الضربة الجوية هي إنذار بأن سياسة فرض الأمر الواقع في الداخل التركي وخارجه لم تعد مقبولة ولم تعد موجودة أساساً في العلاقات الدولية.
نتمنى أن تكون الغارة الجوية التي استهدفت قاعدة الوطية الجوية في غرب ليبيا، قد نبهت الرئيس التركي طيب أردوغان وحلفاءه من تيارات الإسلام السياسي إلى خطورة الأنشطة التخريبية التي يقومون بها في ليبيا، وما قد يؤدي ذلك بالنتيجة إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة لليبيا القريبة منها أو تلك التي تربطها مصالح معها.
الضربة التي لم تتضح تفاصيلها بشكل كامل بعد رغم أن هناك تأكيدات أن القوات التركية تكبدت خسائر كبيرة وأن عددا من أفراد قواتها غادر القاعدة الجوية الليبية، كان من المتوقع حدوثها وبشكل أكبر من الآن، وذلك بسبب استمرار الاستفزازات التركية للعديد من دول العالم خاصة تلك المطلة على حوض البحر المتوسط وليس الدول العربية فقط خاصة مصر.
كما أن هذه الضربة أو الغارة، تركت انطباعاً لدى المراقبين أن زمن السكوت على مغامرات أردوغان السياسية قد انتهى.
ورغم عدم وضوح الجهة التي تقف وراء هذه الغارة حتى لحظة كتابة المقال، إلا أن النقطة المهمة التي ينبغي على أردوغان إدراكها والتركيز عليها، هي أن هناك خطوطاً حمراء للدول لا يجب عليه تجاوزها، وإلا سيكون من حق الآخرين الدفاع عن أنفسهم.
وفي الواقع هناك دول كثيرة تأذت من سياسات واستفزازات أردوغان آخرها العراق الذي تستهدف فيه الطائرات التركية بالتعاون مع إيران كردستان العراق منذ أكثر من أسبوعين، متجاهلاً كل النداءات العربية والدولية لوقف تلك العمليات التي تتعدى على السيادة العراقية، في إصرار غريب على استعداء الجميع غير الذي يرضخ لأفكاره ويقبل قناعاته المؤدية للفوضى مثل: نظام الحمدين في قطر.
ووصل بأردوغان تخبطه السياسي، أن دخل في صدام حقيقي مع عدد من دول حلف شمال الأطلسي منها فرنسا الدولة التي تنظر إلى الدول الأفريقية بشكل عام بأنها جزء من أمنها الاستراتيجي أو ما يعرف سياسياً بـ"الحديقة الخلفية".
الضربة الجوية هي إنذار بأن سياسة فرض الأمر الواقع على الجميع في الداخل التركي وخارجه لم تعد مقبولة ولم تعد موجودة أساساً في العلاقات الدولية، وأن هذا الإجراء العسكري هو محاولة لإيقاظ أردوغان من أحلامه.
وبالتالي فإنه في ظل هذا المشهد المتداخل لا يهم كثيراً من الذي قام بالغارة ضد القوات التركية في القاعدة الليبية، بقدر ما أنها أعطت مؤشراً أن الجميع غاضب من عنجهية أردوغان وغطرسته، وبالتالي لا بد من التفاهم معه بلغة القوة التي يبدو أنه لا يفهم غيرها.
الضربة الجوية هي إنذار بأن سياسة فرض الأمر الواقع على الجميع في الداخل التركي وخارجه لم تعد مقبولة ولم تعد موجودة أساساً في العلاقات الدولية، وأن هذا الإجراء العسكري هو محاولة لإيقاظ أردوغان من أحلامه، والتي يعتقد أنها تعطيه الحق في التدخل في شؤون الآخرين وتهديد استقرار الدول الأخرى، وأن مرحلة ما بعد هذه الضربة تنبئ بأنه لن يقف أحد ليراقب من بعيد ما يفعله أردوغان، وما يرتبه له حلفاؤه في الدول المجاورة لليبيا مثل راشد الغنوشي في تونس.
فهذه الغارة تأكيد صريح بأن العمق الاستراتيجي للدول الأخرى والذي قد يمتد إلى خارج حدودها الجغرافي هو خط أحمر، ولن تقبل أي دولة طبيعية ذات سيادة أن تأتي قوات أجنبية تهدد استقرارها الوطني، كما أن هذه الغارة تعني أهمية الحزم ضد محاولات تركيا الساعية نحو خلق فوضى داخلية في ليبيا من خلال إضعاف سلطة الدولة وجعل ليبيا مقراً للتنظيمات الإرهابية والمرتزقة أو ممرا للهجرات غير الشرعية نحو أوروبا، أضف إلى ذلك أنه المهم عدم العمل على تجاهل مصالح الآخرين في سبيل تحقيق مصالحك.
لن يكون مستغرباً إن لم يجد أردوغان من يقف أو يتعاطف معه الآن لأنه عمل من أجل إيصال الآخرين لهذا القرار، ولكن الذي ينبغي أن يفعله هو أن يراجع سياساته اللاعقلانية ويقوم بترتيب أولويات شعبه بدلاً من المشروعات الوهمية التي يفكر فيها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة