قد يكون كلام هذا المسئول صحيحا من الناحية النظرية، لكن المشكلة أنه ليس كذلك على أرض الواقع، لأنه في السياسة ليس مهما «ما هي نواياك؟»؟
ظهر يوم السبت الماضي، وبعد دقائق من مغادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لمكان الاحتفال بإطلاق مشروع ميناء شرق التفريعة في بورسعيد، قابلت مسئولا أمنيا رفيع المستوى، وكان معي الأستاذ محمود مسلم رئيس تحرير صحيفة الوطن.
بالطبع كان الموضوع الأساسي هو ما يحدث في بعض أقسام الشرطة، وحالات الوفاة التي تمت في الأيام الماضية سواء في الأقصر أو الإسماعيلية أو شبين القناطر بسبب التعذيب أو الرعب والإهانة.
المسئول قال إنه لا يوجد تعذيب منهجي ولا أوامر من المستويات العليا بذلك، وإن كل قطاع أو مهنة به أخطاء، ومن الظلم تحميل وزارة الداخلية بالكامل جرم هذه الأخطاء، وإن الإعلام ربما يلعب دورا سلبيا في تضخيم هذه الأخطاء الفردية.
قد يكون كلام هذا المسئول صحيحا من الناحية النظرية، لكن المشكلة أنه ليس كذلك على أرض الواقع، لأنه في السياسة ليس مهما «ما هي نواياك؟»، بل «كيف يستقبلها الناس؟».
المؤكد أن وزارة الداخلية لم تكن تريد أن يموت خالد سعيد بالطريقة التي مات بها في 6 يونيو 2010، لأنها لو كانت تعلم أن مقتله سيكون شرارة ثورة تهز عرشها وتحرق أقسامها، ما تستّرت على القتلة، وكذلك وزارة داخلية تونس أو إدارة البلديات مع الشاب محمد بوعزيزي.
ليس مهما أن تكون هناك تعليمات عليا بالتعذيب أو تعمد إهانة الناس، المهم جدا هو المناخ الذي يسمح بذلك. الطريقة التي أظهرها الفيديو لضابط الإسماعيلية وهو يهين الدكتور عفيفي حسني الذي مات لاحقا هي نتاج ثقافة عامة لابد أن ؟؟؟؟؟؟؟، والا فالبديل هوبـ٢٥ يناير جديدة وقريبة جدا.
والطريقة التي تعامل بها ضابط الأقصر مع طلعت شبيب في قرية العوامية تشير إلي نفس المعنى.
إضافة إلى المناخ العام هناك طريقة تصرف الوزارة مع ضباطها المخالفين والمتجاوزين. لو أن أي ضابط أخطأ، وقامت الوزارة بالتعامل السريع والرادع معه، فسوف تصل رسالة إلى المجتمع بأنها جادة في مقاومة التجاوزات، والأهم ستصل رسالة إلى أي ضابط يفكر في التجاوز مستقبلا بأنه سيدفع ثمنا غاليا إذا فعل ذلك، وعكس ذلك تنطبق عليه المقولة الشهيرة «من أمِن العقوبة أساء الأدب».
نعرف حال الشرطة وحاجتها الشديدة الملحة للهيكلة والإصلاح، ونعرف أن سائر القطاعات وليس الشرطة فقط، تحتاج إلى هيكلة حقيقية، لكن الواقع الراهن والمزاج الشعبي لن ينتظر حتى تتم هذه العملية.
الرسالة التي يجب أن تصل بوضوح إلى وزارة الداخلية وجميع أجهزة الحكومة والدولة هي أن الأخطاء الفردية حتى لو كانت عفوية، ستقود إلى كوارث لا حصر لها.
ضباط وجنود الشرطة يؤدون دورا كبيرا في مقاومة الإرهاب، ويدفعون حياتهم ثمنا له، وآخرهم ما حصل في كمين المنوات بالبدرشين يوم السبت الماضي، وخطورة ما حصل في أقسام الشرطة أنها قد لا تجعل المواطنين يقدرون هذه التضحيات العظيمة.
في الأيام الماضية استمعت إلى كثير من المواطنين الذين عارضوا الإخوان وتظاهروا في ٣٠ يونيو وصوتوا للرئيس السيسي في الانتخابات ولصالح الدستور، وشاركوا في الانتخابات النيابية الأخيرة. هؤلاء المواطنون غير راضين عن مستوى تعامل بعض رجال الشرطة الأخيرة.
من العبث أن نقول إن الإخوان يقفون خلف كل هذه الأعمال الطائشة. الإخوان لم يقتلوا الرجل في الأقصر أو الصيدلي في الإسماعيلية، والذي فعل ذلك هم بعض أفراد الشرطة. لكن الصحيح أن الإخوان سوف يستفيدون من كل ذلك بصورة كبيرة. علينا أن نلوم المنفلتين من الشرطة أولا لأنهم يشتغلون عمليا لمصلحة الإخوان، سواء كانوا يقصدون ذلك أم لا. الإخوان والإرهابيون لا يحتاجون أكثر من هذه الممارسات الكارثية ليحاولوا استعادة شعبيتهم المفقودة.
الرسالة التي ينبغي أن تصل للشرطة هي ضرورة الحسم والردع العاجل مع أي منفلت، يعذب أو يهين مواطنا، وعليها أن تسأل: هل هناك ضباط داخلها يحاولون توريط النظام بأكمله مع الشعب عبر هذه الممارسات الأخيرة؟!!.
رسالة الاعتذار الرقيقة التي قدمتها الشرطة في الأقصر جيدة جدا، وينبغي أن تكون بداية مختلفة، والأهم أن نبدأ في تغيير الذهنية والثقافة وأن نحاكم ونقتص من كل فاسد ومستبد ومختل على غرار شخصية الأمين حاتم في فيلم يوسف شاهين وخالد يوسف «هي فوضى»، والأهم أن نجرف التربة التي تنبته وتعيد إنتاجه.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة