القعيد: "التجديد الثقافي" ليس دقيقا.. ونحتاج إلى تغيير شامل
في الملتقى الدولي لتجديد الخطاب الثقافي كانت جلسة شارك فيها الكاتب المصري يوسف القعيد حول علاقة تجديد الخطاب الثقافي بالإصلاح التشريعي
في اليوم الأول من فعاليات الملتقى الدولي لتجديد الخطاب الثقافي الذي تستضيفه القاهرة، شهدت قاعات المجلس الأعلى جلستين متزامنتين؛ عقب الافتتاح، كانت أبرزهما التي انعقدت حول علاقة "تجديد الخطاب الثقافي والإصلاح التشريعي"، وشارك فيها كل من الكاتب والروائي المصري يوسف القعيد، والقانوني والقاص أشرف الخريبي، والقانونية اللبنانية غنى أبو مراد وأدار الجلسة المستشار خالد القاضي.
وجهت الباحثة اللبنانية غنى أبو مراد الشكر لوزير الثقافة المصري وللأمين العام للمجلس أمل الصبان على ما اعتبرته "خطوة مهمة في تجديد الخطاب الثقافي بمفهومه العام وربطه بمناحي الحياة المختلفة"، واستهلت ورقتها المقدمة بطرح تصور يقوم على الربط بين تجديد الخطاب الثقافي عمومًا وباستناده إلى أرضية وطنية "خالصة" وضرورة الإصلاح التشريعي الذي بات ضرورة ملحة وخطيرة في ظل المشكلات الكبرى والتحديات الضخمة التي يواجهها العالم العربي، وفرقت أبو مراد ما بين مفهومي "الثقافة" و"الحضارة"، مؤكدة أن الثقافة أسلوب حياة ونمط تفكير ورؤية للعالم بينما الحضارة هي جماع كل ذلك بالإضافة إلى جوانب أخرى، وبالتالي فهي أشمل وأعم من "الثقافي" فقط.
وأشارت أبو مراد، في ربطها بين الثقافي والتشريعي إلى ضرورة إحياء فكرة "الإصلاح التشريعي" من دون فصله عن غيره من المجالات والحقول المعرفية والإنسانية الأخرى، بل وجوب التعمّق في هذا الربط بين التشريعي والعلوم الإنسانية والمعرفيّة بصفة عامة، موضحة أن غياب الرؤية الشاملة والكلية أدى إلى إهدار العديد من الجهود والمحاولات التي سعت عبر سنوات عديدة إلى تلافي المشكلات فيما يخص الإصلاح التشريعي وربطه بسياق ثقافي أوسع وأشمل.
أيضا، أكدت الباحثة اللبنانية، أن هذا الإصلاح/ التغيير لن يتأتى دون إيلاء أهمية قصوى للتغيير الثقافي وأولويته في هذا المجال؛ لأن هذا النوع من التغيير لا بدّ أن ينبثق من قلب حركة المجتمعات العربية وتطلّعات أبنائه، كما لا بد من مراجعة الذات ومساءلتها ونقدها وإعادة النظر في مفاهيمها وطموحاتها. كلّ ذلك يحدث في ظلّ تحديات ضخمة وعنيفة نواجهها في ظرف عربي راهن، ملتبس ومعقد.
واختتمت غنى أبو مراد مداخلتها بالتأكيد على أن من أولويّات تجديد الخطاب الثقافي هو الانطلاق من أرضيات وطنية خالصة، تحمل آمال وتطلعات الشعوب العربية، وهو ما سيقودنا في النهاية إلى "الإصلاح التشريعي المتلائم" مع تقدّم المجتمعات وتطورها على كل الأصعدة.
فيما تساءل الكاتب والروائي المصري يوسف القعيد، في مداخلته، عن معنى تجديد الخطاب الثقافي، معتبرا أن صياغة "تجديد الخطاب الثقافي" ليس دقيقا، ولن يكون مفيدا طالما أننا لم نغير أنماط الحياة اليومية بكل خطاباتها المختلفة، مؤكدا أنه من المستحيل نجاح ذلك التجديد في الخطاب الثقافي ما لم ننجح في تغيير ما حولنا.
وأشار القعيد إلى أن ما نردده حول تجديد الخطابات السياسية والدينية والثقافية، هو إهدار لوقت وجهد حول مفاهيم ينبغي أن تتغير بالكلية وتماما عبر بدائل أخرى، ومن خلال تأسيس ثقافة مغايرة بمفاهيم جديدة وعصرية، وضرب مثالا بصياغات قانونية وتشريعات قديمة تعتمد على مفاهيم "عفا عليها الزمن" وترتب عليها أو نتج عنها مشكلات كبيرة مثل التي رأيناها في الفترة الأخيرة (حبس إسلام البحيري والكاتب أحمد ناجي والحكم بالسجن على فاطمة ناعوت.. إلخ)
وكشف القعيد عن محاولات يقوم بها البرلمان المصري، مثالا، للحد من بعض التشريعات التي ساهمت في بروز قضايا مثل ازدراء الأديان وخدش الحياء وغيرها مما يتمسك به الأصوليون ويستغلون وجوده للحد من حرية الرأي والتعبير وغيرها، كما تناول أيضا صورة المثقف "حاليا" الذي يعاني من رؤية المجتمع له عبر إرث من التصورات السلبية وغير المقبولة، وتحدث عن قوى الظلام التي تفهم الدين فهما خاطئا ومضرا.
أما أشرف الخريبي الذي تعرض لجوانب من علاقة الثقافة والإصلاح التشريعي من خلال الثورة فقال إنه بعيدًا عن نتائج وآثار الثورات بالسلب والإيجاب، فبطبيعة الحال لقد تغيرت الرؤية التي توجه أذهان ووجدان المفكرين والكتاب والمثقفين، لتفسير الموقف السياسي واستيعاب حجم المتغيرات المتتابعة ورصد حركة الواقع بكثير من التحليل والفهم للأحداث ولتصور ما يمكن أن ينتجه هذا التغيير في إنتاج خطابه الفكري المُغاير والمتطور وتقديم تصورات ناضجة تختلط بأحلامه وأفكاره حول مفهوم الدولة الحديثة، المرتبط بإزالة الاستبداد وأشكال الديكتاتورية في مقابل المزيد من الحرية والديموقراطية التي تتناسب والظرف التاريخي وأحلام الحرية.
واعتبر الخريبي أن هذا الانتقال، بالضرورة، يتطلب رؤية فكرية واضحة لتكون مدخلاً للإصلاح السياسي المنشود وبناء أسس ديموقراطية تؤسس لنظرية الدولة الحديثة في عالمنا العربي، ليعيد للإنسان داخل هذا الوطن الحقوق المسلوبة منذ أزمان سحيقة، ولهذا كانت هذه المرحلة (الحالية) بمثابة إعادة إنتاج الدستور والتغييرات المتتابعة لمجموعة من القوانين، وما تبع ذلك من تغير في الهيكل الأساسي للدولة من أجل بناء سياسي مُختلف بهدف النهوض بهذه المجتمعات.
واختتم الخريبي مداخلته بالتأكيد على أن الإصلاح الثقافي أهم بل رأس الإصلاحات لإحداث نهضة شاملة، وعلى اعتبار أن الثقافي أو المفهوم الثقافي هو هذه القيم التي ترتبط بأسلوب وسلوك الفرد في الحياة وتعد منطلقا وتأسيسا لإصلاح تشريعي مأمول باعتبار أن الثقافة منشأة للقيم والأفكار الاجتماعية التي ترعى الفرد والتشريع على اعتبار أنه تنظيم سلوك الأفراد وقيمهم داخل المجتمع.