فتاة شبرا ذات السبعة عشر ربيعا هي أحدث الضحايا – المعروفين- لتجليات الخلل النفسي والاضطراب السلوكي الذي يعانيه بعض أفراد الأمن في بلدنا
فتاة شبرا ذات السبعة عشر ربيعا هي أحدث الضحايا –المعروفين- لتجليّات الخلل النفسي والاضطراب السلوكي الذي يعانيه بعض أفراد الأمن في بلدنا.. استمعت ممزق القلب لروايتها عما قاسته داخل قسم الشرطة، ثم استمعت لأمها الذاهلة وأبيها المكلوم.. السيدة المسكينة التي فُجعت في ابنتها قبل ثلاثة أيام مثّلت الغالبية الكاسحة من هذا الشعب، فقر مدقع، طموحات محدودة، أحلام بسيطة.. الستر عندها هو أعظم مطلب.. لكن السادة في بلادنا لهم دائما رأي آخر!
السيدة المسكينة ينفطر قلبها على ابنتها التي انتُهكت كرامتها ونُهش عرضها على يد من يُفترض فيهم حمايتها والذود عنها، لم تستطع إلا أن توجه خطابها للرئيس.. لا أشك للحظة أنها مع ملايين غيرها ممن هم على نفس الشاكلة قد اختاروه طمعا في حد أدنى من الأمان لا أكثر من ذلك.. الأمان الذي قايضت مؤسسات الدولة الشعب عليه مقابل حريته، فإذا به يفقد الاثنين معا!
أما والدها فمثل بدوره نفس الغالبية الكاسحة لكن من منظور آخر.. حالة الرجل تبدو متواضعة للغاية لكن النَفَس الحار الذي يتردد مع كلماته شيء مغاير لهيئته.. كان يمثل المصري حينما يُدفع دفعا إلى حافة اليأس.. حينما يرى في لحظة أن كل ما بذله من ماء وجهه طوال عمره ليكفل (الستر) لأسرته الصغيرة قد أصبح هشيما تذروه الرياح أمام عينيه.. رجل يقول بملء فمه سأقتل من فعل هذا بابنتي، فليس لشيء بعد الشرف عندي من قيمة تُذكر!
يا ترى بأي قصة عبقرية سيتحفنا الإعلام هذه المرة؟ أي كذبة جديدة تجري الآن صياغتها بشأن هذه الفتاة وأهلها؟ وهل يا ترى سيتطور الأمر ليشمل الآخرين؟ مشفقٌ أنا على الزملاء فالضحايا كثيرون هذه المرة وكلهم في أسبوع واحد تقريبا.. نريد شيئا أكثر حبكة هذه المرة، شيءٌ من نوعية المؤامرة الكونية الكبرى التي سيشترك فيها أهل الأرض والسماء وإنس المجرة وجنها وتجري وقائعها يوم الخامس والعشرين من يناير المرتقب!
وعلى ذكر الإعلام، لو صح ما قاله أحدهم من أن (السيسي) أقام الدنيا ولم يقعدها لما علم بما حدث له من اعتداء في فرنسا، وهو التوقيت الذي يتزامن مع كل حالات الانتهاك تلك، فلا أدري متى تظفر هذه المسكينة وغيرها بنفس الاهتمام!
ليس المقصود هو مجرد ذكر القضية في خطاب أو لقاء تليفزيوني، ولست حتى أطمع في زيارة مثل هذه الأسرة المكلومة وغيرها ممن أهدرت أجهزة الأمن آدميتهم على غرار ما فعله الرئيس سابقا يوم زار ضحية التحرش صبيحة تقلده الحكم، إنما المقصود أن يشعر الناس كلهم أن ثمة قانونا واحدا سينصفهم ممن استعبدهم وتلذذ بقهرهم واستضعافهم.. نقل الضباط المدانين لا يصلح أن يكون عقوبة إلا لمن سيبتلى مجددا من المصريين على أياديهم..
وإلا سيصدق ما ينتشر بين الناس الآن من أن مفيش حاتم بيتحاكم.. لكن هذه لن تكون النهاية!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة