ولو صحت النسب المألوفة في العالم، بوفاة 5% من إجمالي عدد المصابين، فذلك يعني أن الوفيات في إيران لن تقل عن 900 ألف إنسان، وليس 12 ألفا
التقديرات التي كشفت عنها اللجنة الوطنية لمكافحة الفيروسات التاجية الإيرانية عن مدى تفشي الإصابة بكورونا بين الإيرانيين، يمكنها قلب قاعدة البيانات العالمية كلها رأسا على عقب.
مسعود مرداني، عضو اللجنة قال، بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، إنه بناء على نتائج الاختبارات تأكدت إصابة 18 مليون إيراني، بنسبة 20% من سكان البلاد، بفيروس كورونا حتى الآن.
وبينما تقول إيران إن مجموع الإصابات "الرسمية" لا يتعدى ربع مليون، فان إجمالي الإصابات في العالم لا يتعدى 11 مليون مصاب.
الاهتراء يكاد لا يترك شيئا دون أن يجعله صارخا، النظام الصحي في إيران منهار كليا، فعدى عن أن المستشفيات لم تعد قادرة على استيعاب المرضى، فان الجسم الطبي نفسه لم يعد قادرا على العمل.
إيران، لوحدها، بهذا المعنى، يمكن أن تقلب كل التقديرات، وكل الحسابات. ولو صحت النسب المألوفة في العالم، بوفاة 5% من إجمالي عدد المصابين، فذلك يعني أن الوفيات في إيران لن تقل عن 900 ألف إنسان، وليس 12 ألفا، حسب المعلن.
وما هذه إلا مجزرة يرتكبها نظام الولي الفقيه ضد شعبه. وهي وحدها تشهد على مدى استعداده لارتكاب الجرائم ضد عامة الخلق، في أي مكان. لا يردعه رادع، ولا يؤنبه ضمير، ولا يحول دون مواصلتها أي اعتبار، لا ديني ولا إنساني ولا أخلاقي. وهو إذ ينطلق من تصورات وحشية وقناعات همجية، كطبيعته الفقهية ذاتها، فإنه لا يستهجنها ولا يلتفت إلى عجائبها، ويظل يهذي ويهذر عنها بشعاراته الهوجاء هي نفسها، دون أن يشعر بحجم مفارقتها عن الواقع.
وهو نظام يكذب على نفسه قبل أن يكذب على أي أحد. لأنه لا يرى من الواقع إلا ما يريد، لينظر إليه من ثقب نظرية المؤامرة فحسب، بينما هو خير من يتآمر على نفسه، إلى درجة أنه ليس بحاجة إلى أن يتآمر عليه أحد، والشاعر يقول: "لا يبلغ الأعداءُ من جاهل.. ما يبلغ الجاهل من نفسه".
والضحايا يتساقطون كل يوم، في نظام الجهل هذا، من دون أن يجرؤ حتى على الاعتراف بهم، أو على مواساتهم، أو على تحمل المسؤولية حيال ذويهم. وما هذا إلا واحد من أوجه الفشل، لنظام قد يملك القدرة على ممارسة أعمال العدوان والتهديد بها، إلا أنه لا يملك القدرة على حماية مواطنيه. وما هذا إلا نموذج صارخ من نماذج الاهتراء التام، لنظام لا يملك شيئا أكثر من الهراء ليبيعه على نفسه، لا على الناس. فالناس تعرفه على أي حال.
والاهتراء يكاد لا يترك شيئا دون أن يجعله صارخا، النظام الصحي في إيران منهار كليا، فعدى عن أن المستشفيات لم تعد قادرة على استيعاب المرضى، فان الجسم الطبي نفسه لم يعد قادرا على العمل. والكثير من الأطباء باتوا يلوذون بمنازلهم لافتقار المراكز التي يعملون بها لمستلزمات الوقاية، دع عنك المعدات اللازمة لمعالجة المرضى.
وثمة من أوجه الاهتراء الأخرى ما يكاد يصيب كل شيء، سعر صرف الريال انحدر من القاع إلى قاع القاع، حتى أصبحت 5 دولارات تكفي لتجعلك مليونيرا في إيران. والانفجارات تتوالى هنا وهناك حتى في المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية، وهي تكشف عن رقابة عاجزة، وأعمال صيانة أعجز منها، وفشل إداري لمؤسسة حكومية تقف على عتبة الإفلاس (المادي) التام، فوق إفلاسها السياسي التام.
ولكنها من القبح والوقاحة والصلف، بحيث تظل تمارس العنتريات، وترفع شعارات، وتطلق الصواريخ العشوائية، وتريد من مجلس الأمن أن يرفع عنها حظر السلاح، لكي تشتري المزيد، بينما شعبها يجوع ويموت ويمرض دونما أمل بالنجاة.
وثمة من أمراض الفقه والثقافة، ما يجعل كل داء يهون. فبسبب من سياساته الطائفية، وقناعاته التكفيرية، وخياراته العدوانية تجاه النفس والجوار، لم يعد هناك مكان وطأته تدخلاته إلا وأصابه البلاء.
أنظر في كلفة تلك التدخلات في سوريا وحدها، وستعرف أن العاقبة كانت أقرب إلى زلزال بأقصى مستوى للدمار، الشيء نفسه حصل في العراق، وهو نفسه الذي يحصل في اليمن بدعم مليشيات الحوثي، وها هو لبنان، يتضور شعبه جوعا، ويفشل نظامه عن استدراك المخاطر التي تحيق به من كل اتجاه.
18 مليون مصابا بكورونا في إيران، هم في الواقع 18 مليون إدانة لنظام موبوء بنفسه، ولكنها أكثر من ذلك بكثير، إذا ما أخذنا بالاعتبار ضحايا الفقه الهمجي نفسه الذي يجعل من إيران أرض وباء أسوأ في الواقع من أي وباء.
ملايين المعوزين في لبنان، وملايين المهجرين في سوريا، وملايين المضطهدين في العراق، وملايين المحرومين من الاستقرار في اليمن، هم صرخة واحدة ضد نظام الجريمة هذا.
وما ذلك إلا لأنه عدو نفسه، قبل أن يكون عدوا لأي أحد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة