تضمَّن الكتاب انتقادات عنيفة لشخص ترامب وأسلوب حُكمه وشخصية الرئيس التركي أردوغان، ومحاولته التدخُّل فى شؤون العدالة الأمريكية
أحدث الكتاب الذي أصدره جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب، بعنوان "الغرفة التي شهدت الأحداث: ذكريات في البيت الأبيض"، والذي يتكون من 570 صفحة، ضجة سياسية وإعلامية مدوية بسبب المعلومات والأسرار التي تضمَّنها عن كيفية إدارة ترامب لأمور الدولة.
زاد من هذه الضجة أن وزارة العدل الأمريكية حاولت الحصول على حكم قضائي بمنع تداول الكتاب وفشلت في هذا المسعى.
وبولتون هو أحد الشخصيات السياسية المهمة في تيار المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري، عمل بالمحاماة والدبلوماسية، وكان مندوباً دائماً لبلاده لدى الأمم المتحدة في عهد الرئيس بوش الابن، واشتغل خبيراً ومستشاراً لعدد من مراكز البحوث ذات الاتجاه المحافظ، ومُعلقاً في شبكة تلفزيون "فوكس نيوز".
واشتهر بدعوته أمريكا إلى اتباع سياسات القوة والمواجهة في علاقاتها بالدول الأخرى، والتدخُّل في شؤونها الداخلية لتحقيق أهدافها. لذلك، لم يكن غريباً أن عيَّنه الرئيس ترامب مستشاراً للأمن القومي في إبريل 2018 بحكم التقارب الكبير في وجهات النظر بين الرجلين، ولكن بولتون لم يستمر طويلاً في موقعه، وعُزل من منصبه في سبتمبر 2019.
تضمَّن الكتاب انتقادات عنيفة لشخص ترامب وأسلوب حُكمه، فوصفه بولتون بالجهل ونقص المعلومات، وأنه لم يكن يعرف أن فنلندا دولة مستقلة وليست تابعة لموسكو، أو أن بريطانيا قوة نووية، وأكد أن مصالحه السياسية هي المؤثر الأكبر على قراراته، وأورد أمثلة على ذلك باتصالاته مع الصين وأوكرانيا وغير ذلك من موضوعات تناولتها وسائل الإعلام بإسهاب.
ويتناول هذا المقال ما كتبه بولتون عن شخصية الرئيس التركي أردوغان، ومحاولته التدخُّل في شؤون العدالة الأمريكية، وفشله في ذلك وتراجعه السريع عن موقفه في قضية القس أندرو برونسون بعد فرض أمريكا العقوبات على بلاده.
بولتون هو أحد الشخصيات السياسية المهمة في تيار المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري، عمل بالمحاماة والدبلوماسية، وكان مندوباً دائماً لبلاده لدى الأمم المتحدة.
يُسجِّل بولتون من واقع المراسلات والمكالمات التليفونية، محاولات تدخُّل أردوغان المتكررة للتأثير على أعمال القضاء الأمريكي لإسقاط التحقيق في قضية بنك خلق الذي تملكه الحكومة التركية، كتب بولتون أن أردوغان تحدَّث أكثر من مرة مع الرئيس ترامب بشأن تحقيق المدعي العام مع محمد عطا الله أحد كبار المسؤولين في البنك بتهمة التلاعبات المالية التي مارسها البنك وانتهكت العقوبات الأمريكية على إيران.
وأرجع بولتون الاهتمام الزائد لأردوغان بهذا الموضوع إلى أنه مثَّل تهديداً مباشراً له ولأُسرته بسبب استخدامهم البنك لأغراض ومصالح شخصية، والتي اتسعت بعد تعيين زوج ابنته "بيرات البيرق" وزيراً للمالية.
وبرَّر أردوغان مطلبه بأن الاتهامات الموجهة إلى البنك هي جزء من المؤامرة التي يقف وراءها المعارض فتح الله غولن المقيم في أمريكا.
والغريب أنه لم يشرح العلاقة بين ما تقوم به سلطات التحقيق الأمريكية بناءً على وقائع محددة تتصل بسلوك البنك وموضوع فتح الله غولن.
وكان الأدهى من ذلك أن أردوغان عزَّز موقفه بالإشارة إلى واقعة تدينه وتثبت تدخّله في أعمال القضاء التركي، فحسب ما كتب بولتون، فإن أردوغان قال لترامب إن ما يطلبه منه -أي إسقاط الاتهامات- هو ما قام هو به من قبل في موقف مماثل.
ففي عام 2014، عندما بدأت تحقيقات قضائية في دعوى تتعلق بتلقي وزيريْن في حكومته رشاوى ضخمة تقدَّر بملايين الدولارات الأمريكية لتسهيل التجارة مع إيران، فإنه تدخَّل لوقف الدعوى، بل وأمر بالتحقيق مع محركيها ووصف الموضوع بأنه محاولة انقلاب (ص 184-185 من الكتاب).
لم تنجح تدخُّلات أردوغان، وتُشير مصادر الأخبار إلى أن التحقيق مع البنك استمر، وحسب وكالة رويترز في 15 أكتوبر 2019، فإن الادعاء العام وجَّه لائحة اتهامات إلى بنك خلق أمام المحكمة الفيدرالية بنيويورك.
ويكشف بولتون عن جانب آخر من شخصية أردوغان عندما تناول موضوع القس الأمريكي "أندرو برونسون" الذي عاش في تركيا لمدة عقدين، وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة يوليو 2016، تم إلقاء القبض عليه بتهمتيْ التجسس والاتصال بحزب العمال الكردستاني الذي يُعتبر فى تركيا تنظيماً إرهابياً.
سارعت السلطات التركية بإحالته للمحاكمة، وصدر ضده حكم بالسجن لسنتين. من ناحيتها، طالبت الحكومة الأمريكية بتسليم القس، فهو رجل دين ولم يصدر منه على مدى سنوات طويلة أقامها فى تركيا ما يعزِّز هذه الاتهامات.
كتب بولتون أن أردوغان استخدم هذا الموضوع كورقة للضغط على ترامب، وأنه ذكر أكثر من مرة أنه سوف يتم تسليم القس للسلطات الأمريكية مقابل تسليمها غولن.
ولم يستجب أردوغان للمطالبات الدبلوماسية الأمريكية بالوصول إلى حل ودي للموضوع، فقامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على وزيريْ العدل والداخلية في تركيا بسبب مسؤوليتهما في قضية برونسون.
وأعقبتها بعقوبات اقتصادية وفرض رسوم جمركية على عدد من الواردات من تركيا. فسارع أردوغان بتغيير موقفه وتم الإفراج عن القس الذي عاد إلى واشنطن واستقبله ترامب في البيت الأبيض.
ويكتب بولتون أن أردوغان "راديكالي إسلامي" يقوم بتغيير أُسس الجمهورية التركية التي أقامها كمال أتاتورك إلى دولة دينية، وأنه يدعم الإخوان وحركات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط.
ما لم يذكره بولتون هنا هو دعم تركيا في ظل أردوغان للتنظيمات الإرهابية في المنطقة وهو ما سجله التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب في عام 2019 والذي ورد فيه أن تركيا أصبحت دولة عبور للإرهابيين الذين يسعون للانضمام إلى داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي تقاتل فى سوريا والعراق، رغم أنها عضو فى التحالف الدولي لمحاربة داعش.
وتكتمل هذه الصورة التي رسمها بولتون في كتابه عن أردوغان بما ذكره بأنه يتحدث بصوتٍ عالٍ يُذكِّره بالطريقة التي كان الطاغية الفاشي موسولينى يتحدث بها عند إلقاء خطبه من شرفة القصر الجمهوري بروما (ص 52).
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة