المبادرة الفرنسية أو ما يصطلح على تسميتها بالمؤتمر الدولي للتوصل لمرجعية دولية جديدة للمفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية» تثير تساؤلات
المبادرة الفرنسية أو ما يصطلح على تسميتها بالمؤتمر الدولي للتوصل لمرجعية دولية جديدة للمفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية» تثير تساؤلات كثيرة: لماذا فرنسا وما أهدافها؟ وما هو الموقف الأمريكي ؟ ولماذا تقبل السلطة الفلسطينية وتدعم هذا الخيار؟ وبالمقابل لماذا ترفض «إسرائيل» فكرة المؤتمر؟ وهل البيئة الدولية ناضجة لعقد هذا المؤتمر؟ وهل يمكن أن يسفر المؤتمر عن قرارات ومرجعية ملزمة؟
فرنسا من ناحيتها كدولة محورية في أوروبا، ودولة مؤثرة دولياً تسعى لأن يكون لها هذا الدور كما مارسته في العديد من القضايا الدولية في إفريقيا وغيرها.وما دفع فرنسا للقيام بهذا الدور علاقاتها الإيجابية مع كل من السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» وعدد من الدول العربية. إلا أن فرنسا تدرك أن هذا الدور محفوف بالكثير من المخاطر والتحديات. ولعل في مقدمتها الدور الأمريكي الرافض لأية دولة أخرى ترعى المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية»، وهذا الاحتكار الأمريكي تدركه فرنسا، كما يدركه الفلسطينيون والدول العربية، تحاول فرنسا مدعومة من الدول العربية لملء الفراغ السياسي الذي ستدخله القضية بسبب الانتخابات الأمريكية، ومحاولة تفعيل وتحريك القضية الفلسطينية فيما تتنامى موجات الإرهاب الذي لم يستثن أوروبا. ورغم إدراك فرنسا للتحديات والمخاطر إلا أنها استمرت في مواصلة جهودها بالزيارات التي قام بها كل من وزير خارجيتها ورئيس وزرائها للمنطقة. ويبقى التساؤل الرئيسي عن موقف كل من «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية من المؤتمر. الموقفان متناقضان كل منهما يلغي الآخر، فالموقف «الإسرائيلي» ثابت على رفض فكرة تدويل القضية الفلسطينية، ورفض كل قرارات الشرعية الدولية، أو أي دور مباشر للأمم المتحدة لأنها تدرك ماذا يعني تدويل القضية الفلسطينية، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية وإلغاء كل سياساتها الاستيطانية والتهويدية على الأراضي الفلسطينية، وتصر «إسرائيل» على أن تحصر القضية في إطارها الثنائي على اعتبار أنها مجرد مسائل خلافية مع الفلسطينيين يمكن حلها بالمفاوضات المباشرة، وبالتالي لا ضرورة لمثل هذا مؤتمر. والذي يساعد «إسرائيل» على هذا الرفض هو الموقف الأمريكي الداعم لموقفها والذي يوفر لها الحماية في داخل مجلس الأمن، ومحصنة ب«الفيتو» الأمريكي الذي يحول دون اللجوء إلى الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة، لهذا جاء الرفض «الإسرائيلي» للمبادرة الفرنسية.
أما عن دور السلطة الفلسطينية وموقفها فهو لا يخرج عن التمسك بخيار تدويل القضية الفلسطينية والتمسك بقرارات الشرعية الدولية، وعلى أهمية هذا الخيار، إلا أنها من الضعف بما لا يسمح لها برفض أية مبادرة دولية في هذا السياق، لذا هي تؤيد فكرة المؤتمر الدولي، رغم إدراكها بأن الشرعية الدولية تحتاج لقوة ملزمة غير متوفرة.
أما الموقف العربي فهو في أسوأ حالاته من القضية، فلم تعد «إسرائيل» العدو الأول، كما أن الدول العربية منشغلة بقضاياها الداخلية، وفي مثل هذه البيئة الدولية والإقليمية لا يمكن أن ينتظر أن يأتي هذا المؤتمر بقرارات ملزمة، فكما هو معلوم فإن قرارات المؤتمر ليست ملزمة، ولا يمكن فرضها بالقوة، وتحتاج إلى بلورة في صورة مشروع قرار ملزم يصدر عن مجلس الأمن وهذا خيار مستبعد بسبب الموقف الأمريكي، إضافة إلى ضعف البيئة العربية والدولية التي تعمل كلها لصالح «إسرائيل».
إن عقد المؤتمر من دون «إسرائيل» وفلسطين، وبالتالي حفظاً لماء وجه الجميع يمكن أن يخرج المؤتمر ببيان عام وبإطار ومرجعية دولية جديدة قد يتم من خلالها توسيع إطار الرباعية الدولية، وبتحديد أسس المفاوضات، والتي كما ستشير لحل الدولتين ودعم المطالب الفلسطينية، لكنها في الوقت ذاته لن تتجاهل احتياجات «إسرائيل» الأمنية والاعتراف بها كدولة يهودية، ليجد الفلسطينيون والعرب أنفسهم أمام مأزق جديد للشرعية الدولية، ويبقى التساؤل كيف سيتعاملون مع هكذا مرجعية جديدة؟
وأما السيناريو الآخر فهو الذهاب لمجلس الأمن من جديد بمشروع عربي بدعم أوروبي، وهذا سيناريو من السيناريوهات المفتوحة، لكن الفرصة تبقى ضعيفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة