فى الولايات المتحدة تجرى منافسات كوبا أميركا رقم مائة ، وهى أقدم البطولات القارية، وانطلقت عام 1916
فى الولايات المتحدة تجرى منافسات كوبا أميركا رقم مائة ، وهى أقدم البطولات القارية، وانطلقت عام 1916 .. ولاتحظى كوبا أميركا بالاهتمام الإعلامى العالمى، الذى تناله بطولة الأمم الأوروبية التى تنطلق اليوم .. فهناك تعتيم إعلامى أو عدم إهتمام واضح بكوبا أميركا على الرغم من مشاركة البرازيل والأرجنتين بها . وهما من عمالقة اللعبة ، وإن كانت هيبة البرازيل سقطت منذ الهزيمة القاسية أمام ألمانيا فى مونديال 2014 ، فى مباراة مذهلة فازت بها ألمانيا بسبعة أهداف ..
ومن المؤسف أن البرازيل فقدت شخصيتها الكروية ، على الرغم من الفوز على هايتى بسبعة أهداف بكوبا أمريكا، ومن دون شك أثرت كرة السامبا والكاريوكا على اللعبة كما أثرت رحلات أبوللو الأميركية إلى الفضاء على تكنولوجيا الاتصالات، وكما أثرت فرقة البولشوي الروسية على فنون الباليه .. ولكن هل تصدق أن البرازيل حتى عام 1919 كانت لعبتها الشعبية الأولى هى سباقات الخيل . وكانت أخبار كرة القدم تنشر صغيرة متوارية وخجولة فى الصفحات الداخلية .. واستمر ذلك حتى فازت البرازيل بأول لقب لها فى كوبا أميركا بهدف وعلى حساب أوروجواى ، بفضل نجمها التاريخى أرثر فردرنخ، وهو لاعب مهاجم نصفه إفريقي والآخر ألماني، مولود في 18 يوليو 1892 من أب ألماني وأم برازيلية ذات أصول إفريقية . وهو اللاعب الذى تناولت قصته من قبل مرات ، موضحا أن أعظم لاعبى البرازيل فى كرة القدم ليس بيليه ولكنه فردرنخ ..
وقد لعب أرثر فردرنخ لأول مرة فى فريق جرمانيا بالبرزيل وعمره 17 سنة بعد أن لمس والده موهبته، وكافح لكى يثبت نفسه، ولكى يحارب صيحات العنصرية، فعندما اختير للانضمام إلى منتخب البرازيل كان هو اللاعب الوحيد الأسود بالفريق..
سجل أرثر فردنرخ خلال 26 عاما مارس فيها كرة القدم 1329 هدفا، وهو رقم أكبر من الأهداف التى سجلها بيليه وكان أول إنسان يتعدى عدد أهدافه الألف. وعندما توفى أرثر فردنرخ فى سبتمبر 1969 كان بيليه يحتفل بعد ثلاثة أشهر بتسجيل هدفه الألف بالبرازيل..
فى العشرينيات من القرن الماضى قام منتخب البرازيل بجولة أوروبية لأول مرة ولعب مع ناد فرنسى فى باريس وفاز 7/2. وكان هذا الفوز الكبير أولى صور الإبهار التى قدمها البرازيليون إلى العالم. وهناك مشاهد مصورة نادرة لأرثر فردنرخ من تلك المباراة، وهى المشاهد المتحركة الوحيدة التى سجلت إبداعاته ومهاراته كأعظم لاعب فى تاريخ كرة القدم.
وأيام بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2006 ، أذاعت قناة ناشيونال جيوجرافيك حلقات وثائقية عن كرة القدم وتاريخها وشعبيتها ، وروى الشاهد الحى الوحيد فى ذلك الوقت قصة فردنرخ وهو مراسل الإذاعة البرازيلية نقولا توما وكان عمره 95 سنة وقال عنه : «ليس له مثيل من قبل، ولا من بعد، ولا يقترب منه بيليه أو مارادونا ولا حتى رونالدينيو». واستند نقولا توما على أن ممارسة كرة القدم فى ملاعب الثلاثينيات وبأدوات العصر كانت تجعلها لعبة شديدة الصعوبة مقارنة بزمن بيليه..
وفى هذا السياق أجرت قناة ناشيونال جيوجرافيك دراسة علمية وعملية حول تطور تكنولوجيا كرة القدم وتأثيره على اللاعبين، واستعانت بعدد من لاعبى ألمانيا والبرازيل، وانتهت الدراسة إلى أن كرة الجلد القديمة لم تكن تسهم فى إظهار مهارات ومواهب اللاعب الفردية كما تفعل اليوم كرات العصر الحديثة..!
البهجة ..أوالكابوس الفرنسى
من كوبا أميركا التى تتجاهلها الصحف الأوروبية إلى كأس أمام القارة البيضاء أو العجوز ، التى يتعامل معها إعلام أوروبا على أنها كأس العالم وسيدة البطولات .. وتشارك بها الفرق الكبرى كلها ماعدا هولندا ، بينما تشارك أربعة منتخبات لأول مرة ، وهى ويلز وأيسلندا ، وأيرلندا الشمالية وألبانيا .
تذهب الترشيحات إلى إسبانيا حاملة اللقب ، والتى تسيطر بأنديتها فى السنوات العشر الأخيرة على بطولتى الأندية الأوروبية عبر برشلونة وريال مدريد ,واشبيليه وأتلتيكو مدريد .. ويعتمد الإسبان على جذور رياضة مصارعة الثيران فى التعامل مع الخصوم .. فهم يضربون تكتلات الدفاع بالتمرير وتبادل الكرة فى اللحظة الأخيرة من هجوم المنافس وإنقضاضه ، ولاحظ أنهم يفعلون ذلك فى مصارعة الثيران . فيتلاعب المصارع بالعباءة الحمراء فى اللحظة الأخيرة لإنقضاض الثور .. ويمارس الإسبان إسلوب تيكى تاكا لهزيمة المنافسين الأقوى بدنيا والأطول بتبادل الكرة وتمريرها للفوز بمساحات على أرض الملعب .. وهو إسلوب يعكس ذكاء الثعالب فى مواجهة قوة الاسود ..
وتدخل فرنسا فى الترشيحات بالطبع باعتبارها صاحبة الأرض ، وبطلة أوروبا 1984 ، وكأس العالم 1998 ، ولكن فرنسا لاتملك نفس النجوم الكبار القدامى ، بدءا من ميشيل بلاتينى ، إلى زين الدين زيدان وتيرى هنرى ، وديديه ديشان وتريزيجيه . وعلى الرغم من تراجع نتائجه فى المباريات الودية الأخيرة ، يدخل منتخب ألمانيا كأس الأمم الأوروبية مسلحا بلقبه كبطل للعالم ، وبتجديد شخصية الفريق وأسلوبه على يد مدربه الحالى لوف . وكانت ألمانيا بدأت عمليات إصلاح لكرة القدم بعد خروجها بخفى حنين من بطولة أوروبا عام 2000 ، وصنعت قاعدة من المدربين ، وصل عددهم إلى مايقرب من 17 ألف مدرب ، قدموا آلاف الناشئين ، ومنهم تم تشكيل أصغر منتخب فى تاريخ ألمانيا عام 2010 ، وهو الفريق الذى كان يستحق الفوز بكأس العالم فى جنوب إفريقيا ..
إيطاليا مرشحة بالتاريخ دائما مثل إنجلترا . وقد تراجع الدورى الإيطالى فيما تقدم الدورى الإنجليزى وفى ظاهرة فريدة ، تنعدم العلاقات التقليدية بين المنتخب فى البلدين وبين المسابقات المحلية ومستوى الأندية . فإيطاليا فازت بكأس العالم عام 2006 . وثانية الأمم الأوروبية عام 2012 . بينما إنجلترا صاحبة أقوى دورى ، لم تفز ببطولة منذ عام 1966 . وسلاحها الأول فى فرنسا سيكون فاردى مهاجم فريق ليستر بطل الدورى هذا الموسم .. أما بلجيكا فهى كريزة التصفيات الأوروبية ، وحققت أفضل النتائج ، وستكون مباراتها مع إيطاليا بداية الإختبار على الصلابة .. فهل ينجح نجومها المنتشرون فى الدوريات الأوروبية فى تشكيل منتخب قوى أمام الأقوياء ..؟!
يقول مدرب بلجيكا : " إذا كنت تلعب مع الأقوياء وترى أنك قوى فعليك أن تثبت ذلك " .. ويقول مدرب أيرلندا الشمالية : " يشارك فى البطولة 24 فريقا ، وبعد الدور الأول سوف ترحل 8 منتخبات . واتمنى ألا أكون أحد تلك المنتخبات" .. !
لكن كرة القدم ليست هى الهاجس الحقيقى الأن عند الفرنسيين ، ولكنه الإرهاب ، والمناخ السيىء ، والغضب الإجتماعى. وهو مثلث يساوى كابوسا كما قالت الجارديان البريطانية قبل أيام .
وكان رئيس جهاز المخابرات الاوكراني فاسيل جريتساك أعلن إلقاء القبض على فرنسى كان يعد لتنفيذ 15 اعتداء في فرنسا قبل وخلال مباريات كأس اوروبا ، وكان مسلحا بالمتفجرات و5 مدافع كلاشينكوف وخمسة آلاف رصاصة ، وصاروخين مضادين للدبابات ..!
وحذرت الولايات المتحدة فرنسا من إحتمال وقوع أعمال إرهابية خلال البطولة ، وحذرت مواطنيها من خطر الإرهاب خلال البطولة . وكذلك فعلت بريطانيا التى حذرت المشجعين من الذهاب إلى فرنسا ، لأن الخطر سيكون واردا فى المباريات والتجمعات ووسائل النقل الجماعى .
وفى الوقت نفسه كانت الفيضانات قد أصابت المواصلات الفرنسية فى الصميم خلال الإسبوع الأخير ، ويخشى أن يؤثر المناخ السيىء على أجواء البطولة وبهجتها . والأمر نفسه يتعلق بالإضرابات الخاصة بالسكك الحديدية ، والمطالبات الإجتماعية بتحسين الأجور .. فكيف تتعامل فرنسا مع التهديدات الإرهابية الخطيرة ، وفى حضور ما يقرب من 8 ملايين شخص يُنتظر حضورهم للمباريات ؟
الأمر بالنسبة للفرنسيين لم يعد حفلا وإحتفالية معتادة بكرة القدم وبجماهيرها . وإنما باتت البطولة عبئا وتحديا وحربا محتملة ضد الإرهاب .. أصبحت الأمم الأوروبية كابوسا يسبب القلق للفرنسيين وللقارة كلها .
ولذلك هناك أكثر من 100 الف من الجيش والشرطة الفرنسية لتأمين المباريات والأجانب الزائرين والمشجعين . وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مؤخرا : " ان خطر وقوع اعتداءات سيبقى قائما للأسف لوقت طويل و علينا ان نتخذ كل الاحتياطات "
وتعيش فرنسا حالة طوارىء منذ نوفمبر الماضى بسبب التهديدات التي تشكلها حاليا الجماعات الإرهابية ، والتدخل الأخير للجيش الفرنسي ضد داعش .وكان الإرهاب أسقط 130 ضحية وأصاب العشرات فى باريس فى واحدة من أعنف العمليات الإرهابية التى تعرضت لها عاصمة النور ..وبالتالى تحولت لحظات الفرح بمهرجان الكرة الأوروبية الذى يقام كل أربع سنوات إلى لحظات قلق وتوتر وإكتئاب ، خاصة أن الإرهاب يعتبر ملاعب كرة القدم ساحة خصبة لبث عنفه ورعبه وألمه وتهديداته وأشباحه على الهواء مباشرة إلى ملايين المشاهدين فى لحظة واحدة ، وهى أسوأ الرسائل التى يمكن أن تخرج من قلب الرياضة ومن قلب ملاعب كرة القدم .
*- نقلاً عن جريدة "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة