بورصة الدروس الخصوصية بمصر تحلق لأعلى مستوياتها في غياب حل فعال
الدروس الخصوصية هي ظاهرة تركت آثارًا على التعليم المصري، لترتفع أسعارها إلى أرقام خيالية قبل الامتحانات النهائية للعام الدراسي.
يصل مؤشر الدروس الخصوصية في مصر في هذا الوقت من كل عام إلى أعلى مستوياته، مع دخول الطلاب خاصة في مرحلة الثانوية العامة امتحانات نهاية العام الدراسي، والبدء فيما يسمى بحصص المراجعة.
يعد العامل الرئيسي لارتفاع بورصة الدروس الخصوصية في هذه الأيام، هو ازدياد حجم الطلب الذي يصل إلى أعلى معدلاته للمراجعة العامة وحل نماذج الأسئلة المتوقعة في مختلف المواد، وهو ما يرفع سعر الحصة عند بعض مشاهير المدرسين في مختلف محافظات مصر إلى 500 جنيه، وأضعاف هذا الرقم لمجموعات محدودة من الطلاب.
وتظل قضية الدروس الخصوصية أحد أهم أعباء بنود الإنفاق العائلي التي ترهق ميزانيات الأسر المصرية، بالرغم من المحاولات المضنية لمحاربتها، واختلاف الرؤى حول وجودها بين الضرورة والحاجة، ووصول الأمر الى دفاع من أولياء أمور وطلاب للإبقاء عليها، كما حدث في معركة بين وزارة التربية والتعليم ومراكز الدروس الخاصة في بداية العام الدراسي الحالي.
ويتهم البعض المدرسين بالجشع، بينما يرجع آخرون اتساع ظاهرة الدروس الخصوصية إلى تدني مستوى التعليم العام وحتى الخاص في مصر، وغياب دور المدرسة، وعدم انتظام الطلاب بالمدارس من بداية العام، كما أن هناك من يرجعها إلى رغبة الطلاب وأولياء أمورهم في هذا النوع من الدراسة، إذا جاز التعبير، في ظل منافسة غير مسبوقة للالتحاق بكليات القمة في سلم التعليم الجامعي، بحسب أحمد الطناوي أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس.
وقدر الخبراء حجم إنفاق الأسر المصرية على الدروس الخصوصية بمبلغ 22 مليار جنيه، بينما كانت الحصيلة نحو 200 مليون جنيه فقط في منتصف سبعينيات القرن الماضي، فضلًا عن إنفاق الأسر المصرية ما يربو إلى 2 إلى 3 مليارات جنيه على شراء الكتب الخارجية والمذكرات سنويًّا.
ووجد استطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات بمجلس الوزراء المصري مع عينة من أولياء الأمور، أن 88% من الأسر التي لديها أبناء في مراحل التعليم قبل الجامعي تعاني من ظاهرة الدروس الخصوصية، بل قد يصل الأمر في الأسرة الواحدة إلى ما بين 2 إلى 3 طلاب يحصلون على دروس خصوصية، وهو ما يمثل عبئًا ماليًّا كبيرًا على الأسر.
ومن جانبه، قال حسن شحاتة الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس وعضو المجالس المتخصصة لبوابة "العين" الإخبارية، إن الدروس الخصوصية هي انعكاس طبيعي لفشل المدارس في تقديم وجبة تعليمية مناسبة، "وهو الدافع وراء لجوء الطلاب وآبائهم اضطراريًّا إلى الدروس الخصوصية باعتبارها بديلًا شرعيًّا للمدرسة".
واللافت للنظر في الظاهرة أنها لم تعد قاصرة على مرحلة الثانوية العامة، بل شاعت في مختلف المراحل الدراسية بداية من الصف الأول الابتدائي أولى مراحل التعليم، بما في ذلك الدبلومات الفنية، حتى أنها وصلت إلى التعليم العالي ذاته.
ودخلت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، على الخط لتحديد مدى إباحة الدروس الخصوصية، حيث خلصت إلى "إباحة إعطاء هذه الدروس نظرًا لعدم وجود ما يمنع ذلك شرعًا"، وقالت في ردها على سؤال "بشأن حُكْم إعطاء الدروس الخصوصية"، إن البعض من التلاميذ ليس لديهم القدرة على الاستيعاب أثناء الحصة المدرسية.
وبين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لظاهرة الدروس الخصوصية في مصر، خاضت وزارة التعليم معركة لمحاربة الدروس الخصوصية في بداية العام الدراسي الذي شارف على الانتهاء، بصدور قرار من وزير التربية والتعليم يخصص 10 درجات على حضور طلاب الثانوية العامة للمدرسة يوميا، وتم تحديد 1628 مركزًا للدروس الخصوصية لغلقها، وهو ما بدأ تنفيذه وقتها بالفعل.
وكانت المفاجأة خروج الطلاب وأولياء الأمور في مظاهرات ضد قرارات المحافظين بغلق المراكز، وهو ما دفع رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل لإلغاء قرار الوزير.
القضية باختصار هي أن حل أزمة الدروس الخصوصية لا يكمن مواجهتها، بل لابد من تفعيل دور المدرسة أولا وإعادة دورها المفقود وإصلاح منظومة التعليم بشكل شامل ومتكامل، حتى تتم مواجهة ما وصفه الموجه السابق في وزارة التربية والتعليم فوزي تاج الدين في كتابه "وداعًا للدروس الخصوصية"، بأنه "تلوث فرض نفسه على مصر خلال السنوات الأخيرة".