"مولاي إني ببابك".. إمام المداحين الشيخ سيد النقشبندي
رحلة طويلة استطاع خلالها الشيخ سيد النقشبندي ابن طنطا أن يجد نفسه بين هؤلاء.. ويلقب عن جدارة بـ"إمام المداحين".
لم يكن يتخيل وهو طفل صغير يترنم بينه وبين نفسه بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يستمع إلى المداحين أن يصل في يوم من الأيام إلى مكانه هؤلاء المداحين، بل إلى أن يتفوق على بعضهم ويتربع بعذوبة صوته في قلوب مستمعيه.
رحلة طويلة استطاع خلالها الشيخ سيد النقشبندي ابن طنطا أن يجد نفسه بين هؤلاء.. ويلقب عن جدارة بـ"إمام المداحين".
ولد النقشبندي في قرية دميرة، مركز طلخا، بمحافظة الدقهلية عام 1920 م، ثم انتقل وهو طفل بصحبه والدته إلى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج وهناك تربي تربية صوفيه أساسها الإيمان بالله وحب الرسول صلى الله عليه وسلم من منطلق الفطرة الصافية وحفظ القرآن الكريم والتفقه في الدين وهو في سن مبكرة من عمره فانطبع على حب الله وعلي الصفاء المحمدي النادر الذي جعله فردا في ذاته زاهدا فيما أيدي الناس بصدق ووفاء.
ما تيسر من سورة "مريم" بصوت النقشبندي:
بدأت شهرة الشيخ الجليل وعرفته الإذاعات الدينية والعربية خلال إحياءه الليلة الختامية لمولد الإمام الحسين، رضي الله عنه، وكانت بدعوة من صديقه الحميم الحاج سيد محمد محمد من القاهرة فلبي الشيخ النقشبندي الدعوة وأقام حفلا ترنم فيه بصوته وشدا بمدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بابتهالاته الدينية المميزة في ساحة سيد الشهداء وأدهش مستمعيه فذاع صيته وتناقلته الإذاعات عبر موجاتها.
سعت الشهرة إلى النقشبندي ففي عام 1967 بدأت الإذاعة في عمل برامج دينية منها: برنامج (الباحث عن الحقيقة - سليمان الفارسي) بالإضافة إلى الابتهالات الدينية بصوت الشيخ حتى أصبح صوته مظهرا من المظاهر الدينية خلال شهر رمضان والذي ارتبط في أذهاننا بصوتين بالغي الأداء الشيخ محمد رفعت (قيثارة السماء) لقراءة القرآن، والشيخ السيد النقشبندي في أدعيه الإفطار وتسابيح الفجر.
كان مدحه للرسول صلى الله عليه وسلم نبضا سماويا يغزو القلوب فتتفتح لمدحه كل القلوب.
كان يدعو الناس على بصيرة من ربه فتقبل الناس على مختلف مذاهبه هذا الحب الرباني الصافي فعاش الشيخ في حياتهم وفي كل أمورهم وصار صوته علامة بارزة في عصر ولقبه كبار الأدباء والكتاب في مصر بالصوت الخاشع والكروان الرباني وقيثارة السماء وإمام المداحين.
وصفه الدكتور مصطفي محمود في برنامجه التلفزيوني (العلم والإيمان) ذات مرة بأنه مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد، وعاش الشيخ عبدا فقيرا زاهدا عابدا محبا مخلصا كريما لم يترك من حطام الدنيا شيئا يذكر وتزوج بشريكة عمره وكانت على شاكلته كرما وصفاء وعطاء وإخلاصا وأنجب منها البنين والبنات ثم توفيت فتزوج من أخرى وأنجب منها أيضا.
مولاى إني ببابك – النقشبندي:
ترك الشيخ النقشبندي تراثا إسلاميا كبيرا وضخما من الابتهالات والأناشيد والموشحات الدينية وكان قارئا للقرآن الكريم بطريقة مختلفة عن بقية قراء عصره ووقته وإن كانت شهرته كمداح للرسول صلى الله عليه وسلم ومبتهل ديني هي الصفة التي اقترنت به. وقد ترك تراثا صوتيا مسجلا للإذاعة والتلفزيون فيما نسمعه ونراه، واشترك الشيخ في حفلات وابتهالات وأناشيد وتواشيح دينية في معظم الدول الإسلامية والعربية بدعوة من هذه الدول وحكامها فزار أبوظبي وسوريا والأردن وإيران والمغرب العربي والسعودية واليمن ودول الخليج العربي وإندونيسيا كما زار معظم الدول الإفريقية والأسيوية.
وفي الستينيات ذهب لأداء عمرة، وشدا بصوته بابتهالاته وأناشيده، وتصادف مرور مجموعة من المعتمرين الجزائريين المتعصبين فأوسعوا النقشبندي ضربا، ولولا دفاع مجموعة من المصريين عنه لكان في الأمور أشياء أخرى. وكان الرئيس السادات من المغرمين بصوت "النقشبندي"، وكان عندما يذهب إلى قريته في ميت أبو الكوم يبعث إلى النقشبندي لينشد له ابتهالاته في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النقشبندي أحد 5 مشايخ مقربين من السادات منهم الشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر. وقد حصل الشيخ سيد النقشبندي على العديد من الأوسمة والنياشين من عدد من الدول التي زارها، كما كرمه الرئيس السادات -بعد وفاته- عام 1979 فحصل على وسام الدولة من الدرجة الأولى، وأطلقت محافظة الغربية التي عاش فيها أغلب عمره اسمه على أكبر شوارعها في مدينة طنطا.
وحصل الشيخ النقشبندي العديد من الأوسمة والنياشين من مختلف الدول التي زارها فلم يكن تكريمه محليا فقط بل دوليا وإسلاميا، وفي ليلة القدر كرمه الرئيس السابق حسني مبارك بوسام الجمهورية من الدرجة الأولي عرفانا لما قدمه الشيخ من ابتهالات وتواشيح دينية تخدم الإسلام والمسلمين.
وقد كان الشيخ قمة في الأداء والتعبير حيث كان يبتهل إلى الله من أعماق قلبه ويمدح الرسول صلى الله عليه وسلم بأجود الألفاظ وأحسنها والمستقاة من الشعر العربي الذي كان يستمد معانيه من تعاليم الإسلام ومقرراته وكان من خلال مدحه يحرص على غرس القيم الدينية وحب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه الكرام.
وفي الرابع عشر من فبراير عام 1976 وعن 56 عاما توفي الشيخ السيد النقشبندي رحمه الله.
مجموعه من ابتهالات الشيخ النقشبندي: