سيطرة تنظيم «داعش» على مناطق واسعة من العراق وسورية تترنح ويرد على الضغوط التي باتت جدية عليه بتفجيرات انتحارية
تترنح سيطرة تنظيم «داعش» على مناطق واسعة من العراق وسورية ويرد على الضغوط التي باتت جدية عليه بتفجيرات انتحارية تشمل بلدة القاع اللبنانية ومطار اسطنبول وناحية تل أبيض في الشمال السوري إضافة، طبعاً، إلى ساحة نشاطه في العراق.
بيد أن البديل لاحتلال التنظيم الإرهابي للمدن والقرى لا يبشر بالخير على ما يبدو من إصرار «الحشد الشعبي» المستتر برداء القوات الرسمية العراقية، على الممارسات الطائفية التي سبق أن ارتكبها في الرمادي وبيجي وغيرهما على رغم كل التحذيرات عشية اقتحام الفلوجة. كما أن ملامح صراع عربي – كردي تبرز في كل تحرك يقوم به مسلحو حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي» (بي واي دي) في سورية.
يقول ذلك إن مستقبل العلاقات الشيعية - السنية في العراق والكردية – العربية في سورية، لن يخرج من دائرة الانتقام المتبادل ومحاولات الإفناء والإلغاء، على المدى المنظور. والأزمة الخانقة التي وجد السنّة العرب في المشرق نفسهم يعانون منها قبل اندلاع الثورات العربية، ستتكرس كحرب مذهبية وقومية على ساحات عديدة، ما دام علاج الأزمة محصوراً بالوسائل الأمنية المكلف تنفيذها الأعداء المحليون للعرب السنّة.
غني عن البيان أن اجهزة استخبارات من مشارق الارض ومغاربها تدس أيديها لدفع الأحداث نحو الاتجاهات التي تلائم مصالح مشغليها. بيد أن ذلك لا ينفي واقع الضائقة التي ألمّت بالسنّة العرب وجاءت «داعش» لتعكس واحداً من جوانبها مقدمة نفسها كردٍ سنّي على استباحة إيران وأنصارها وبرايات مذهبية صريحة، لمناطق تواجد ونفوذ لم تتخيل أنها قادرة قبل أعوام على مجرد الاقتراب منها، من جهة، وكتعبير عن انهيار منظومات السلطة والسيطرة السياسية والثقافية والاجتماعية التي سادت المشرق في العقود الماضية، من جهة ثانية.
التصدي لنموذج «داعش» بعينات من نوع «الحشد الشعبي» واستعراضات الجنرال الإيراني قاسم سليماني يؤكد أن المشكلة التي أفرزت «داعش» لن تعالج العلاج الملائم وستعود، حُكماً، إلى الظهور بمظاهر شتى. لا يعفي هذا المؤسسة الدينية من التقصير الشديد الذي اتسم به سلوكها منذ تفاقم آفة التكفير.
في العام 2014، رفض الأزهر في مصر تكفير عناصر التنظيم الإرهابي بذريعة أن «لا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه». أخذ كثر على الأزهر هذا الموقف «المهادن» مع «داعش». بداهة أن مواجهة التكفيريين لا تكون بتكفيرهم، غير أن ذلك لا ينبغي أن يعني ترك الساحة الدينية لتفسير مجتزأ وخارج من سياقاته التاريخية والاجتماعية يستغله منظرو التسلق إلى السلطة من خلال العنف الديني. وتجربة بعد تجربة، تظهر لدى هؤلاء ضحالة «الدين» مقابل تورم «السلطة». بكلمات ثانية، لم تجابه المؤسسة الدينية شبق الإسلام - الجهادي إلى السلطة بما يستحق من جدية وفضلت البقاء في منطقة رمادية ترفض المبادرة الشجاعة إلى إعادة نظر عميقة في الأدبيات التي يستغلها التكفيريون لبسط نفوذهم.
عليه، يظهر أن ثمة حلقتين مفرغتين: الأولى يشكلها الصراع الشيعي – السني على كافة مستوياته وآليات تجدده، والثانية تمثلها الرهبة السنّية من المس بما يعتبره جمهور من الفقهاء من الأمور المكرسة. فيبدو الإنسان العربي في هذه الحال شبيهاً بالأمير المحاصر الذي خاطبه المتنبي في بيته: وسوى الروم خلف ظهرك روم/ فعلى أي جانبيك تميلُ.
مع وضع كلمة «داعش» مكان الروم: وسوى «داعش» خلف ظهرك «داعش»...
المقال نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة