دليل "بوابة العين" إلى أبرز عناوين معرض بيروت للكتاب
إصدارات الأدب والفكر والترجمة تتقدم على الدين والسياسة
نقدم للقارئ أبرز العناوين الجديدة في الأدب والفكر والسيرة والتاريخ والعلوم الإنسانية، التي حرصت أهم دور النشر اللبنانية .
تعمد معظم دور النشر اللبنانية إلى توقيت إصداراتها الجديدة بالتزامن مع انطلاق معرض بيروت للكتاب، هذا التقليد يمنح المعرض معنى "الموعد المنتظر"، فمعه يبتدئ الموسم الجديد للكتب، المؤلفون بدورهم يضربون موعدًا لتسليم مخطوطاتهم في الوقت المناسب كي تخرج مؤلفاتهم في زمن المعرض، الذي يتحول إلى مهرجان احتفالي بالكتب الجديدة، بقدر ما يكون أيضًا اختبارًا لنجاح الناشر أو فشله في انتقاء عناوينه المتوائمة مع مزاج "السوق".
التنافس بين الناشرين هنا ليس فقط في البيع، بل في كسب سمة "الطليعية": من هي الدار التي استقطبت الروايات الأكثر ترشيحًا للجوائز والانتشار؟
من هي الدار التي انتقت أفضل الترجمات؟ من هي الدار التي طرحت الكتب المثيرة للجدل؟
من هي الدار التي غامرت بشعراء جدد أو روائيين جدد أو مفكرين جدد؟
من هي الدار التي طورت الكتاب جماليًّا وتصميمًا وإخراجًا وطباعة؟
هذه الأسئلة الضمنية هي التي تحرك التنافس، بقدر ما تحقق الشهرة أو الاهتمام، وتجذب القراء كما وكلاء المكتبات والتوزيع.
لكن ما يهمنا هنا، بأكبر قدر من الموضوعية، هو تأليف دليل أولي للقارئ، أن نضع أمامه اختياراتنا لبعض أبرز العناوين الجديدة في الأدب والفكر والسيرة والتاريخ والعلوم الإنسانية، التي حرصت أهم دور النشر اللبنانية على توفيرها هذا العام، وارتضينا أن نشرك الدور نفسها في هذا الدليل.
"الساقي": عودة إلى معطف غوغول
"دار الساقي"، كعادتها، حرصت على تنويع إصداراتها، مع استمرارية امتيازها في توفير كتب جريئة تتناول "الإسلام السياسي". هذا العام كانت المفاجأة في التفاتتها إلى الأدب العالمي الكلاسيكي؛ إذ أصدرت ترجمة حديثة لـ"الأمسيات في قرية قرب ديكانكا" لميخائيل غوغول (1809-1852)، أحد أعظم الكتّاب الروس وأشهرهم، ويُعدّ أب الأدب النثري الروسي، فمكانته بالنسبة للأدباء الروس هي تمامًا حسب عبارة مكسيم غوركي الشهيرة: "كلنا خرجنا من معطف غوغول".
تروي "الأمسيات" قصة شيطان يسرق القمر ليمنع زواج الحداد ليفكو من حبيبته أكسانا، يسود الهرج والمرج في السوق جرّاء الهلع الذي أحدثته "السترة الحمراء".. يختبئ أعيان القرية في أكياس الفحم في كوخ سولوخا الساحرة. هكذا، في قالب من الكوميديا السوداء، يصوّر غوغول حياة القرويين البسطاء في الريف الأوكراني، من خلال الحكايات التي يرويها مربّي النحل بانكو وضيوفه.
يذكر أن "الأمسيات" تم تحويلها إلى فيلم سينمائي، ومسلسل تلفزيوني، وعروض مسرحية ما زالت تُعرض حتى اليوم، وألهمت كبار الفنانين والموسيقيين الروس، ويقول الروائي العظيم دوستويفسكي عنها: "ضحك غوغول وأضحكنا طول حياته، وأطلنا الضحك حتى بدأنا نبكي في النهاية".
باتت "دار الساقي" الناشر الدائم للشاعر والروائي عباس بيضون، فأصدرت له هذا العام رواية "خريف البراءة". تحكي الرواية عن "مسعود" الذي يقتل زوجته ويهرب إلى سوريا حيث يلتحق بجماعة إسلامية، يكبر ابنه غسّان في كنف خاله جواد يتيمًا وحاملًا وزر جريمة أبيه وسمعة أمه، يعود مسعود بعد 18 سنة ويبدأ حملته في ترويع أهل البلدة والقضاء على كل من يعارضه، يقرّر غسّان اغتيال أبيه ثأرًا لمقتل صديقه، لكنّ الأمور جرت في منحى آخر.
وتعود الروائية اللبنانية إيمان حميدان في رواية جديدة لها بعنوان "خمسون ڠرامًا من الجنّة"، حكاية عشق بطلاها نورا وكمال، ومسرحها إسطنبول ودمشق وبيروت، ظلت مطمورة تحت الركام، كما تصدر الرواية الأولى للكاتبة زينب شرف الدين "قبل صلاة الفجر".
عن الدار نفسها "الإسلام والجمهورية والعالم"، هو الكتاب الجديد للكاتب الفرنسي آلان غريش الذي خصصت له إدارة المعرض ندوة نقاشية: هل الإسلام متوافق مع الديموقراطية؟ هل بمقدور المسلمين الاندماج في المجتمعات الأوروبية؟ استحوذ الخوف من الإسلام على قادة البلدان المتطوّرة، وانضمّ إليهم بعض المثقّفين الحريصين على الدفاع عن قيم "العالم المتحضّر" ضدّ قيم "البرابرة". يشتدّ هذا القلق من "التهديد"، الذي قد تُمثّله الطبقات الجديدة الخطرة والمهاجرون المتحدّرون من البلدان المستعمَرة سابقًا، وبخاصّة من المغرب العربي.. ويُفكّك ألان غريش هاجس هذا "التهديد" الإسلامي، الداخلي والخارجي معًا، انطلاقًا من رؤية علمانية وعقلانية للمسلمين في تنوّعهم التاريخي والجغرافي، طارحًا على الغرب التحدي العميق لمعنى "العيش معًا".
وفي السياق ذاته، يأتي كتاب "الإسلام والعلمانية" لأوليفييه روا، الكاتب والباحث الفرنسي المتخصّص في الشؤون الإسلامية ، الذي يطرح المسائل الأساسية المتعلّقة بتلاؤم الإسلام مع الدنيوية الغربية، فإسلام اليوم هو الذي يقارن نفسه بالعلمانية داخلًا معها في اختبار قوة، حتى الأصولية استوعبت في العمق الفضاء الديني للغرب، وينبغي النظر إلى خطابها في الإطار نفسه الذي نضع فيه خطاب الأصوليين المسيحيين أو اليهود.
يتركز النقاش حول العلمانية على الإسلام، مُفسِحًا المجال أمام معركة كلامية بالغة العنف، تتعدى نقاش الأفكار وتستعيد النزاعات.
على عكس الأفكار المسلَّم بها، يُظهر هذا الكتاب أن المشكلة ليست في الإسلام بقدر ما هي في الأشكال المعاصرة لعودة الديني، إن الإسلام المعاصر والمغرَّب، منظورًا إليه من هذه الزاوية، يمكنه أن يصبح مفهومًا في النهاية.
في "الساقي" أيضًا، ترجمة لرواية "آحاد أغسطس" لباتريك موديانو الذي حاز جائزة "نوبل عام 2014.
"دار رياض الريس": انتهت كتب الثورات العربية!
في كل عام، يظهر إصرار هذه الدار على لفت الانتباه بعناوينها، وبقدرتها على التنويع والتجديد بأسماء مؤلفيها، وهي غالبًا ما تواكب التحولات الثقافية، فتلاحقها وتتساوق معها في كتبها، هذا العام، تغامر الدار بروائية لبنانية جديدة هي جنى نصرالله وروايتها "النوم الأبيض".
وتطرح كتاب الديبلوماسي والمثقف اللبناني طارق متري "مسالك وعرة" الذي يروي فيه تجربته كممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، بعد ثورة 2011 (سنخصص قراءة مستفيضة له). وفي المذكرات أيضًا، يأتي كتاب "امرأة من فلسطين – متاهة حروب وجبهات" لريم رفعت النمر، الزوجة الثانية لقائد "جبهة التحرير الفلسطينية" الموالية لعراق صدام حسين، كتاب صادم بجرأته وبكشفه لأسرار لم تُسرد من قبل، كذلك يأتي كتاب فواز طرابلسي الذي يقدم شهادة شخصية عن "جنوب اليمن في حكم اليسار".
ومن المعروف تأثير هذا المفكر اليساري على القيادة الاشتراكية التي حكمت اليمن الجنوبي.
في "دار رياض الريس" أيضًا مواكبة للحراك المدني الاحتجاجي الذي حدث في لبنان في الأشهر الأخيرة، مع كتاب أحد الناشطين فيه حسان الزين "وما أدراك ما الحراك". أما الجانب الأدبي فظهر في طباعة المجموعة القصصية البارعة لمازن معروف "نكات للمسلحين"، وفي المجموعة الشعرية الجديدة لكاتب هذه السطور "في فم الغراب".
"دار الجمل": تشارلز بوكوفسكي يطغى
على الرغم من أن "دار الجمل" ما زالت شديدة الاهتمام بطبع التراث المكتوم، وتحقيق المخطوطات التراثية الإسلامية المهمة، فهي باتت إحدى أكثر الدور النشطة في إصدار الروايات العالمية الحديثة، بترجمات عربية متفاوتة النجاح والدقة، هي دار "تغامر" وتستكشف، ومن ثمار هذا النشاط، إصدارها أول ترجمة عربية لتحفة روائية بولندية هي "فيرديدوركه" للكاتب فيتولد غومبروفيتش، ونقلتها إلى العربية أجنيشكا بيوترفسكا (مراجعة: هاتف الجنابي).
رواية أساسية ومؤثرة، وتبدو اليوم كجوهرة الثقافة الرائعة التي بزغت في الفترة ما بين الحربين العالميتين، تيار السخرية والليبرالية والابتكار الذي وصل ذروته بنهاية الثلاثينات، عشية الكارثة التي حلت بأوروبا.
لكن تركيز "دار الجمل" الواضح هو إصدارها لقسم كبير من أعمال الشاعر والروائي الأمريكي تشارلز بوكوفسكي، الأعمال هي "نساء" (ترجمة شارل شهوان)، "أدب رخيص" (ترجمة إيمان حرزالله)، "جنوب بلا شمال" (ترجمة أماني لازار)، "أجمل نساء المدينة" و"مكتب البريد" (ترجمة ريم غنايم). إنه بوكوفسكي، الذي كَرِه الحياة واحتقر النساء. كتب الكثير من الشعر واعتبر نفسه شاعرًا في المقام الأول، لكن رواياته الست وقصصه القصيرة هي التي أشهرته في العقدين الأخيرين من عمره وجعلت منه أسطورة، أسطورة الكهل العربيد الماجن الغاضب، المتفلت من قيود المجتمع، الرافض لنفاقه.
"دار المدى": محاولة تجديد
حين ظهرت "دار المدى" (بغداد – دمشق – بيروت) كانت مشروعًا بالغ الطموح، أن تكون هي في المرتبة الأولى، واندفعت في مشاريع نشر عملاقة، أشهرها إصدار كل كتب المؤلفين الذين نالوا جائزة نوبل، عدا عن احتضانها لأكبر عدد من الشعراء والروائيين العراقيين والسوريين، لم تتردد في طبع كل شيء تقريبًا، لكن بعد الحرب الأهلية في العراق، وخروج الدار من سوريا أيضًا، أُصيبت كسائر مؤسسات الثقافة في هذين البلدين بعدوى الفوضى وجروح الحرب والخسائر وسوء الإدارة... إلخ. خبا وهجها، وتراجعت مكانتها، لكن يبدو اليوم، أنها تحاول الخروج من كبوتها مع محاولتها لترشيد اختياراتها كتبًا وكتّابًا، صحيح أن العناوين الجديدة قليلة لكنها "نوعية": منها، "تعال قل لي كيف تعيش" (مذكرات أغاثا كريستي في سوريا والعراق)، "مذكرات تيري إيغلتن" (ترجمة أسامة منزلجي)، "حلم غاية ما" لكولن ويلسون (ترجمة لطيفة الدليمي)، "ذئبة الحب والكتب" رواية لمحسن الرملي، وكتاب سوزان سونتاغ "كما يسخر الوعي للجسد (يوميات 1964 – 1980).
"دار الآداب" بلا مفاجآت
هذا العام تبدو "دار الآداب" مصابة بشيء من الخفوت، على الرغم من ديمومة تقاليدها في إصدار الروايات العربية العديدة، هي الدار التي تجتمع فيها كتابات المغرب وبلاد النيل ودول الخليج والمشرق، لكن منافسة الدور الصاعدة سلبت منها أبرز الأسماء، خصوصًا وأن حاجة الكتّاب المصريين لها تراجعت كثيرًا مع ازدهار دور النشر المصرية الخاصة، وهذا العام تقدم "الآداب" رواية إلياس خوري "أولاد الغيتو، اسمي آدم": لا تعرف منال معنى كلمة غيتو، أو من أين أتت. كل ما تعرفه أن سكان اللد سمعوا الكلمة من الجنود الإسرائيليين، فاعتقدوا أن كلمة "غيتو" تعني حيّ العرب.. "يعني إحنا صرنا يهود؟" تسأل منال بسذاجة..
تستأنس "دار الآداب" باستكمال ترجمة روايات التركية إليف شافاك، والحبيب السالمي وواسيني الأعرج وسحر خليفة، وتعيد إصدار مجمل روايات هدى بركات.
"الجديد" تُبعث حية
مقابل هذا الخفوت النسبي لـ"دار الآداب"، انبعثت "دار الجديد" من مواتها، محاولة العودة إلى الواجهة مع اختيارها البارع لترجمة رواية كمال داوود "معارضة الغريب"، رواية مضادة لغريب ألبير كامو، اشتهرت في فرنسا وترجمت إلى لغات عدة، وتقدم أيضًا رواية جزائرية لميلود يبرير "جنوب الملح" التي حظيت باهتمام نقدي، كذلك عمدت إلى نشر كتاب مثير للجدل هو "سيرة أمير مبعد" لمولاي هشام العلوي، وتتبنى الدار نشر ديوان فادي العبدالله "أشاطرك الألم برهة والود طويلًا".
"دار التنوير" النوعي قبل الكمي
حسن ياغي ناشر لبناني، من المعروف أنه مثقف أولًا، ينتقي بعناية بالغة عناوينه، منذ سنوات قليلة استقل عن دار "المركز الثقافي العربي" مصممًا على إحياء "دار التنوير" التي كانت إحدى أفضل دور النشر العربية في الثمانينات، أصدر القليل من العناوين، لكنها حصدت أبرز الجوائز، جائزة البوكر عن رواية "الطلياني" لشكري المبخوت (2015)، جائزة أفضل رواية بمعرض الشارقة لـ"جبل الزمرد" لمنصورة عز الدين (2014)، بالإضافة إلى جوائز عديدة أخرى، اهتمام الدار واضح أيضًا في نشر أفضل الكتب الفكرية، منها كتاب كارل بوبر المرجعي "المجتمع المفتوح وأعداؤه" وكتاب إيزايا برلين الممتاز "الحرية"، الدار اليوم هي قبلة القراء النوعيين، وامتياز الكتَّاب المحظوظين، وهي بتمركزها في بيروت والقاهرة تتبوأ اليوم مشهد التجديد في النشر العربي.
aXA6IDMuMTQwLjE5OC4yMDEg جزيرة ام اند امز