الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد السعودي والتي تتجاوز 600 مليار دولار.
من جانبه، قال الدكتور أشرف الإبراشي الشريك بمكتب الإبراشي للاستشارات القانونية الاقتصادية إن مصر في حاجة إلى إطلاق عدة مبادرات تمويلية لتحفيز الاقتصاد في ظل الأزمات التي يعاني منها، ولكن يجب أن تكون المُبادرة مدروسة جيدًا ومحددة الملامح حتى لا تنتهي بالفشل.
وأضاف أن صندوق أملاك لا يعتبر الصندوق السيادي الأول الذي تطلقه مصر، حيث أعلنت العام الماضي عن تأسيس صندوق "تحيا مصر" عبر تلقي مساهمات وتبرعات من المواطنين وشركات القطاع الخاص وكذلك الشركات الحكومية والهيئات مثل قناة السويس، ويقوم الصندوق بتنفيذ مشروعات زراعية وصناعية، ولكن الشيء المختلف أن الدولة لم تكن هي الجهة الوحيدة المساهمة في المشروع ولم تعلن رسميًا أنه صندوق سيادي.
وأوضح الإبراشي أن القانون الذي تعده الحكومة لتنظيم إصدارات الصناديق السيادية ينبغي أن يحدد مصدر أو جهة التمويل وطبيعة المشروعات التي سيسهم فيها وكيفية إدارة الصناديق، إذ يمكن أن تتم مباشرةً من خلال الحكومة أو بإسنادها إلى شركات إدارة أصول محلية أو أجنبية.
واعتبر الإبراشي إن أهم التحديات التي تواجه صندوق أملاك السيادي هو ضعف موارد البلاد المالية، في ظل ارتفاع حجم المديونية وخدمة الدين التي تلتهم أكثر من 30% من الموازنة، فضلاً عن اقتراب عجز الموازنة من 300 مليار جنيه.
وأشار إلى أن التحدي الثاني هو البيروقراطية وتباطؤ إصدار الموافقات والتراخيص الحكومية للمشروعات، إلا إذ كانت مشروعات الصندوق ستتمتع بمزايا استثنائية باعتباره يمثل استثمارات حكومية من شأنها تشجيع القطاع الخاص على مشاركته، غير أن ذلك يفقد مناخ الاستثمار مبدأ العدالة في الفرص.
وقد أعلنت وزارة التخطيط أن صندوق أملاك السيادي سيسهم بنسبة 10- 20% على أن يسهم القطاع الخاص بالنسبة المتبقية.
وبناءً على ذلك أوضح خبير التشريعات الاقتصادية أن الجهاز المركزي للمحاسبات لن يراقب على هذه المشروعات مباشرةً نظرًا لانخفاض نسبة المساهمة المستهدفة للحكومة عن 25% وهو ما يقلل من التدخل الحكومي، في حين ستقتصر رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات على كفاءة إدارة أموال الصندوق.
ويرى الإبراشي أنه من الأفضل أن تستكمل الدولة خطة الشراكة مع القطاع الخاص بنظام الـ PPP عبر طرح مشروعات تمتلك دراسة جدوى متكاملة بدلاً من تأسيس صندوق سيادي، خاصةً أنه مازال هناك مشروعات متعددة بنظام الـPPP لم تُستكمل مثل مشروعات المعهيد التكنولوجي ومجمعات المدارس ومشروع الميكنة التكنولوجية لمصلحة الشهر العقاري وغيره من مشروعات البنية التحتية.
من جانبه، رحب محمد فاورق وكيل بنك الاستثمار القومي وعضو المجلس المصري للشئون الاقتصادية باتجاه مصر لتأسيس صندوق أملاك السيادي لتشجيع القطاع الخاص على ضخ المزيد من الاستثمارات، بدلاً من الاعتماد على الإنفاق الحكومي بصورة شبه رئيسية في تنشيط الاقتصاد.
وأوصى فاروق وزارة التخطيط، التي تعكف على دراسة أوجه الصندوق، بدراسة تجارب الصناديق السيادية الدولية وتحديدًا في الأسواق الناشئة التي حققت نموا سريعا مثل سنغافورة وكازخستان، وكذلك الدول العربية وتحديدًا الإمارات التي أسست 3 صناديق هي جهاز أبوظبي للاستثمار، ومؤسسة دبي للاستثمار ومجلس أبوظبي للاستثمار.
وأشار وكيل بنك الاستثمار القومي إلى أن الحكومة تمتلك عدة مصادر لتمويل الصندوق مثل مخصصات استثمارات الموازنة أو فتح باب الاكتتاب أمام المواطنين في حالة الرغبة في عدم تحميل الموازنة أي أعباء إضافية أو تقليص الاستثمارات الموجهه للبنية التحتية.
ومن بين الموارد التي تعتمد عليها الصناديق السيادية هي أموال التأمينات مثل صندوق التقاعد النرويجي، وتبلغ أموال التأمينات المصرية 612 مليار جنيه تتوزع بين 55 مليار وديعة ببنك الاستثمار القومي، و105 مليارات استثمارات مباشرة، إضافة إلى 160 مليار جنيه مديونية لدى الخزانة العامة للدولة، و292 مليار جنيه صكوكًا بالخزانة المصرية.
وأكد فاروق أن ميزة صندوق أملاك السيادي هي أن المبلغ المبدئي الذي ترصده الحكومة بقيمة 5 مليارات جنيه بخلاف أصول أخرى بقيمة 5- 10 مليارات جنيه من شأنه جذب استثمارات من القطاع الخاص بقيمة 50 مليار جنيه، وفي حال نجاح هذا الهدف سيكون ذلك من أهم الإنجازات التي حققتها مصر خلال الفترة الحالية.
ولفت إلى أن الحكومة أمامها فرص استثمارية ذات عائد مجزٍ في المشروعات الخدمية مثل المدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء.
وبرأى فاروق أن أبرز التحديات التي تواجه تجربة صندوق أملاك السيادي هو مدى قدرته على توليد عائدات مجزية باستمرار لسداد الالتزامات المترتبة عليه في حالة مشاركة المواطنين بالاكتتاب بأموال الصندوق.
من جانب آخر، أبدى أيمن إبراهيم خبير الاستثمار تحفظه على اتجاه الحكومة لإنشاء صندوق سيادي في ظل امتلاكها صندوق تحيا مصر الآن، فضلاً عن تجاوز الدين العام حاجز 2 تريليون جنيه ما يتطلب تقليص حجم الإنفاق الحكومي.
وشدد أنه على الدولة تحفيز القطاع الخاص للقيام بالدور الاستثماري لعدم إلقاء المزيد من الأعباء على الموازنة، ويتحقق هذا من خلال تفعيل الشباك الموحد في إصدار التراخيص بدلاً من تعدد جهات ولاية الأراضي والموافقات، بخلاف البيروقراطية والفساد الإداري.