بالصور.. "الجامع الأموي" عبق التاريخ في قلب دمشق
استطاع الجامع أن يبقى صامدًا وشامخًا على مر العصور التي تعاقبت على دمشق، رغم تعرضه لنكبات وزلازل وحرائق مدمرة.
مسجدان حملا اسم "الجامع الكبير"، أحدهما بحلب، وهو الذي تعرض للتدمير وهدم مئذنته خلال الحرب، والثاني بدمشق، الأقدم والأكثر عراقة وقدمًا في سوريا. يعد "الجامع الأموي"، بالعاصمة السورية دمشق، خير شاهد على مراحل تطور فنون العمارة والزخرفة والبناء في سوريا، على مر العصور؛ الآرامية والهللينستية والرومانية والإسلامية، وهو أشهر آثار دمشق القديمة على الإطلاق وأكثر جذبًا للسياحة، ويمكن اعتباره الأثر الوحيد الباقي بشكله الأصلي تقريبًا من آثار حكم بني أمية في دمشق.
ولم يكن "الجامع الأموي" مكانًا للعبادة فقط، بل كان مركزًا مهمًا من مراكز الحياة في دمشق في عصر الأمويين، وتم استخدامه في حشد الجيوش قبل الفتوحات والغزوات، وكان ملجأ للمجاهدين والعلماء، ومن داخله كانت تُدار دفة الحكم في دمشق في العهد الأموي، بحسب وكالة "شام تايمز" السورية الإخبارية.
ويقع الجامع وسط مدينة دمشق القديمة، في المنطقة المدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة "اليونسكو"، ويحده من الجنوب حي البزورية، ومن الغرب سوق الحميدية، ومن الشرق مقهى النوفرة، ومن الزاوية الشمالية الغربية المدرسة العزيزية وضريح السلطان صلاح الدين الأيوبي. ويبلغ طول الجامع 157 مترًا وعرضه 97 مترًا، فيما تُقدر مساحته بـ15.229 مترًا مربعًا، ويحتل صحن الجامع منها مساحة 6 آلاف متر مربع.
ويقول المؤرخ محمود السيد، قارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية، إن الجامع بُني على بقايا هيكل قديم يرجع تاريخه إلى أيام الرومان، وهو معبد "حدد" الآرامي، الذي شيّد وفق النموذج المعماري الكنعاني التقليدي، والمؤلف من فناء مسوّر وغرفة صغيرة للعبادة، وقد بني في مطلع الألف الأول قبل الميلاد على الأرجح.
وقام الرومان بعد سيطرتهم على دمشق، سنة 64 ميلادية، بإعادة تكوين وتوسيع المعبد الآرامي، تحت إشراف المهندس المعماري الشهير "أبولودوروس" الدمشقي، وحافظوا على قدر كبير من تصميمه الأصلي. وفي وسط الفناء أقيمت غرفة داخلية وبرج في كل من الزوايا الـ4 للفناء، وخُصص المعبد الروماني لعبادة ما يُسمى بـ"الإله جوبتير"، وفي عهد الإمبراطور الروماني سيبتيموس سيفيروس (193-211م) تم توسيع البوابة الشرقية لفناء المعبد، وفقًا لوكالة الأنباء السورية (سانا).
وفي مطلع القرن الرابع الميلادي، تم فصل المعبد عن المدينة بمجموعتين من الجدران امتدتا لمساحات واسعة، ولا تزال بقايا هذا المعبد، الذي يُعد أكبر معبد روماني في سوريا، موجودة حتى الآن غرب الجامع الأموي؛ حيث تظهر بقايا الأعمدة الرومانية ذات التيجان الكورنثية ومقدمة القوس الرئيسية في المعبد.
وفي عام 391 ميلادية، أقيمت في المنطقة الغربية الشمالية من مكان معبد "جوبتير" كنيسة "يوحنا المعمدان"، وتحول المعبد إلى كاتدرائية بأمر من الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الأول (379-395م)، ويقال إن رأس النبي يحيى، أو يوحنا المعمدان، مدفونة هناك.
وعقب فتح المسلمين لدمشق في عصر الخلافة الراشدة عام 634م، ثم قيام الدولة الأموية عام 662م، قسّمت كاتدرائية "يوحنا المعمدان" إلى قسم شرقي خُصص للمسلمين وقسم غربي خُصص للمسيحيين، وقد بُني في القسم الشرقي المخصص للمسلمين في جزئه الجنوبي الشرقي غرفة صلاة، صلى فيها الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وكان يدخل إليها من الباب القبلي الروماني. وشهد الموقع الصلاتين الإسلامية والمسيحية كرمز للسلام والتعايش السلمي وحرية العقيدة.
وعندما تولى الوليد بن عبد الملك، سادس خلفاء بني أمية، الخلافة عام 705م، أمر ببناء "الجامع الأموي الكبير" بدمشق في موقع الكاتدرائية البيزنطية مقابل منح المسيحيين كنيسة "حنانيا"، وتم إجراء تغييرات بسيطة في شكل البنيان والجدران الخارجية والأبواب، واكتمل البناء عام 715م، وفقًا للمؤرخ السوري.
وتشرف على صحن الجامع الأموي 3 مآذن، هي: مئذنة قايتباي، ومئذنة عيسى، ومئذنة العروس، وللجامع 4 أبواب، 3 منها تنفتح على صحن الجامع وهي الشرقي والغربي والشمالي، أما الباب الرابع وهو الباب القبلي فينفتح على حرم الجامع، كما يشتمل الصحن على 3 قباب.
واستطاع الجامع أن يبقى صامدًا وشامخًا على مر العصور التي تعاقبت على دمشق، رغم تعرضه لسلسة من النكبات والزلازل والحرائق، فما زالت جدران الجامع الخارجية تحتفظ ببقايا زخارف وكتابات رومانية، ومن تحت أحجارها، ظهرت آثار آرامية، وتوجد أيضًا بقايا بيزنطية من خلال تيجان الأعمدة المستخدمة وبعض الأعمدة المنتشرة أمام أبواب الجامع، أما البصمة الأموية فهي الأوضح والأكثر استمرارًا، من خلال مخطط الجامع وبقاياه الأصلية، كالفسيفساء والزخارف والنوافذ.
وفي عهد الاحتلال الفرنسي، تم ترميم الجامع الأموي، وكذلك في ظل الجمهورية السورية الأولى عام 1963. وشهد الجامع أكبر عملية ترميم في العقود الأخيرة، حيث رممت مئذنة قايتباي والواجهة الغربية والجدار الشمالي وأعيد تبليط المدخل الغربي للجامع واستبدلت القواعد الحجرية التالفة للأعمدة، وأعيد إنشاء وتركيب قبة داخل صحن الجامع وانتهت أعمال الترميم عام 1994، ليبقي أثرًا خالدًا وفريدًا على مر العصور، وما زال الجامع صامدًا رغم 5 سنوات من الصراع في سوريا.
aXA6IDMuMTM1LjIwMi4zOCA= جزيرة ام اند امز