اقترب أردوغان من تحقيق هدفه بالسيطرة على نقابة المحامين، وبموازاة ذلك يجهّز حزبه مشروع قانون للتحكم بمواقع التواصل الاجتماعي.
يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إحكام سيطرته بالقوة من خلال التحكم بمؤسساتٍ خارج بلاده لا تخضع لنفوذه، بعد سطوته على كامل مقاليد الحكم داخل تركيا، للحدّ من تأثير معارضته وقمعها، فمع اقتراب الذكرى السنوية الرابعة لمحاولة الانقلاب العسكري الفاشل على حكمه منتصف يوليو/تموز من العام 2016، يسعى أردوغان إلى فرض المزيد من الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي أو إغلاقها وحجبها.
إن تحديد أردوغان ليوم حصول محاولة الانقلاب الفاشل على حكمه، موعداً لبدء أولى جلسات البرلمان لمناقشة قانونٍ قد يُلزم شركات مواقع التواصل على افتتاح مكاتبَ لها في تركيا أو إغلاقها وحجبها حال رفضها لذلك، يعني أنه يحاول إظهار نصرٍ جديد على أحزاب المعارضة، خاصة وأن هذه المنصّات هو منفذها الأخير بعد قمعها في الشوارع ومنعها من التظاهر في الساحات.
وبالتالي يسعى أردوغان من خلال هذا القانون الذي سيناقشه البرلمان بين 15 و 21 يوليو/تموز الحالي إلى إرغام مواقع التواصل على الالتزام بقرارات محاكمه، ففي الوقت الراهن لا تحذف هذه الشركات كل محتوى تطالب السلطات بإزالته، لكن مع وجود مكاتبَ لتلك الشركات داخل الأراضي التركية، ستكون مرغمة على حذف كل ما تطالب السلطات المحلية بإزالته، وهو أمر سيساعد في الحد من تأثير المعارضة والمنتقدين على هذه المنصّات، وسيزيد من عدد معتقلي الرأي.
والسؤال، هل سوف ينجح أردوغان في تمرير هذا القانون الجديد عبر البرلمان ويُغلق مواقع التواصل نهائياً في بلاده أو يحجبها؟ بالطبع يستطيع خاصة وأن حزبه الحاكم يملك أغلبية نيابية والتصويت على هذا القانون سيكون شكلياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فقد تحوّل البرلمان التركي إلى مجرّد "ديكور" لتجميل ديكتاتورية الرئيس لا سيما وأن كل قراراته تؤخذ دون أي اعتبارٍ لأحزاب المعارضة مع وجود تحالف بين حزب "العدالة والتنمية" وحزب "الحركة القومية" يمنحهما الأغلبية البرلمانية المطلقة.
السلطات التركية حجبت موقع موسوعة ويكيبيديا لنحو عامين قبل أن تعاود رفع الحجب عنه. وكذلك فعلت مع كلّ من موقعي "تويتر" و "يوتيوب" في وقتٍ سابق.
وما يؤكد أيضاً عزم أردوغان تصعيدَ معركته ضد منصّات التواصل، هو منع سلطاته خلال هذا الأسبوع بث فضائيتين معارضتين مدّة 5 أيام، لنشرهما أخباراً لم تُعجب حكومته.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد هددت السلطات الوسيلتين الإعلاميتين بإغلاقهما بالكامل حال تكرارهما لنشر مثل تلك الأخبار مرة جديدة.
ولابدّ من الإشارة إلى أن السلطات التركية حجبت موقع موسوعة ويكيبيديا لنحو عامين قبل أن تعاود رفع الحجب عنه. وكذلك فعلت مع كلّ من موقعي "تويتر" و "يوتيوب" في وقتٍ سابق، كما أنها تحجب مئات الآلاف من مواقع وكالات وفضائيات إخبارية وصحف دولية وعربية، وكذلك تحجب آلاف الحسابات الشخصية على مواقع التواصل لشخصياتٍ عامة تصفها بـ "الإرهابيين".
ويمكن وصف معركة أردوغان الحالية مع هذه المنصات بالباب الأخير الذي يود إغلاقه، فقد سيطر في وقتٍ سابق على القضاء وتحوّل إلى أداةٍ بيده، وكذلك فعل مع الأجهزة الأمنية التي عيّن فيها مقرّبين منه في مناصبَ مهمة، وأغلق معظم وسائل إعلام المعارضة وفرض سطوته على البرلمان والحكومة التي يشكلها هو شخصياً، لذلك لم يبق أمامه سوى وسائل التواصل ونقابة المحامين، التي يحاول إنشاء نقابة موازية مؤيدة له داخلها وقد نجح في ذلك رغم احتجاجات المحامين، فمن بين 81 ممثلاً عن هذه النقابة يشارك في الاحتجاجات اليومية نحو 50 ممثلاً فقط، ما يعني أن البقية اتجهوا نحو أردوغان ووافقوا على أن يكونوا ممثلين عنه في النقابة.
ولهذا كله اقترب أردوغان من تحقيق هدفه بالسيطرة على نقابة المحامين، وبموازاة ذلك يجهّز حزبه مشروع القانون الذي سيناقشه البرلمان بعد أقل من أسبوعين للتحكم بمواقع التواصل، وغالباً سينجح في هذا الأمر أيضاً وسيغلق الباب الأخير على شعبه، لإسكات معارضته ومنع أصواتها من الوصول إلى الخارج.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة