مصر تلجأ لسياسات ما قبل 2011 لإعادة بناء احتياطات النقد الأجنبي
خبراء يقيّمون السياسات الجديدة لحكومة القاهرة لرفع قيمة الصادرات
الحكومة المصرية اتخذت عدة خطوات متتالية لدعم الصادرات، كان آخرها إقرار برنامج استثنائي بقيمة 1.5 مليار جنيه لتنشيط الصادرات
بدأت الحكومة المصرية خلال الأيام القليلة الماضية حزمة من الإجراءات لبناء احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وعلى رأسها تلك الإجراءات كان إلغاء تعديلات حوافز الصادرات في 2014 بعد أن أدت إلى خفض مخصصات صندوق دعم الصادرات، بالإضافة إلى تخصيص مبلغ إضافي بقيمة 1.5 مليار جنيه نحو (186مليون دولار) لدعم الصادرات من أبريل/ نيسان الماضي حتى مارس / آذار 2017.
وينتظر المصدرون في مصر خروج الخطة التي تعكف وزارة الصناعة والتجارة على إعدادها لتنفيذ هذا البرنامج الاستثنائي لدعم الصادرات، والذي سيتم توجيهه إلى 4 قطاعات رئيسية، هي: الصناعات الغذائية والكيماوية والهندسية والغزل والنسيج.
وبحسب وزير الصناعة والتجارة المصري طارق قابيل فإن البرنامج الاستثنائي لدعم الصادرات من شأنه أن يُمكن المصدرين من التمتع بمزايا تنافسية في الأسواق الخارجية، ما قد يسهم في رفع الصادرات المصرية إلى الأسواق الأجنبية بواقع 2.5 مليار دولار.
وكانت مصر قد سجلت خلال الأعوام الماضية سلسلة تراجعات متتالية في قيمة صادراتها وسط تحديات تشغيلية وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وتمثل هذا التراجع التدريجي الذي سجل ذروته عام 2011 وعقب ثورة 25 يناير / كانون الثاني إذ بلغ نحو 31.574 مليار دولار، ثم 29.339 مليار دولار في عام 2012، وفى عام 2013 سجلت الصادرات نحو 28.735 مليار دولار قبل أن تنخفض في 2014 إلى 26.771 مليار ثم تسجل انخفاضًا دراماتيكيًا في العام الماضي 2015 لتسجل 20.515 مليار دولار.
والمراقب لسياسات دعم الصادرات المصرية يرصد ارتفاع مخصصات دعم الصندوق إلى مستويات تفوق المخصصات المرصودة في عام 2010/2011 الذي شهد ذروة النشاط التصديري للبلاد.
وكانت الحكومة المصرية برئاسة المهندس شريف إسماعيل قد خصصت لصندوق دعم الصادرات العام المالي الحالي نحو 5 مليار جنيه، بخلاف دعم استثنائي بـ 1.5 مليار جنيه ينتهي في مارس/ آذار 2017، ما يعني أن أكثر من مخصصات العام الماضي البالغة 2.6 مليار جنيه بنحو 150%، وكذلك تفوق مخصصات 2010/2011 البالغة 4 مليارات جنيه.
لكن لم يثمر التحول الكبير في سياسات دعم الصادرات عن التحسن المأمول خلال الأربعة أشهر الأولى من 2016، والتي شهدت تحسنًا طفيفًا في قيمة الصادرات غير النفطية بارتفاعها إلى 1.7 مليار دولار مقابل 1.6 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.
وترصد بوابة "العين" الإخبارية عبر خبراء ومراقبين للشأن الاقتصادي والمُصدرين النتائج المرتقبة من السياسات الجديدة للحكومة المصرية لدعم الصادرات والمعوقات التي تواجه تسريع وتيرة تنشيط الصادرات.
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة الدكتور مختار الشريف إن الحكومة المصرية الحالية أدركت أن السياسات المتبعة بعد ثورة 2011 بتقليص دعم الصادرات استنادًا إلى محدودية موارد الدولة المالية آتت بنتائج عكسية تمثلت في تراجع قيمة الصادرات بنسبة 35% خلال 4 سنوات، ما أدى إلى فقدان جانب هام من موارد احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد.
وكان حجم الاحتياطي الأجنبي للبلاد قد تراجع من 36 مليار دولار بنهاية 2010، إلى 17.52 مليار دولار في مايو / أيار 2016 تحت وطأة تراجع إيرادات السياحة والصادرات.
وأوضح الشريف أن الحكومة تتوسع بصورة كبيرة في دعم الصادرات الآن سواء عبر رفع مبالغ الدعم أو تحمل 50% من تكلفة شحن البضائع المصرية المُصدرة لأسواق أفريقيا لتعزيز تنافسيتها مقابل الصادرات الأوروبية وجنوب وشرق آسيا وتحديدًا الصين.
ورغم تأييده للخطوات الحكومية في تدعيم الصادرات في هذا التوقيت الحرج، إلا أن الدكتور مختار الشريف اعتبر أن البرنامج الاستثنائي لدعم الصادرات ليس كافيًا للوصول إلى المعدلات السابقة حيث إن مبلغ 1.5 مليار جنيه يوازي وفقًا لأسعار السوق السوداء للدولار أقل من 150 مليون دولار، لافتاً إلى أن ذلك "رقم محدود مقارنة بحجم التحديات التي تواجه الصناعة المصرية".
وأشار إلى أن قفزة سعر الدولار إلى مستوى 11 جنيها في السوق الموازية (السوداء) أدى إلى ارتفاع تكاليف مدخلات إنتاج المصانع مثل مادة "البولي بروبلين" في الصناعات النسيجية، فضلاً عن ارتفاع تكلفة استيراد المعدات، وإن كانت المصانع التي تعتمد على مدخلات محلية تتمتع بفرصة أفضل للتصدير بعد انخفاض قيمة الجنيه.
على صعيد متصل طالب المهندس وليد أبو ريا، رئيس مجلس إدارة شركة أر جي أس مصر لتصدير الفحم، بزيادة برنامج دعم الصادرات عن المستوى الحالي حتى تستطيع الصناعات المصرية مواكبة حجم التطورات التي شهدتها السوق المحلية والعالم خلال الأعوام الخمسة الماضية.
وقال لبوابة "العين" الإخبارية إن مخصصات دعم الصادرات تعتبر قليلة عند مقارنتها ببرامج الدعم المطبقة عالميًا، حيث تمثل وسيلة لزيادة الإيرادات الخارجية ورفع الناتج القومي وزيادة حصيلة الضرائب، فضلاً عن تشغيل عمالة.
وبالفعل هناك اهتمام بدعم الصادرات في أغلب دول العالم، فعلى سبيل المثال يخصص الاتحاد الأوروبي 60 مليار يورو سنويًا دعمًا للصادرات الزراعية.
وأضاف أبو ريا أن التحديات التي شهدتها الصناعات المصرية جعلت الحاجة لزيادة الدعم ضرورة ملحة، فضلاً عن ضرورة معالجة المشكلات التي تواجه الصناعة وعلى رأسها نقص إمدادات الطاقة، الأمر الذي يتسبب في تراجع الإنتاج وارتفاع التكاليف الثابتة المتمثلة في الأجور والمعدات.