.. أما في أمريكا فحين يصف بعضُهم اللاجئين المنكوبين بالمأساة بأنهم «كلاب» لا مبرر لإغاثتهم، ألا يجدر التساؤل: لماذا يكرهوننا؟
طفل تغسله الدماء في غوطة دمشق، وطفل لم يتعلم سوى النزوح مع أهله منذ الإطاحة بديكتاتور ليبيا، وثالث لا يسمع سوى التفجيرات وأحاديث عن صراع السنّة والشيعة في العراق... هذا هو عالمنا العربي، ما الذي نتوقعه بعد من إدارة الرئيس باراك أوباما في السنة الأخيرة من ولايته؟ وهل نراهن مجددًا على تدخُّله لإنقاذنا من جنوننا؟
أيُّ مصلحة لأمريكا «الديموقراطية» و«الجمهورية» في وقف الانهيارات والمذابح والدسائس؟ بل هل هناك إرادة جدية لدى واشنطن في إنهاء فظائع «داعش»؟
نظرية المؤامرة يجدّدها هذه المرة الأمريكيون أنفسهم، ممن يخوضون السباق إلى ترشيحهم باسم الجمهوريين الذين خرّجوا أمثال جورج بوش الابن، ودونالد رامسفيلد وديك تشيني. بين من يخوض السباق مَنْ يصرّ على تذكير الأمريكيين بأنه شاهد بأم عينه مسلمين في الولايات المتحدة يرقصون فرحًا لدى تفجير برجَيْ مركز التجارة العالمي في 11 أيلول (سبتمبر) 2001... فإن لم يكن يحرض على «دواعش» جدد في أمريكا، وعلى انقسام مجتمعاتها، فهو على الأقل يقدّم خدمة مجانية لطروحات التصدي للإرهاب أولًا، ووصمه بالإرهاب الإسلامي، أليست تلك خدمة لمشروع تعويم النظام السوري الذي لم تروِ «شرعيته» بعد دماء ثلاثمئة ألف سوري، تواطأ على أرواحهم، مثلما فعل تنظيم «داعش» وكل إرهاب؟
خدمة مجانية أخرى لدعاة تلك «الشرعية»، يقدّمها هذه المرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تجاوز الاعتراف بغارات على سوريا، ليقرّ بـ«عمليات» ينفذها جيشه هناك. وفي المحصّلة، يتكرّس تذرّع النظام في دمشق بأنه يواجه «معركة كونية» مع الإرهاب ومع إسرائيل كذلك، بينما هي تنسّق مع حليفه الروسي لتفادي الاشتباك مع المقاتلات الروسية، وتصادم المصالح.
في المحصّلة، المعادلة بسيطة: نظام دمشق حليف لطهران ولموسكو صاحبة المصالح المتقاطعة مع إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة التي تصر على رحيل الرئيس بشار الأسد، وهو يراهن على رحيل أوباما قبله. «داعش» لم يواجه الأمريكيين ولا الإسرائيليين، عمليًّا معظم ضحاياه أيضًا كضحايا النظام السوري، عرب ومسلمون.
ولأن سوريا لن تعود على الأرجح كما كانت، يصح مجددًا إحصاء الأطراف المتواطئين عليها وعلى شعبها لا على نظامها، الأطراف المتقاتلين والمتصالحين على أرضها وفي فضائها... على رؤوس السوريين. روس وأمريكيون وإسرائيليون وإيرانيون لهم حلفاء، وعراقيون وشيشان، إسلاميون متشدّدون و«دواعش» وبعثيون وعلويون وسنّة وعلمانيون، عرب وأكراد.
أي مصير للمنطقة بين «دواعشهم» في أمريكا الذين يمثّلهم بأفضل صورة متعصّبون ينكأون جروح 11 أيلول، تحريضًا على المسلمين، وبين «دواعشنا» الذين يحاربون العالم بدمائنا، ولا يصدقهم سوى مجانين، خريجي كهوف ولو تخرّجوا في أرقى جامعات الغرب؟ مشروع «خلافة» انتحاري أخطر بكثير من قنبلة نووية.
قبل «النووي» هل من مبالغة في الخوف من ضربات «داعشية» كيماوية؟ هل كان مستحيلًا تهريب سلاح كيماوي إلى التنظيم الجهنمي، قبل اطمئنان أوباما ونتنياهو إلى تدمير ترسانة النظام السوري، برعاية الروس؟
بين حال ذعر وتأهب واستنفار وريبة وقلق في أوروبا والغرب، بات مصير النظام السوري مجددًا في أسفل الأولويات. بل إن حماسة الرئيس الغاضب فلاديمير بوتين إلى ردّ صاع إسقاط الطائرة الروسية، صاعين، حوّلت أولوية الصراع إلى مواجهة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تبدو أقرب إلى ملاكمة، بالنقاط.
بوتين يُشفي لدى الأسد رغبة الانتقام من «السلطان» الذي يقف بين قادة الصف الأمامي لدول تصدّ محاولات غربية لفتح ثغرة في جدار عزل النظام السوري بذريعة أولوية الحرب على «داعش». وما يقوله الروس علنًا، يذكّر باتهام نجل الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني بالاتجار بالنفط العراقي خلال عهد صدام حسين. تجرّأ الجيش الروسي على اتهام أسرة «السلطان» بتمويل خزائن «داعش» من تهريب النفط. تراجعَ إلى عتبة الصفر مشروع أردوغان للمنطقة الآمنة في شمال سوريا.
بين «دواعشهم» و«دواعشنا»، للقيصر حصة أيضًا، والاشتباك الروسي- التركي إذا تكرر حادث إسقاط المقاتلة الروسية، سيطيح بـ«عملية السلام» في سوريا لفترة طويلة.
يدافع القيصر عن نظامٍ جلاّد، وينزعج إذا لم يصدّق العرب أنه مخلص في البحث عن السلام للسوريين. بوتين يشجّع مزيدًا من «الدواعش»، أما في أمريكا فحين يصف بعضهم اللاجئين المنكوبين بالمأساة بأنهم «كلاب» لا مبرر لإغاثتهم، ألا يجدر التساؤل: لماذا يكرهوننا؟
*- يُنشر هذا المقال في جريدة «الحياة» وبوابة «العين» الإلكترونية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة