أكتب هذا المقال دون أن تتبين كل الحقائق بعد بشأن دوافع وأهداف مرتكبِي الهجوم الأخير في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
أكتب هذا المقال دون أن تتبين كل الحقائق بعد بشأن دوافع وأهداف مرتكبي الهجوم الأخير في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، الذي أسفر عن مصرع أربعة عشر شخصا، وكذلك المشتبه فيهما وهما شخصان يبدو أنهما من أصل باكستاني، لكن ما هو معلوم حتي الآن يكفي لرصد بعض الأمور، وكان لافتا للنظر منذ بداية أول مؤتمر صحفي حول الحادث أن المسؤولين ذكروا أنهم لا يستبعدون أن يكون عملًا إرهابيًّا، هنا لابد أن نقف عند المعني المقصود بذلك، ربما لم يقولوا ذلك صراحة ولكن ما فهمه الجميع هو إمكانية أن يكون القاتلان مسلمَين، وهو ما ثبتت صحته بعد ذلك، لكن السؤال: ماذا لو لم يكونا مسلمين، هل كان ذلك سيغير من طبيعة الجريمة في ذاتها وبشاعتها وتوصيفها كعمل إرهابي؟ بمعني آخر: هناك جريمة لم يمر عليها أسبوع في ولاية كولورادو قام فيها شخص بإطلاق النار علي مركز لتقديم الرعاية الاجتماعية والصحية للأمهات، وهناك احتمال أن يكون الدافع مرتبطا بإجراء المركز لعمليات الإجهاض التي يرفضها أغلب المحافظين في أمريكا، فلو ثبت أن ذلك كان الدافع، هل هذا يحول الجريمة إلي عمل إرهابي؟ ما حدث هو أن هذا التعبير لم يستخدم ولم يطرح من الأساس، لماذا؟ لأن المتهم في هذه الحالة ليس مسلما، بينما أصبح هذا التعبير الكريه يستخدم حصريا للجناة المسلمين.
ولكن إذا عدنا لجريمة كاليفورنيا، يمكن كما ذكرت بعض التقارير أن يكون القاتل خرج من حفل للمؤسسة التي يعمل فيها غاضبا، ثم عاد مع زوجته ليرتكب تلك الجريمة البشعة، فلو كان الدافع غير ديني، هل هذا ينفي عنه صفة الإرهاب؟ طبقا للاستخدام الإعلامي الإجابة يفترض أن تكون: نعم... وهو ما يعني أن توصيف الإرهاب قاصر علي الدوافع الدينية أو الأيديولوجية، وهذا مفهوم، لكن إن كان ذلك صحيحا لماذا لم يذكر ذلك كتوصيف محتمل لعملية كولورادو بدلا من التركيز المستمر علي احتمال الخلل العقلي للجاني؟ فحتي لو تم توصيف جريمة كاليفورنيا بعد ذلك بشكل مختلف، فإن الآثار السلبية لاستخدام مصطلح الإرهاب بشأنها، قد وقعت بالفعل.
هذا يصل بنا إلي الإشكالية القائمة في المصطلحات المستخدمة التي لا ترتبط بطبيعة الجريمة أو دوافعها المجردة، ولكن بشخصية الجاني وديانته أو انتمائه الأيديولوجي، بحيث أصبح مجرد استخدام تعبير "إرهابي" إشارة للراديكاليين الإسلاميين.
هنا أذكر أن الأمر لم يكن دائما كذلك، فعندما قام شخص مسلم بإطلاق النار لعدة أيام في منطقة واشنطن علي بعض الأشخاص بشكل عشوائي منذ عدة سنوات، كان هناك حرص علي عدم استخدام تعبير "إرهابي"، وكان هناك مزيد من الحرص لدي وسائل إعلام هامة علي عدم ربط الجريمة بدين الجاني، لكن للإنصاف أيضا فإن كثيرا من مرتكبي الجرائم الإرهابية الأخيرة هم من يربطون جرائمهم بالإسلام، ويجعلون من الدين دافعا لهذه الجرائم، وبالتالي لا يمكن مطالبة الإعلام الأمريكي أو الغربي بالتخلي عن هذا الربط بشكل كامل، لأنه موجود في الواقع، المطلوب هو أن يتم توصيف الجريمة بالإرهاب بشكل موضوعي لا يفرق بين جريمة وأخري حسب دين القائم بها.
المدهش هنا أننا نجد أن المسؤولين والصحف الإسرائيلية علي سبيل المثال وصفوا مرتكبي حادث إحراق منزل أسرة الدوابشة بـ "الإرهابيين اليهود"، فهو أمر وارد في كل جنس ودين، لكننا نجد أن الإعلام الغربي عموما تردد في استخدام هذا التعبير رغم تداوله من جانب الإسرائيليين أنفسهم.
وربما السبب أنهم لا يريدون الخلط بين المصطلحات، ليحتفظوا باللقب "الإرهابي" للإسلاميين.
هذا الكلام لا ينبغي أن يجرنا للإحساس بموقف الضحية الذي نحبه لأنفسنا، فما حدث جريمة بشعة لابد من إدانتها بكل قوة، بصرف النظر عمن قام بها، لكننا في الوقت نفسه يجب أن ننتبه لما يحدث من تكريس خاطئ لبعض المصطلحات إعلاميًّا واجتماعيًّا، بما يجعل الإرهاب مرادفا لما يقوم به المسلمون، هذا الربط خاطئ قانونيًّا وأخلاقيًّا ولا يجوز الصمت حتي يصبح أمرا مسلما به.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة