وثائقي "كيف واجهت السعودية القاعدة؟"..التنظيم من الانطلاقة إلى الخمول فالهزيمة
صور وفيديوهات حصرية عرضت للمرة الأولى
شهادات ضباط قوات الأمن الخاصة والأمن الدبلوماسي وأمن المنشآت، تعطينا لمحة شاملة عن خطة المملكة في اقتلاع جذور تنظيم القاعدة
"كيف واجهت السعودية القاعدة؟"، السؤال بحد ذاته مثير ومحفز على الغوص في التفاصيل للوصول إلى الإجابة المناسبة في ثنايا هذه السلسلة الوثائقية التي عرضتها قناة "العربية" بأجزائها الثلاثة (ابتداء من مساء الأربعاء الماضي)، كونها تعالج قضية تُعتبر من أبرز القضايا السياسية والإيديولوجية والإنسانية والسياسية الشائكة في عالمنا.
شهادات الكثير من ضباط قوات الأمن الخاصة والطوارئ والأمن الدبلوماسي والشرطة وأمن المنشآت، تعطينا لمحة شاملة عن خطة المملكة في اقتلاع جذور تنظيم القاعدة بين عامي 2003 و2006 بشكل نهائي، إلا أن ثمة ما يكسر هذه المعادلة بعدها في محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية آنذاك، وذلك في 27 أغسطس / آب عام 2009.
الفوضى أو الأمان.. الجدلية
أمام رجال الأمن السعودي إما فرض النظام أو ترك البلاد في حالة فوضى.. هذا من أكثر أسئلة "كيف واجهت السعودية القاعدة؟" بروزاً، فأحد الضباط يقول: "هذا واجبنا تجاه الأهل والناس"، وهذا ما يبني عليه الفيلم خطته الدرامية لاحقاً، وهو يعرض أماكن تدريب عناصر القاعدة وكواليسهم وحياتهم الخاصة وتجنيدهم الأطفال وتحميسهم الشباب وفوضى أشيائهم وضحكهم المتواصل وأناشيدهم الدينية ومدى تفكيرهم السطحي وارتباطهم بأبيهم الروحي "أسامة بن لادن"، في لحظات خاصة ونادرة.
فيما تسير عربة المشاهد رويداً رويداً نحو النهاية الحتمية لأبطال الفيلم، إن جازت التسمية، بعد أن يشرع من البداية ثم التقهقر فالانصياع والخسارة، وهذا ما بدا جلياً في أحد تقارير مجلة "صوت الجهاد"، بعد أن اعترف بخسارة التنظيم في الجزيرة العربية "خذلان جبهة الجهاد بعد أن قلّ الناصر والمعيل".
في هذا الفيلم الوثائقي، المشاهِد أمام مجموعة من الصور والفيديوهات الحصرية الخاصة بوزارة الداخلية، وأغلبها حصلت عليها الأجهزة الأمنية السعودية من أرشيف التنظيم الإرهابي وأوكاره، كونها غير ممنتجة، فهي مواد تحمل كمية كبيرة من رعب المعلومة، فيما تعرض قناة العربية الفيلم في ثلاثة أجزاء، وتقسم إياه إلى ثلاثة محاور، الأول "استهداف المدنيين"، والثاني "استهداف رجال الأمن"، أما الثالث والأخير فهو "استهداف البترول".
وحين نتحدث عن القاعدة في السعودية، من الطبيعي أن نتحدث عن أسماء بارزة أدخلت الرعب في نفوس المدنيين إلا أنهم لقوا حتفهم، مثل عبد العزيز المقرن (أحد زعماء الجناح العسكري للتنظيم)، وتركي الدندني (المسؤول عن تفجيرات الرياض)، وعيسى العوشن وعبد الله الرشود (أحد منظري القاعدة) وصالح العوفي وفهد الجوير وعبد الله العسيري (منفذ محاولة اغتيال الأمير محمد)، وهؤلاء كلهم كانوا قادة خلايا سلط عليهم الفيلم الضوء كقياديين رسموا ونفذوا العديد من العمليات الانتحارية في أنحاء السعودية.
المدنيون والأمن والبترول.. ثلاثية رعب
حاول التنظيم مراراً كسر شوكة المدنيين الأجانب في المملكة، من خلال استهداف المجمعات السكنية، عبر الخلايا الممتدة في كافة أرجاء البلاد، بالرياض وجدة والقصيم والمنطقة الشرقية وغيرها.
وتتالت الانفجارات في كل من حي الجزيرة، وحي اليرموك، ومجمع الحمراء السكني بالرياض، الذي أودى بحياة 36 مدنياً مقيماً على أراضي المملكة وإصابة 160 آخرين، باستثناء استهداف السفارة والقنصلية الأمريكية والسفير كذلك، فضلاً عن تفجيرات حي الخالدية وحي الشرائع في مكة المكرمة، وفي جازان، جنوب البلاد، حيث مستشفى الملك فهد، والجوف، التي احتوت الدندني، وفي القصيم (الرس)، التي شهدت أكبر عملية.
حكاية استهداف المدنيين لم تتوقف عند المناطق والأحياء المذكورة فقط، بل امتدت إلى رجال الأمن (الجزء الثاني من الفيلم)، حيث الحديث عن الأحياء الدبلوماسية والمقرات الأمنية ومديرية الأمن العام وحي الفيحاء وحي النسيم ووزارة الداخلية، وأخيراً استهداف الأمير محمد بن نايف شخصياً في مكتبه الكائن بمنزله في جدة، إذ اعتبر الأمن السعودي أن التنظيم انتقل إلى مرحلة جديدة هي "الاغتيالات".
فقد عرض الوثائقي كيف أن الانتحاري عبد الله عسيري حاول اغتيال الأمير محمد باستخدام جوال ذي شريحتين، الأولى استخدمها في الحديث مع رفاقه باليمن لإعطاء الإشارة، والثانية كمنبه للتفجير، مع وضعه المادة المتفجرة في مؤخرته عبر عبوات صغيرة كبديل عن المعدنية، وأثناء اتصال الأمير برفاق الانتحاري الذين تظاهروا بتسليم أنفسهم بعد أن يطمئنوا إلى وصوله لمنزل الأمير، ويُرجح أن تكون تلك إشارة من الانتحاري إلى زملائه الإرهابيين بأنه تمكن من لقائه، وأن إشارة التفجير قد حانت الآن من خلال اتصالهم على جواله، وهذا بحسب تقرير نشرته صحيفة عكاظ، حيث تمكن التنظيم الذي أعاد تشكيله في اليمن، من التودد للأمير للمسامحة لعودة عناصره إلى حضن الوطن.
فالقاعدة تحاول إذن إسقاط الحكومة السعودية، ولكنها تفشل فتلجأ إلى حيلتها الأخيرة باستهداف محطات البترول، ولعل عملية مصفاة بقيق أكبر دليل على ذلك (الجزء الثالث من الفيلم).
الأيديولوجية الناقصة
لجأ التنظيم إلى الاستناد لأحاديث للرسول الكريم محمد، مثل حديثه إلى قريش "جئناكم بالذبح"، حيث اتهم السلطات السعودية بالتعامل مع الأجانب (الكفار) والدفاع عن الأمريكيين، حيث يعرض الفيلم تسلسل الأحداث وتأثرها بأحداث 11 سبتمبر 2001، التي ضربت برجي التجارة العالمي في أمريكا وتبنّي تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها.
عبارة "جاري التحميل" في الوثائقي تفصل بين كل عملية وأخرى وتخبر المشاهد أن ثمة مفاجأة أخرى أكثر تشويقاً ومأساة مقبلة، فكلما يتم القضاء على خلية عبر عملية عسكرية واسعة النطاق تذهب ضحيتها قتلى وجرحى، تنمو خلية أخرى كالسرطان في مدينة أخرى، لتبدأ معها الكاميرا رحلة جديدة من الرعب والحبكة الدرامية القائمة على موسيقى تصويرية ملائمة للحدث السياسي - الإنساني - الدرامي.
تنظيم القاعدة لديه أيديولوجية خطيرة ويستخدم الإسلام لتبرير العنف في كل أعماله، إلا أن الفيلم يقول بتعاون الأمن مع الشعب الذي أعطاه ثقته للقضاء على جذور التنظيم وإدخال الأمان إلى نفوس المواطنين والمقيمين والزائرين، وكثيراً ما ترددت مقولة (الفرح في عيون الناس) في الفيلم بعد الانتهاء من كل عملية عسكرية والنيل من رأس من رؤوس التنظيم.
ويبقى ما قاله أحد الضباط راسخاً في الذهن: "من السهل قتل إرهابي، لكن من الصعب فكره"، لتأتيه الإجابة في آخر الوثائقي بإنشاء "مركز محمد للمناصحة"، حيث يتم فيه استقبال المطلوبين وإعادة تثقيف المتطرفين وتدريبهم ليكونوا فعالين في مجتمعهم.
aXA6IDE4LjE4OC45Ni4xNyA= جزيرة ام اند امز