خبراء لـ"العين": هذه تداعيات تغليظ عقوبات السوق السوداء بمصر
خبراء اقتصاديون أكدوا أن تغليظ العقوبات على التعامل بالسوق الموازية للعملة الصعبة سيكون تأثيره قصير الأجل.
أجمع خبراء استثمار وسوق المال أن مشروع التعديلات القانونية الذي أعلنت عنه الحكومة المصرية بقانون البنوك رقم 88 لسنة 2003 والتي تتضمن تغليظ العقوبة على المتعاملين بالسوق السوداء للعملة الصعبة لن يؤدي إلى خفض سعر الدولار، وإن كان من الممكن أن يحجم نشاط السوق مؤقتًا.
وتتضمن التعديلات التي ينتظر إقرارها من البرلمان تغليظ العقوبة على مخالفة القانون بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، ولا تزيد عن 3 سنوات، وغرامة تتراوح بين مليون و5 ملايين جنيه، في حين كان يكتفي القانون بعقوبة الحبس مدة لا تتجاوز 3 أشهر.
وشملت التعديلات منح البنك المركزي سلطة تعليق ترخيص أي شركة صرافة لمدة عام علاوة على فرض غرامة مماثلة في حالة مخالفة قواعد البنك المركزي، وذلك بدلاً من الإغلاق فقط دون غرامة.
وأضافت الحكومة مادة جديدة للقانون تقضي بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد عن 10 سنوات، وبغرامة تساوي المبلغ المضبوط على من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك، فضلاً عن مصادرة الأموال المضبوطة.
ولم تستجب السوق السوداء حتى الآن لهذه التعديلات المرتقب إقرارها، حيث يتداول سعر الدولار بين 10.90 إلى 10.95 جنيه، في حين يتداول السعر الرسمي للدولار عند 8.85 جنيه، علمًا بأن البنك المركزي قام منتصف مارس/آذار الماضي بخفض سعر الرسمي للجنيه بواقع 1.12 جنيه، في محاولة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتقليص الفارق بين السعرين الرسمي والموازي آنذاك.
من جانبه، رحب رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر هاني توفيق بإقرار الحكومة عقوبات مشددة على نشاط تداول العملات الأجنبية خارج النظام المصرفي تصل إلى حد الحبس 10 سنوات، حيث اعتبرها خطوة طال انتظارها، ومن شأنها تحجيم المضاربة على الدولار ومن ثم الحد من حركة إنفلات الأسعار التي اجتاحت السوق المصرية.
وطالب توفيق بعدم المبالغة في تقديرات الآثار الإيجابية للقواعد الجديدة، فهي لن تثمر عن تجميد السوق السوداء للعملة الأجنبية، سواء داخل مصر أو خارجها، ولكنها خطوة مطلوبة في هذا التوقيت، الذي تخوض فيه مصر حربًا اقتصادية للخروج من دائرة الأزمات التي تعيش بها.
وأضاف توفيق أن نشاط السوق السوداء للدولار وصل إلى مرحلة لا يمكن الصمت حيالها، بعد أن وصل إلى التداول في الشوارع والمقاهي دون مساءلة قانونية.
وأشار إلى أن تغليظ العقوبات يعتبر خطوة مؤقتة لحين توفير التداول الكامل للعملة الصعبة داخل البنوك، أي بتمتع البنوك بوفرة من السيولة النقدية الأجنبية حتى تلبي احتياجات المتعاملين سواء الأفراد أو الشركات.
وتعاني مصر من تآكل الاحتياطي النقدي الأجنبي منذ أحداث يناير/ كانون الثاني 2011، حتى وصلت إلى 17.521 مليار دولار بنهاية مايو/أيار الماضي، مقارنة بنحو 36 مليار دولار قبل الثورة.
وأكد رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر أن تحقيق هذا الهدف يستند إلى زيادة العرض من النقد الأجنبي مقابل ترشيد الطلب من خلال بناء اقتصاد حقيقي يستند إلى توفير عدة مصادر للنقد الأجنبي مثل الصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبي، ومساندة الصناعة المحلية.
في حين رهن خبير سوق المال حسين الشربيني تحقيق العقوبات المشددة هدفها بالقضاء على السوق السوداء بتدبير البنوك العملة الصعبة لتغطية الطلبات العاجلة، سواء بهدف الاستيراد أو سداد مصروفات بالعملة الصعبة تتعلق بالتعليم أو العلاج بالخارج.
ولفت إلى أن مصر تواجه أزمة تآكل الأرصدة من الاحتياطي النقدي الأجنبي على مدار 5 سنوات، حتى أسفرت عن وجود صعوبات في تدبير احتياجات المواطنين والشركات، ومن ثم ظهور السوق السوداء، واستفحالها رغم اتخاذ البنك المركزي عدة قرارات متتالية، سواء بوضع حد أقصى للإيداع والسحب بالعملة الصعبة، أو معاقبة شركات الصرافة.
وأصدر البنك المركزي سلسلة قرارات بإغلاق شركات صرافة بناءً على رصد مخالفات في التعامل بالسعر الرسمي للجنيه أو مخالفة في الملاءة المالية، ومع ذلك حظي التعامل في الدولار والريال بنشاط في السوق السوداء امتد إلى متاجرة الأفراد غير المرخص لها بمزاول نشاط بيع وشراء العملة.
وقد شهدت الفترة الماضية إغلاق 8 شركات صرافة ليصل عدد الشركات التي صدر بحقها قرار إغلاق 15 شركة.
ورأى الشربيني أن الحلول الأمنية لن تفلح في القضاء على السوق السوداء والاكتفاء بتخفيف نشاطها مؤقتًا وذلك يعود إلى استفادة طرفي التعامل على الدولار، فالبائع يرحب ببيع الدولار بسعر أعلى من السعر الرسمي لتاجر السوق السوداء، وسيرحب أيضًا مشتري الدولار بالتعامل مع هذا التاجر الذي يوفر احتياجاته من العملة الصعبة.
فيما أوضح رئيس قطاع الاستثمار بشركة جرافتون كابيتال أيمن إسماعيل أن تأثير تشديد العقوبات على تعاملات السوق السوداء سيكون قصير الأجل نتيجة عدة أسباب، تشمل اتساع حجم شبكة السماسرة المتعاملين في العملة الصعبة حتى باتت تشمل مواطنين عاديين، فضلاً عن وجود شبكة سماسرة خارجية تعمل على السيطرة على تحويلات المصريين في الخارج.
وكان هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق أعلن أن الجهاز المصرفي لا يستقبل أكثر من 10% من تحويلات المصريين التي تتجاوز 18 مليار دولار سنويًا، في حين تلتهم السوق السوداء النسبة المتبقية.
وتتمتع شبكة السماسرة بتنظيم واسع يسمح لها بإبرام اتفاقيات مع المصريين المغتربين تقضي بقيام أطراف الشبكة الداخلية بتوصيل مقابل النقد الأجنبي بالجنيه إلى مقر منازل المستفيدين في مصر، وفي المقابل يحتفظ السماسرة بالعملة الصعبة في الخارج، وتوفير العملة المحلية من الداخل ما يعني حرمان البلاد من استقبال العملة الصعبة أو حتى دخول أموال جديدة بالعملة المحلية.
وأضاف إسماعيل أن هناك سببًا آخر يتمثل في إقبال مواطنين على تحويل مدخراتهم من الجنيه إلى الدولار للحيطة ضد ارتفاع الأسعار وهبوط قيمة الجنيه، الأمر الذي عزز من توسع السوق الموازية للدولار.
ورجح أن يسفر تغليظ العقوبة عن ارتفاع سعر الدولار، نظرًا لأن بعض التجار سيحجمون عن التعامل على العملة على الأجل القصير تخوفًا من الوقوع تحت طائلة القانون، وفي المقابل سيتجه التجار الذين سيقررون اتخاذ مخاطرة التعامل على العمل بزيادة هامش الربح أو ما يسمي هامش المخاطرة الإضافي، وهو ما سينعكس في ارتفاع العملة الصعبة بالسوق الموازية.
ويرى رئيس قطاع الاستثمار المباشر بشركة جرافتون كابيتال أن معالجة أزمة نقص الدولار وتوحش السوق الموازية يكمن في تعويم سعر الجنيه، حتى تتمكن البلاد إزالة المخاوف لدى المستثمرين الأجانب من تقلص قيمة أي استثمارات جديدة، وكذلك تشجيع حائزي الدولار على التعامل مع البنوك بدلاً من السوق السوداء.
aXA6IDMuMTM4LjM0LjY0IA==
جزيرة ام اند امز