من الهدي النبوي.. رمضان بقلب خالٍ من الشحناء
أول موجبات المغفرة في رمضان أن نستقبل هذا الشهر بقلوبٍ صافية مملوءة بالحب لله ولرسوله وللمؤمنين وحب الخير لهم من غير شحناء ولا بغضاء.
المجتمع المسلم مجتمع متآلف تشيع فيه روح المحبة والوئام، وقد حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم على كل ما يقوي روح الإخاء بين المسلمين، ونهاهم عن كل ما ينتقص أو يؤثر سلبا في هذه الروح، ومن جملة الأخلاق السلبية التي نهى عنها: الشحناء والهجر بين المسلمين، وبيّن لنا أن الشيطان أعد مصيدة الشحناء بين أهل الإيمان، ليصل إلى إفساد قلوبهم وإيمانهم، ذلك أن أعظم أهداف الشيطان أن يفرق بين المؤمنين والتحريش بينهم، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم"، وهو عليه لعنة الله والناس أجمعين يقرب إليه الموقِع بين الناس، وقد روى أبو سفيان عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت"، قال الأعمش: أراه قال: "فيلتزمه".
والمسلم لا يدع للشيطان طريقا للفرقة بينه وبين أخيه المسلم، ولقد حذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث حيث قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، ومن يتأمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك للشحناء باباً مفتوحاً بينه وبين إخوانه من المسلمين، فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا أو أرجئوا هذين حتى يفيئا"، فهنيئاً لمن يكون هذا الشهر المبارك سببا في أن يجري مكاشفة مع ذاته، ويراجع أخطاءه وعيوبه، ويبادر إلى المصالحة مع كل من أساء إليهم، وبهذه المراجعة والتراجع عن الأخطاء، يتحقق غفران اللَّه تعالى للإنسان في شهر رمضان.
صفاء القلوب
وأول موجبات المغفرة في رمضان أن نستقبل هذا الشهر بقلوبٍ صافية مملوءة بالحب لله ولرسوله وللمؤمنين وحب الخير لهم من غير شحناء ولا بغضاء، يروى عن أحد السلف، يسأله ولده يا أبت: كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ فيقول له: "يا بُني، كنا إذا هلّ هلال شعبان فتشنا في قلوبنا عن أحد من المسلمين نحمل له شحناء أو ضغناء فنسارع ونسامحه ويعفو بعضنا عن بعض"، ويقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، فالغافرون يغفر لهم الغفّار، واغفروا لمن في الأرض يغفر لكم من في السماء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يتنزل في الثلث الأخير من الليل ماداً يده إلى أهل الأرض يقول: هل من مستغفرٍ فأغفر له؟، هل من تائب فأتوب عليه؟، فلو أن مسلماً قام من نومه في الساعة الأخيرة من الليل وقبل الفجر يدعو الله ويستغفره ويتوب إليه، أظنه مسلماً حقاً، إلا أن بينه وبين أخٍ له بغضاء وشحناء، فيقول الله عز وجل للملائكة ردوا عليه توبته وردوا عليه استغفاره، فوعزتي وجلالي لا أغفر له أبداً، فإن بينه وبين أخٍ له شحناء وبغضاء، دعوه حتى يتصالح معه".
وليس أمامك إلا أن تصالح أخاك، وأن تُخلي قلبك من كل شحناء، وبمثل هذه القلوب الخالية من البغض ومن الشحناء ومن الحقد نستقبل رمضان، ويحق لنا بمثل هذه القلوب أن نسأل الله أن يغفر لنا في رمضان، وهذا هو الموجب الأول من موجبات المغفرة في رمضان، واسأل نفسك: إن كنت لا تغفر لأخيك فكيف تريد أن يغفر لك الله؟، وفكّر في خطيئة أخيك في حقك أهي أكبر أم خطيئتك في حق الله؟، وكيف نصوم رمضان ونصلي ونقرأ القرآن وندعو الله أن يغفر لنا وقلوبنا امتلأت حقداً وبغضاً لمسلم كائناً من كان؟.
الهجر كبيرة
ولا يجوز أن يشتغل المسلم بالصلاة والصيام ويغفل عن قلبه وتنقيته مما به من فساد أو غش لأحد من المسلمين، فقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بأن هذه هي الكارثة التي تودي بالدين حيث يقول: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة"، قالوا بلى، قال: "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".
ويعلمّنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن هجر المسلم يعد كبيرة إذا دام فوق ثلاث، لما يترتب عليه من تفكك اجتماعي، وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى ومنها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لمسلم أن يَهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار"، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يكون لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاثة، فإذا لقيه سلّم عليه ثلاث مرات، كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بإثمه".
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم رفع الأمر إلى اعتبار هجر المسلم بمثابة سفك دمه، فعن أبي خراش السلمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه".
وروى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، ولا ينظر إلى ما كان من العداوة، وهذه من حكمة الله بعباده، لأنه لا أحد يملك نفسه ألاَّ يغضب، وربما يُوقع الشيطان النفوس بعضها ببعض، ولذلك أعطى الله النفس ما يكفيها حتى تنطفئ سورة الغضب والهجر ثلاثة أيام، لأنه ما من نفس إلا وتغضب ويوقع الشيطان في النفوس ما الله به عليم، ولا يحل الهجر بعد الثلاثة أيام، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، لأنه أولا كظم غيظه فهو ممن مدحهم الله في كتابه، فقال: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ" (آل عمران 134)، ولأنه ثانيا بادر إلى أخيه وابتدره بالسلام لينهي القطيعة ويوقف الهجر المنهي عنه.
وأما هجر ذوي الأرحام فيعتبر من جملة الكبائر حتى وإن لم تبلغ المدة ثلاثة أيام، لأن الهجر هنا أضيفت إليه قطيعة الرحم، والرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله، وقد أمر سبحانه بوصلها فقال: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، وليس الواصل بالمكافئ، والرحم تُوصل بالهدية والزيارة والسلام والمراسلة، فإن لم يستطع الإنسان صورة من صور الصلة عمل بالأخرى أو بما يقدر عليه منها، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولما هم البعض بقطع ذوي الرحم استبطاءً لإيمانهم نزل النهي عن ذلك: "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ" البقرة آية 272، وقد أمر سبحانه بصلة الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف حتى وإن ظلما وكانا مشركين قال تعالى: "وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) ( لقمان 15)، وقد عدَّ الإمام الذهبي رحمه الله هجر الأقارب مطلقاً من الكبائر.
وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يُشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا".
aXA6IDE4LjIxOC4yLjE5MSA=
جزيرة ام اند امز