"ليالي الحلمية 6": الحنين للماضي مفروش بالكوارث الدرامية
الجزء السادس من "ليالي الحلمية" يواجه انتقادات بأنه دون مستوى الأجزاء السابقة التي قدمها الراحلان أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ
وجه المخرج محمد العدل عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك رسالة إلى صناع عمل الجزء السادس من مسلسل "ليالي الحلمية"، أعرب فيها عن استيائه الشديد من العمل، لينضم إلى كثيرين انتقدوا المسلسل.
العدل قال في رسالته "مع الاحترام والاعتذار لأيمن بهجت قمر ومجدى أبو عميرة وأسرة أسامة أنور عكاشة، "ليالي الحلمية" لا تخصكم وحدكم، إنها جزء من تاريخنا، تشويه هذا العمل ليس حقا لكم على الإطلاق، وسأعتبره جزءا من العشوائية التي نعيشها، حرام عليكم سيبوا الراجل مرتاح في تربته".
ورغم أن كلمات العدل تعد تجاوزا للأعراف الفنية من حيث نقد زملاء، إلا أن ما يشفع للعدل هو جملة تتعلق بمدي أحقية البعض في ميراث عمل فني متكامل عاش لسنوات في وجدان الناس واستقر بعالمه الخاص الذي رسمه سيناريست ومخرج كبيران، وكونا مشاعر وأحاسيس شديدة الخصوبة للوطن صورت التاريخ المصري الحديث من عصر الملك فاروق وحتى مطلع التسعينات على مدى 5 أجزاء، مترعة بالشوق واللهفة والشجن والحنين والألم والفرح .
ومنين بييجى الشجن … من اختلاف الزمن
ومنين بييجى الهوى … من ائتلاف الهوى
ومنين بييجى السواد … من الدموع والعناد
ومنين بييجى الرضا … من الإيمان بالقضا
بهذه الكلمات للشاعر الرائع سيد حجاب لتتر المسلسل الأشهر في تاريخ الدراما العربية عايشنا قبل 20 عاما أبطال هذا العمل مثل سليم البدري وسليمان غانم ومباراة الأداء والصراع الدرامي بينهما علي طريقة القط والفار بشكل مدهش يمنح كليهما الأوسكار لو وجد بلا منازع، مثلما تابعنا نازك السلحدار وزهرة وعلي البدري وناجي اوزينهم وطه السماحي في جانب آخر من المباراة الدرامية الممتعة، وهم جيل آخر من زمن اختلف كثيرا عن الآن.
لقد كبر جيلي مع "ليالي الحلمية" التي أعرف عنها الكثير بحكم اقترابي من سكان هذا المكان الذي يجمع بين الارستقراطية والشعبية لفترة قبل أن تفترسه العشوائية، حيث شاهدنا بأسلوب درامي مهني رائع هذه التحولات التي وقعت لمصر وكيف تغيرت مشاعر الناس عبر نوستولوجي احترفه الراحل أسامة أنور عكاشة وبرع في صياغته والحديث عنه، تماما كما برع في نسيج أعماله الدرامية الأخرى التي ناقش معظمها هذه التحولات وهجوم العشوائية والغوغاء أمثال بهروز والمليجي علي حياتنا مع فترة الانفتاح الاقتصادي.
ووصل أسامة أنور عكاشة لقمة نضوجه مع "الراية البيضاء" ليرصد هجوم طبقة "فضة المعداوي" ومجتمعها التحتي بأموالها ليكتسح ثقافة وحضارة الطبقة المتوسطة والمثقفة، ويستولي على آخر حصون المقاومة الفكرية.
لكن تظل ليالي الحلمية هي الجانب الملحمي الأصيل والمتكامل لعوالم وأجيال وطبقات في سوسولوجيا اجتماعية يندر أن تجدها في الدراما المصرية التي تشبه علب التيك أواي التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وعلي الجانب الآخر، كان لإسماعيل عبد الحافظ خصوصية في الإخراج بقطعاته السريعة التي تخدم القالب الفني وتضفي تشويقا وإمتاعا علي سيناريو يجنح حواره للتأمل ونبش الأوجاع والبناء المتوازي، وهو يختلف تماما عن أسلوب مجدي أبو عميرة (مخرج الجزء السادس) الأكثر هدوءا رغم أنه يحدثنا عن عملية إرهابية في أولي حلقاته ليسقط الإيقاع بالكامل منذ الوهلة الاولى، ويجعلنا نترحم بالفعل علي زمن ليالي الحلمية المشغول بصدف عبد الحافظ وجمل عكاشة التلغرافية التي تقترب من الحكم المؤثرة.
حتي أداء الممثلين بما فيهم من قدموا الأجزاء السابقة كإلهام شاهين وصفية العمري وهشام سليم يبدو بدوره مفتقرا للحماس وروح الأجزاء الأولي، في حين تبقي المعضلة الرئيسية والتي أشار لها العدل في مدي أحقية أي فنان في استخدام حياة درامية كاملة عشناها من خلق وتصورات مبدعين آخرين، ليبني عليها متقمصا مشاعر وأفكار ورؤية مبدعين آخرين، وهو أمر يشبه تماما أن يفكر أديب مثلا في كتابة جزء جديد لحرافيش نجيب محفوظ أو جزء رابع لثلاثيته الشهيرة، فهو ضرب من الجنون والعشوائية التي نعيشها، والتي يجب التوقف عنها فورا، ولذلك فعل كبار نجومنا أمثال السعدني والفخراني خيرا بالاعتذار عن المشاركة في هذا الفعل العشوائي.
من جانبها، تري الناقدة ماجدة خير الله أن الأمر كارثي، مشيرة إلى اتهام البعض لها بأنها ضد صناع العمل الجديد منذ فكرة تصويره رغم أنها ضد المبدأ نفسه.
وأضافت أن المبدع الحقيقي هو من يقدم فكرة جديدة لا أن يقوم باستكمال ما قدمه آخرون، الأمر الذي يعد ضربا من الجنون.
وأشارت خير الله إلى أن ظهور صفية العمري مثلا يبدو غريبا فهي قد وصلت لسن الـ70 في الجزء الخامس منذ سنوات طويلة وكان المنطق الدرامي يقتضي وفاتها في الجزء الجديد، لكنهم أصروا علي حشرها بهذا الشكل المثير للشفقة في محاولة لاستعادة روح "ليالي الحلمية" دون جدوي، وينطبق نفس الأمر علي محمد متولي ومعظم الممثلين، وهو نوع من ليِّ عنق الدراما لم يشفع لنجاح المسلسل، وإنما أضاف بعدا جديدا لكارثيته.
وتبقي كلمات سيد حجاب في تتر المسلسل لتعلق بالمصادفة علي ما حدث حين قال :
ليه يا زمان مسبتناش أبرياء … وواخدنا ليه فى طريق ممنوش رجوع
أقسى همومنا يفجر السخرية … وأصفى ضحكة تتوه فى بحر الدموع !!
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMTMg جزيرة ام اند امز