الملتقى الدولي لتجديد الخطاب الثقافي المنعقد بالقاهرة يستمر بمناقشة الأوراق البحثية المطروحة على طاولته بمشاركة 130 باحثا مصريا وعربيا
بتأكيد أهمية وضرورة التجديد والتغيير والانتقال من ثقافة مرحلة إلى أخرى مغايرة، استهل الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة بالقاهرة، ورقته البحثية "النقد شرط لكل تجديد" التي قدمها في الملتقى الدولي الأول لتجديد الخطاب الثقافي، المنعقد حالياً بالقاهرة، بمشاركة 130 باحثا وناقدا ومفكرا من مصر والدول العربية.
مغيث انطلق من فكرة أن الثقافات تتغير؛ هذا حكم بديهي يمكن ملاحظته في ثقافات العالم المختلفة من خلال المقارنة بين قيمها ومعارفها وممارستها الحالية وتلك العناصر في تاريخها الغابر، هذا التغير يحدث في الغالب بصورة باطنة تدريجية ولا شعورية، ولكن في بعض الأزمات الحادة يصبح هذا التغير ضرورة ينبغي أن يقوم بها الفاعلون بشكل واع.
مغيث أوضح أن هذا هو حالنا في مصر الآن، فالجميع أصبح يدرك عدم ملاءمة ثقافتنا للعصر الذي نعيش فيه، والكل ينادى بضرورة "التجديد"، ولكن رغم ذلك يتصور الكثير منا أن هذا الأمر يمكن أن يتم بصورة هادئة وكسولة، إذ يعتقدون أنه يكفي التصريح بهذا الجديد الذي نسعى إليه حتى يسود من تلقاء نفسه.
ولكن نظرة على أي موقف مشابه في تاريخ الأمم، يقول مغيث، نجد أن هذا التجديد لم يتم بدون ممارسة نقد حاد وصاخب للقيم والسلوكيات السائدة، وهذا النقد لم يتم بدون إتاحة حرية التعبير ونزع كل التحصينات الفكرية والقانونية التي تقيمها الثقافة السائدة حول نفسها.
مداخلة مغيث قدمت الاثنين في المجلس الأعلى للثقافة في الندوة التي افتتحها الدكتور أيمن عامر بمداخلة تدور حول "تعلم الإبداع وتعليمه: ضرورة ثقافية"، منطلقا من طرح عدة أسئلة تدور حول: هل يمكن تعلم الإبداع وتعليمه؟ وإن كان ذلك ممكنا، فكيف وبأية وسيلة؟ في سعيه للإجابة، قال عامر إن هذا السؤال كثيرًا ما يطرح -ويعاد طرحه- على السيكولوجيين والتربويين كلما أثيرت مشكلة التعليم الجامعي وما قبل الجامعي في مصر، وكلما أثيرت مشكلات تجديد الخطاب الثقافي في بلادنا.
وأوضح عامر أن الافتراض الكامن وراء هذا السؤال، أن الإبداع قد يكون حلاً لتجديد الفكر والتفكير، وقد يكون فعالاً إذا ما تم البدء بتعليم مهاراته لدى الأبناء خلال مراحل التعليم المختلفة، مشيرا إلى أن ورقته تحاول إلقاء الضوء على المعوقات التي تحول دون إمكان تحقيق ذلك على النحو المأمول، وهي تحاول ألا تقف عند مستوى الإجابة عن السؤال كيف؟ بل تسعى إلى البحث وراء السؤال الأهم وهو لماذا ينظر إلى الإبداع بوصفه الحل، وذلك في ضوء تعريف للإبداع بأنه حرية التعبير على المستوى النفسي والاجتماعي والسياسي، وهو ما يجعله ضرورة ثقافية.
وطرح عامر في مداخلته سؤالا آخر عن أنواع الإبداع المختلفة منطلقا من تقسيمه إلى نوعين؛ الإبداع بالإنتاجية والإبداع بالإمكانية؛ موضحا أن "الإنتاجي" هو كل ما أنتجه المبدع وما تقاس معه قدرته على الإبداع، إما "الإمكاني" فهو سمات الإبداع الموجودة في كل فرد وغالبا ما تكون فطرية.
مضيفاً أن أي منتج إبداعي يجب أن يخرج من المجتمع ويصب في المجتمع، وبأن الإبداع لا يفنى ولا يستحدث من عدم، لذا فإننا نراه في كثير من الحالات يتحول من صورة إلى صورة أخرى، وأكد على ضرورة التعرف على السياق النفسي الاجتماعي للإبداع، ومن ثم خلق السمات المهيئة له وصقلها مع ضرورة احتضان المبدع وتوفير نماذج القدوة والاقتداء له وعن التربية ودورها في الإصلاح والتجديد.
أما الدكتور زاهي ناضر في ورقته البحثية المعنونة (إشكاليات التغيير التربوي في العالم العربي)، فوصف التربية بأنها "البداية الصحيحة إذا أردنا بحق التغيير"، وأضاف أن المدرسة ليست فقط المكان المنوط به التعليم، فهناك التربية الدينية والتي لها التأثير الكبير في بناء الشخصية كذلك وسائل الإعلام وما ترسخه من مفاهيم، ولكنه أشار إلى تركيزه في بحثه على التربية المدرسية والمعوقات التي تعترض التطور التربوي من مسايرة المعاصرة.
ومن أهم تلك المعوقات، بحسب نضر، انعكاس إيديولوجيات كثيرة في مسيرتها التربوية؛ منها ما هو ديني، وما هو سياسي، وأحيانا انعكاسات حزبية، وأكد أن المعوق الأخطر هو محاولات التجهيز على دورها التطلعي وإعادتها للوراء وخاصة في البلدان التي لها طابع إسلامي متشدد والتي ترى دائما كما وصفها بأنها "تمتلك اليقين والحقيقة المطلقة"، وكذلك انتشار المنهج البطريركي والذي يقوم علي مبدأ الانطلاق من سلطة الأب في كل شيء؛ البيت والعمل والحياة السياسية وهي الفكرة التي ينبغي مواجهتها؛ لابد من مواجهتها بمناخ ديمقراطي شامل يسود مجتمعاتنا وإلا فلا سبيل لتحقيق تجديد في أي شيء أو أمر من مشكلاتنا الملحة.
عن إشكالية (الثقافة والتعليم) تحدث الدكتور عبد الرحمن حجازي من خلال بحثه (الثقافة والتعليم في العالم العربي ـ نحو استراتيجية مستقبلية) قائلا إن العلاقة بين التعليم والثقافة تبرز من الجهود العربية المدركة لضرورة التفاعل والتلاقي بين الشعوب العربية كافة، موضحا أن تجديد الخطاب الثقافي لن يتم إلا بربطه بالتعليم، فالبداية لا بد أن تكون من المؤسسة التعليمية ومن خلالها حيث يتجلى الدور المحوري بل المركزي للمدرسة والجامعة في ذلك.
واستطرد حجازي في ذكر قضية العلاقة بين (الذات/ والآخر) بوصفها محورًا مركزيًا في سياق التنوع اللغوي والتعدد الثقافي، والذي ينبغي أن يقوم على الاعتراف بالآخر وبضرورة الالتقاء والتفاعل معه، مع الحرص على بلورة الهوية والحفاظ على الخصوصية، قائلا "هنا يبرز دور المثقفين من العلماء والمفكرين العرب للتأثير على الحكومات وعلى المسئولين عن التربية والتعليم في الدول العربية للتركيز على تدريس اللغة العربية ورفع شأنها وتدريس التراث العربي القديم والتعريف بالعلماء العرب القدماء الذين كان لهم فضل كبير على النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر الميلادي، والذين استمدت العلوم الحديثة من اختراعاتهم واكتشافاتهم الكثير".
aXA6IDE4LjIyNC41OS4xMDcg جزيرة ام اند امز