"يونس ولد فضة".. الواقع والأسطورة في تناول جريء لصعيد مصر
حتي صعيد مصر لم يسلم من الصراع المادي الشرس الذي غزا الدراما التلفزيونية.
حتى صعيد مصر، لم يسلم من الصراع المادي الشرس الذي يغزو الدراما التلفزيونية، فمثل عمرو سعد بطل مسلسل "يونس ولد فضة" كمثل محمد رمضان في "الأسطورة"، ومثل معظم أبطال المسلسلات الأخرى، ضحية الظروف والطموح اللامحدود، الذي يدفع به في أتون الطمع والتورط في الاستحواذ على مال الآخرين، وفي التجارة غير المشروعة.
في مسلسل "يونس ولد فضة" يرتكز الصراع على تجارة الآثار، التي تنتشر في صعيد مصر بالإضافة للسلاح، وبطل المسلسل ليس هو بالتأكيد يونس ولد الهلالي في السيرة الهلالية المشهورة، والتي غناها محمد منير، وإن حاول المسلسل أن يمنح من خلال الاسم سمات الشخصية الفلكلورية الأسطورية لبطله.
المسلسل الذي يقوم ببطولته عمرو سعد وسوسن بدر وكتبه عبد الرحيم كمال وأخرجه أحمد شفيق، يجمع بين الطابع الأسطوري والواقع المعاش ضمن قالب معاصر، خاصة وأن التطورات الدرامية شاهدة على معالم الحضارة والتطور.
"يونس" ليس هو البطل الحقيقي للعمل بقدر الطمع المستشري ومحاولات القتل والغش المتبادلة بهدف الثروة، أما يونس شهاب عمرو سعد فيقوم بتحقيق كل ما يريد بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، رغبة في تحقيق نفوذ وسلطة لا يتمكن أحد من ردعها، وهو نموذج مكرر ومنتشر في دراما الصعيد وواقعها.
وفي الوقت الذي يحاول فيه أعمام "يونس" كشف حقيقته وحقيقة والدته فضة "سوسن بدر" بعد الشك في نسبه، تكشف لنا الأحداث أنه في الحقيقة ليس ابنًا للمرأة الصلبة التي تعرف كيف تصل إلى ما تريد، إذ تضطر بعد وفاة زوجها إلى تربيته، وتطلق عليه لقب ابنها المتوفى يونس، لتواجه من أجله مصاعب الحياة، وتنتقم من زوجها الذي جعلها في الظل، ومن زوجته التي أذلتها لسنوات، حيث يغلبها الكيد والشراسة والدهاء الفطري.
المسلسل يقدم العديد من التفاصيل أبرزها علاقة الأم بابنها والأخ بإخوته، ويكشف عن دور المرأة الحقيقي في الصعيد، والذي يتوارى رغم جبروته خلف ثأر الرجال وعنفهم وشهوتهم للمال، وفي الحقيقة فهو محرك الأحداث والدافع للتورط في معظم الجرائم، دون أن يغفل الإشارة لنماذج أخرى مطحونة وشجاعة للنساء أيضًا، كما في نموذج شقيقة يونس "هبة مجدي" التي عملت بعد رحيله كأشجع الرجال.
وربما ترتفع جرأة هذا العمل بالذات في تناوله للجنوب المصري، مع تسلله خلف أبواب نماذج تكشف عن غزو المدنية، وتراجع بعض القيم أمام شهوة المال والعلاقات الحسية التي يموت بسببها في الحلقات الأولي رجل ميسور يمارس الرذيلة مع امرأة متزوجة من جزار، مقابل خداعه بذبح العجول، وهو ما يسعى ابنه لتكراره مع شقيقة "إبراهيم" الذي يتحول لـ"يونس"، وتكون النتيجة مقتل الأب وانتظار الابن للثأر من يونس المختفي بالنسبة له بعيدًا عن القرية، كذلك نموذج ابنة عم يونس المزيف وجسارتها في مواجهة ابن العم وانكسار الأب أمامها، وهو ما يكشف جانبًا آخر من التحولات الاجتماعية في مجتمعات الصعيد.
ورغم أن أداء عمرو سعد كان جيدًا في شخصية يونس إلا أن فضة أو "سوسن بدر" قدمت أداءً مسرحيًّا مناسبًا لعمل يجمع بين الأسطورة والواقع، وهو نمط أجادته هذه الفنانة المعجونة بالحرفية والصدق على مدار أعمال فنية عديدة، وإن كانت شخصية فضة أكثر اكتمالًا وخصوصية.
كما يقدم أحمد حلاوة نمطًا جديدًا بخفة ظل واضحة للعم المرتبك الذي ينطق الكلمات بسرعة ومبالغة كوميدية، تكشف عن طيبة واضحة، كما ظهر في مشهد سرقة حذائه من المسجد، وهو نمط موجود في الصعيد، وفي المدينة أيضًا.
وقد أجاد غالبية الممثلين إيهاب فهمي وريهام حجاج وهبة مجدي وأحمد صيام، وغيرهم في عمل مبتكر في صياغته وإخراجه رغم فكرته المكررة.