"المدارس الدولية".. صداع في رأس وزارة التعليم المصرية
"المدارس الدولية" في مصر باتت أزمة سنوية "معتادة" تتأزم وزارة التعليم في حل مشاكلها المتعددة لتهدئة "صداع" أولياء الأمور.
في مثل هذه الأيام من كل عام تشهد مصر موجة من الطلب على المدارس الأجنبية "الدولية"، مع إطلاق العديد من المحاذير بشأن الخيارات المتاحة، والمخاوف من عدم حصول بعضها على التراخيص الرسمية، وضمانات تقديم تعليم يعادل ما تحصل عليه هذه المدارس من أموال طائلة.
ورغم احتدام هذه القضية كل عام، إلا أنها ليست حديثة، بل ترجع إلى سبعينيات القرن الماضي، بعد السماح بأنظمة ومناهج تعليم غير مصرية داخل النظام، مثل "البريطاني" و"الأمريكي"، لتتسع فيما بعد إلى مدارس ألمانية وفرنسية وكندية وغيرها.
ويظل التعليم الأجنبي في مصر قضية شائكة بين رغبات المواطنين وأدوات الرقابة عليها، حيث شهد العام الماضي، فضيحة أثناء الإعلان عن نتائج الثانوية الأمريكية بعد أن تبين وجود أكثر من شهادة لبعض الطلاب تختلف في درجاتها والمواد الدراسية، إضافة إلى شهادات من مدارس مختلفة لنفس الطالب في السنة الدراسية نفسها، وطلاب لديهم شهادة الدبلوم الأمريكي وشهادة الثانوية العامة معًا، وشهادات لطلاب تجاوزوا عمر الثلاثين، وآخرين أعمارهم دون السن المتعارف عليه في هذه المرحلة الدراسية.
ودعا الخبراء وقتها لوقفة جادة ومعالجة شاملة، ومحاسبة الجناة الحقيقيين، بدلًا من الحل عن طريق كبش فداء في مثل هذه الحالات حتى لا تتكرر مرات أخرى، واقترح البعض اختيار جهة أمريكية واحدة متخصصة ومعترف بها عالميًّا، فيما يتعلق بآليات الترخيص للمدارس الراغبة في العمل وفق نظام الدبلومة الأمريكية، على أن تكون وزارة التربية والتعليم الجهة الوحيد عن صحة الشهادات.
وبعد مناقشات واجتماعات مطولة، تم الاتفاق على نظام يحكم عملية شهادات الدبلومة الأمريكية في مصر، بعد إلغاء اعتماد التوقيعات الخاصة بالملحق الثقافي المصري بأمريكا باعتماد شهادات الدبلومة الأمريكية، لتتولى الإدارة العامة للتعليم الخاص اعتماد الشهادات وتحصيل المبالغ التي كانت تحصل مقابل ذلك لصالح الخزانة العامة.
وتم إبرام اتفاق للتعاون بين الجهة المانحة ووزارة التربية والتعليم والتوقيع على برتوكول لمواجهة جميع المشكلات التي يعاني منها طلاب شهادات الدبلومة الأمريكية في مصر.
ولم تنتهِ القضية بذلك، حيث وضعت وزارة التربية والتعليم المصرية فترة زمنية لتواكب المدارس أوضاعها مع النظام الجديد، وظلت في متابعة مستمرة مع تواصل مخالفات المدارس الدولية حيث تلقت الوزارة خلال أبريل الجاري تفسيرات من بعض أولياء أمور طلاب عن مدارس أعلنت عن قبول طلاب للعام الدراسي الجديد 2016-2017، لتكتشف الوزارة أن بعض هذه المدارس لم تحصل على تراخيص ولم تطبق المعايير والضوابط الخاصة بأسس العملية التعليمية.
"المدارس الأجنبية ستظل بمثابة صداع مستمر في رأس وزارة التعليم، والتعليم بشكل عام"، هكذا وصف كمال مغيث الخبير التربوي في المركز القومي للتعليم والتطوير، الوضع الجاري في مصر، موضحًا أن ذلك يرجع إلى غياب القانون والرقابة وانتشار الفساد، مؤكدًا ضرورة وجود إرادة سياسية قوية لتفعيل القانون وأن يكون التعليم في هذه المدارس يتبع القواعد والمعايير المصرية.
وقررت وزارة التربية والتعليم المصرية مؤخرًا غلق 3 مدارس في القاهرة والإسكندرية والأقصر، كما تم وضع 6 مدارس تقع في أماكن مختلفة بالقاهرة الجديدة تحت الإشراف المالي والإداري لمخالفتها أحكام القانون والقرارات الوزارية.
وفي السياق ذاته، أشار وزير التربية والتعليم المصري الهلالي الشربيني خلال لقائه أولياء أمور طلاب عدد من المدارس الأجنبية مطلع أبريل الجاري، إلى أن الوزارة تسعى إلى تعزيز وسائل تحفيز الاستثمار في العملية التعليمية ودعم هذا التوجه بقوة، ولكن ليس على حساب العملية التعليمية، فلابد من الالتزام بالمعايير والضوابط لضمان مخرجات جيدة.
وأشارت إحصائيات المجموعة الاستشارية للمدارس الدولية لعام 2015، الى أن مصر هي ثالث دولة عربية في عدد المدارس الدولية، بواقع 183 مدرسه بمعدل 2,25 مدرسة لكل مليون نسمة، وتتركز في المدارس التي تعتمد على التدريس باللغة الإنجليزية، بخلاف الألمانية، اليابانية، الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، والروسية.
ويرى البعض أن المدارس الدولية في مصر لها ضرورة في ظل تدهور العملية التعليمية الحكومية، بينما يرى آخرون أنها كارثة ولابد من إلغائها، ليزداد الصداع الناتج عنها في أروقة وزارة التربية والتعليم، وفي ظل وجود مطالبات بتشديد الرقابة عليها لضمان ما يجري داخلها، حتى لا تضيع هوية الطلاب داخلها.
ومن جانبه، أكد الخبير التربوي محمد الششتاوي ضرورة الإلغاء التدريجي للمدارس الأمريكية بشرط وجود البديل، لافتًا إلى أنه لا يوافق على الحلول المؤقتة، وهو ما وافقه فيه عدد من خبراء التعليم في مصر رأوا أن التجربة الدولية فشلت في مصر وباتت مجرد استنزاف أموال بهدف الربح، خاصة أنها تقوم بتدريس ثقافات غربية في غالبها.
وأثارت المدارس الدولية قضية أخرى على مائدة وزارة التعليم المصرية، ألا وهي التزوير في الدبلوم الأمريكي خلال السنوات الماضية، ما طرح تساؤلات أخرى عن كيفية مواجهة هذه الظاهرة، والدعوة إلى مواجهة أعلى وأقوى من وزارة التعليم، للتصدي إلى أي انحراف، ولكن يظل الإلغاء الكلي للمدارس الدولية غير وارد في جدول الحلول المطروحة، حيث تبقى أدوات الرقابة هي الأداة المتاحة لضبط الأخطاء التي يراها البعض، وتلك التي تمددت من التعليم العام إلى التعليم "الأجنبي" أو "الدولي" إذا جاز التعبير.