من حق الشعوب الغربية، في أمريكا وأوروبا، أن تقف مذهولة أمام الإرهاب الوحشي الذي ضرب بلادها .
من حق الشعوب الغربية، في أمريكا وأوروبا، أن تقف مذهولة أمام الإرهاب الوحشي الذي ضرب بلادها، وأن تكون لها ردود فعل غير عقلانية على أصل الإرهابيين، ومن حق الشعوب العربية أن ترفض شمولها بالجملة بالمسؤولية عن هذا الإرهاب في وقت تعاني من مفاعيله ونتائجه أكثر من دول الغرب.
لكن، من واجب الشعوب الغربية ومجتمعاتها، والعربية أيضاً أن تتساءل وتحاسب من أوجد هذا «الوحش» ورعاه وأطلقه، ولم يعد قادراً على إعادته إلى القفص. عوامل مركزية ثلاثة تفسر هذا الإرهاب المنطلق من دون ضوابط.
العامل الأول المسؤول عن الإرهاب هو النظام العالمي القائم منذ عقود على أحادية قطبية. هذا النظام الذي قادته الولايات المتحدة مارس أبشع أنواع القهر والاستغلال، ليس فقط للشعوب العربية، بل للبلدان المسماة نامية.
في عالمنا العربي، رعى النظام العالمي، ولا يزال، اضطهاد الشعب الفلسطيني، وبرر لإسرائيل كل جرائمها، فبات طعن فلسطيني جندياً إسرائيلياً أعلى درجات الإرهاب، فيما قتل إسرائيل مئات الآلاف من الفلسطينيين وتهجيرهم وتدمير مساكنهم هو من قبيل الدفاع عن النفس.
وهذا النظام العالمي الذي خاض حرباً غير مشروعة على العراق ودمر هذا البلد، وأوجد نظاماً فئوياً يغذي الإرهاب كل يوم، مسؤول عما يجري في العالم اليوم. والولايات المتحدة الأمريكية التي خلقت تنظيم «القاعدة» الأب الشرعي لتنظيم «داعش» لقتال الاتحاد السوفياتي، هي المسؤول الأكبر عن الإرهاب العالمي.
وبريطانيا المتحالفة مع أمريكا والمشاركة في معاركها، أليست مسؤولة أيضاً؟ وروسيا التي لم تكف عن اضطهاد شعوب غير روسية في الشيشان وغيرها من البلدان، أليست سياستها هذه مولدة الإرهاب، وإيران التي استفادت من النظام العالمي لتتدخل في العالم العربي مستحضرة أسوأ ما في التاريخ الإسلامي من فتن وتنفخ في نار المذهبية سبيلاً إلى تدخلها. هذه أمثلة قليلة من مسؤولية النظام العالمي.
لكن السؤال: هل أقدمت مجتمعات هذه الدول على محاسبة أنظمتها على سلوكها هذا؟
أليس مطلوباً منها الآن أن تقرن الغضب بمحاسبة أنظمتها عن دورها في إيجاد الوحش؟
العامل الثاني المولّد الإرهاب هو الأنظمة العربية الاستبدادية التي قامت بعد الاستقلال.
هذه الأنظمة قهرت شعوبها بالحديد والنار، وكتمت على أفواه مثقفيها، ومارست سياسة تمييز عنصري بين المجموعات الموجودة، وأفقرت شعوبها من خلال سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، وخلقت أجيالاً من الأميين والعاطلين من العمل والمهمشين. هذه السياسات خلقت احتقاناً انفجر على شكل انتفاضات سلمية، أجابت عليها هذه الأنظمة بالقمع العاري والقتل غير المسبوق وتدمير المجتمعات بشراً وحجراً.
لم تكتفِ بذلك، بل استجلبت العناصر الإرهابية إلى أرضها ووضعتها في وجه شعوبها المطالبة بالحرية والكرامة. هكذا التقت هذه الأنظمة مع الأنظمة الغربية في توليد كتل إرهابية يائسة، لا برنامج سياسياً لها سوى القتل والتدمير.
العامل الثالث ينبع من واقع المجتمعات العربية وثقافتها ودرجة تطورها. لا شك في أن مجتمعاتنا العربية استعصت على الحداثة، ولم تنل منها سوى قشرتها، ولم تستطع نخبها أن تدفع بها في درب التنوير والتقدم. لكن أخطر ما ولدته هذه الإقامة في التخلف هو ما يتصل بسوء قراءة النص الديني غير الآخذة في الاعتبار ظروف نزول النص وأسبابه في زمنه ومكانه.
ظلت المؤسسات الدينية تنظر بخشية ورهبة إلى أي إصلاح ديني ينزع عن التنظيمات الإرهابية حجة استخدام النص لتبرير ممارستهم وادعاءاتهم أنهم ينفذون أوامر شرعية بأعمالهم الإرهابية.
من رحم هذه العوامل تشتق معالجة الإرهاب المنتشر. من إعادة النظر بالسياسات الغربية تجاه قضايا العالم العربي، واتباع سياسة عادلة تنطلق من حق الشعوب العربية في حياة كريمة وفي استقلال لأقطارها.
وإذا كانت الحلول السائدة اليوم تتوسل الرد العسكري، فإن هذا الجواب سيظل ناقصاً، مهما تدخلت فيه دول، من دون اقترانه بحلول سياسية، خصوصاً في أكبر بلد جاذب الإرهاب اليوم، أي سورية، حيث تستحيل محاربة «داعش» والانتصار عليه بوجود النظام وزمرته، وهو الراعي الأساسي لـ «داعش».
كما أن الذهاب في محاربة الإرهاب لن تنجح من دون سياسات إصلاحية في المجتمعات العربية، تطاول إصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية، إلى جانب أساسي يتصل بضرورة الإصلاح الديني بما يمنع استخدام الدين الإسلامي في تبرير الإرهاب.
فالإرهاب أصاب الشعوب الغربية والعربية على السواء. في الغرب، يتمّ المس بحقوق وقيم ناضلت الشعوب الغربية طويلاً من أجلها، وهي المتصلة بالديموقراطية وحقوق الإنسان، وذلك عبر القيود التي تضعها الأنظمة الغربية تحت حجة محاربة الإرهاب. وتدفع الشعوب العربية، إضافة إلى ما يصيبها من أذى محلي، ضريبة الفورة العنصرية المتفلتة من عقالها، والتي تأخذ في طريقها كل عربي ومسلم بوصفهما المسؤولين عن الإرهاب الذي يضرب الغرب. هذه الفورة العنصرية ستزيد من حدة الاحتقان وتعزز الإرهاب. واهمة كل دولة تعتقد أن الأمن قادر وحده على الحد من هذه الظاهرة. فهل يشكل هذا الانفجار الإرهابي صحوة تعبّد الطريق نحو المعالجة الصحيحة للظاهرة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة