بالصيام يدرك الإنسان آدميته، وهذا الادراك هو الذى يقوم عليه فهم الحياة ومعنى التدين
ماهى الحكمة وراء نزول القرآن فى رمضان؟
سوف نجد إجابات كثيرة لدى شيوخنا الكبار ولكن شيخنا أمين الخولى رحمه الله كانت له إجابة جديدة ومختلفة، فهو ينبه إلى وجود صلة بين القرآن و بين شهر الصيام، بالصيام يدرك الإنسان آدميته، وهذا الادراك هو الذى يقوم عليه فهم الحياة ومعنى التدين، فالانسان مخلوق فيه قوة وليس مهيئا للاتيان بالمعجزات، ولذلك فرض الله الصيام لكى يتنبه الانسان إلى ضعفه وحدود قوته وإلى نعمة الطعام التى هى من أكبر نعم الله عليه، وبهذه النظرة الانسانية نزل القرآن ليهدى إلى الايمان وإلى الاسلام، على رسوله صلى الله عليه وسلم، وليست له معجزة من المعجزات التى جاء بها بعض الرسل من قبله فى أزمنة لم تكن الانسانية قد وصلت إلى درجة من النضج تجعلها تدرك بالعقل وبالتفكير دون حاجة إلى الخوارق، ولهذا جاء القرآن معجرة فى حد ذاته، فقد نزل بلغة العرب وهم أهل البلاغة والفصاحة وتحدى أن يأتى أهل البلاغة بسورة أو حتى بآية مثله، وبذلك أدرك العقلاء أن هذا كتاب أحكمت آياته لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. هو كتاب هداية لايسوق آياته إلا للعاقلين وللعالمين وللمتفكرين ولمن يفقهون، ويأمرهم بالنظر والتدبر والتعقل، ويحدد طاقة البشر أساسا للمسئولية فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد فهم القدماء ذلك فقالوا لو تعارضت آية مع دليل عقلى وجب فهم الآية فى ضوء الدليل العقلى.
يشير شيخنا أمين الخولى إلى أن القرآن والصيام كلاهما يخاطب بشرية الانسان، فشهر رمضان أنزل فيه القرآن فى رمضان أنه نزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا فى رمضان ثم أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فى الأرض مفرقا على مدى عشرين عاما، وبعض المفسرين قالوا إن شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن تعنى أن آية الصيام فى شهر رمضان أنزلت فى القرآن، وبعضهم قال إن شهر رمضان أنزل فيه القرآن بمعنى بدء نزول القرآن فى رمضان ولفظ القرآن يطلق على القرآن كله ويطلق على بعضه.
ولكن شيخنا أمين الخولى رأى أن فهم الآية يقود إلى أن النزول لىس فقط بمعنى الهبوط من السماء إلى الأرض، بدليل أن القرآن استعمل كلمة النزول بمعنى آخر ليس فيه انتقال ولا هبوط فى قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) وفى قوله (يابنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا) أما حين يقصد القرآن النزول بمعنى الهبوط المادى فإنه يذكر صراحة الانتقال من أين وإلى أين فى مثل قوله تعالى (أنزل من السماء ماء) و(أنزلنا من السماء ماء ثجاجا)، (وأنزل علينا مائدة من السماء). فنزول القرآن فى رمضان ليس شرطا أن يكون نزوله المادى نزل به جبريل عليه السلام ولكنه نزول بمعنى تقريب الشئ والهداية اليه.
فالقرآن نعمة وهداية فانزاله فى رمضان يمكن أن يكون بتقريبه إلى الناس وأنسهم به فى شهر رمضان وهو الشهر الذى يدرك فيه الصائم انسانيته يجدون فى القرآن تأكيدا لذلك ويجدون الهداية وتفسير الحياة والطريق إلى الحياة التى يرضى عنها الله، أما معنى قوله تعالى إن القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فإن معناها أن فيه فرقان بين عصر وعصر قبله، وكذلك رمضان فيه فرقان بين الطاعة والجحود، القرآن كتاب هداية والصيام فى رمضان رياضة خاصة وتدريب للجسد وللنفس، ولذلك نجد الناس فى رمضان يشعرون من الصوم بما يشعرون به فى نفوسهم عندما يتدبرون القرآن، ويجدون فى الصوم وفى القرآن هداية إلى فهم المنهج الصحيح لحياة المسلم.
المقال نقلاً عن صحيفة "الأهرام" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة