جولة الأمير محمد بن سلمان العربية تؤكد أن على العالم أن ينظر إلى السعودية باعتبارها دولة كبيرة ومركزا حضاريا وسياسيا لا يمكن تجاوزه.
من الضروري النظر لجولة الأمير محمد بن سلمان العربية، والتي شملت عدة دول عربية منها دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، على أنها جولة مهمة في توقيت بالغ الأهمية بالنسبة للأمير محمد بن سلمان وللسعودية، وفي ظل ما تتعرض له السعودية من مخططات تستهدف النيل من قرارها وسياساتها الراهنة، وهو ما يتطلب الحذر والدعم العربي الكامل والمساندة في التعامل مع المهددات التي تطول الشقيقة السعودية في الوقت الراهن، ولدول أخرى في الإقليم من خلال التدخلات الدولية الجارية، والتي تستهدف الحصول من الدول الكبيرة في الإقليم على تنازلات سياسية واقتصادية، والعمل على تحقيق مكاسب في إطار لعبة السياسات الإقليمية والدولية التي قد تعمل لصالح بعض القوى الدولية على حساب دول أخرى.
لتبقى الرسالة قائمة في ضرورة أن يدرك العالم الغربي أن الدول العربية -وفي القلب منها السعودية- ستظل مركزا كبيرا للعالم العربي والإسلامي والثقافي، وهو ما يجب أن تتفهم أبعاده دول الإقليم الأخرى، خاصة العابثة باستقرار الدول العربية، والساعية لهز استقرارها، وتريد النيل منها وتعمل على أن تبقى غير مستقرة أو آمنة.
أولاً: من الواضح أن هناك مخططاً دولياً كبيراً تجرى هندسته في الوقت الراهن يستهدف إعادة ترتيب الحسابات السياسية والاستراتيجية للدول الكبرى وحلفائها في المنطقة، وهو ما يشير إلى أن هذه الحسابات وتلك التقييمات إنما تخدم الإطار السياسي، والمصالح الكبرى لهذه الدول التي لا تزال تسعى لتهميش الحضور العربي العربي بل الوقوف أمام تصديه لمحاولة الاختراق أو الحيلولة وبناء مواقف حقيقية صلبة في مواجهة ما يستهدفه من مصالح على حساب الأمن القومي العربي، واستبداله بالأمن الشرق الأوسطي، وبالنظام البديل القائم على حسابات دقيقة لشرق أوسط مختلف يقوم على صناعة ركائز السلام الاقتصادي والتعاون الإقليمي بديلاً عن السلام السياسي، وإقرار تسوية عادلة لقضايا الإقليم سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية، ووقف إطلاق النار في سوريا وحلحلة المشكلة الليبية، والتوصل لحل حقيقي في اليمن يهمش التدخلات الإيرانية فيه، وفي الدول العربية سواء في سوريا والعراق أو لبنان وفي قطاع غزة، ومن ثم فإن التحرك العربي العربي المدروس، والذي يبدأ بالتنسيق السعودي الإماراتي المصري وعبر ترميم النظام الإقليمي العربي، والحرص على إحياء مؤسسات العمل العربي المشترك، ما يؤكد امتلاك العالم العربي ودوله المركزية الكبيرة قدرات حقيقية في مواجهة ما يخطط ويستهدف وضع سيناريوهات جديدة في الإقليم بأكمله، ومن ثم فإن تحرك السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر يقف حائلاً دون تحقيق تلك المخططات التي تطرح في دوائر خارجية تذكر بضرورة إتمام مقايضات سياسية في الإقليم، وأن على دول الإقليم دفع ثمن تحالفها السياسي والاستراتيجي، وهو مبدأ يرفع لواءه الرئيس الأمريكي وفريق كبير في إدارته، ويطبقه على جميع الحلفاء في أوروبا وفي آسيا بدليل الخلاف الكبير داخل حلف الناتو، والتأزم الجاري بين باريس وواشنطن على فكرة تنفيذ الجيش الأوروبي، وتوسيع مهام حلف الناتو، والعمل على تشكيل تحالفات وسيطة.
ثانياً: تعمل الولايات المتحدة على بناء وتشكيل حلف ناتو عربي أمريكي، وهو مقترح طرح منذ عدة أشهر، ومن المتوقع أن تبدأ سلسلة لقاءاته في مطلع العام المقبل مع بدء انعقاد الكونجرس الجديد لجلساته، وهو ما يشير إلى أننا سنكون أمام تطور إيجابي ومهم في إطار التحالفات العربية الأمريكية، والتي ترى أن بلداناً مثل السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر مهمة في إطار الاستراتيجية الأمريكية الراهنة، والمخطط لها ولهذا فإن التركيز على هذه الدول هو الذي يدفع بإقدام الرئيس الأمريكي ترامب على التأكيد على خصوصية العلاقات مع السعودية، ومساندته لها في إطار ما تتعرض له من مواجهات راهنة برغم أنها اتخذت إجراءات داخلية مقدرة بشأن ما تعرضت له السعودية من انتقادات حظيت بتجاوب دولي وتفاعل عربي لافت بصرف النظر عن بعض المواقف الدولية المترددة وغير المتفهمة لطبيعة ما يجرى من تعاملات رسمية، وتتعامل من منطق مباشر، دون انتظار لما ستسفر عنه الأمور، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية والرئيس الأمريكي ترامب سيقف حائط صد - وهو أمر طبيعي- في مواجهة الانتقادات التي توجه للسعودية من داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكي، ومنها الاستخبارات الأمريكية التي تناكف الرئيس الأمريكي العداء برغم أن لها سقطات دولية شهيرة بالنسبة لسلسة تقاريرها الخاطئة عن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، وعن تقارير القاعدة بشأن أحداث 11 سبتمبر، ومؤخراً بالنسبة لحالة الاختراق الروسي لانتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي أتت بالرئيس الأمريكي للبيت الأبيض.
ثالثاً: ستظل القيادات الصاعدة في الإقليم، والتي تملك رؤى وتصورات سياسية واستراتيجية مختلفة محل تجاذب ومتابعة من الدوائر الأمريكية تحديداً، والأوروبية على وجه الخصوص، خاصة أن ما يتابع سياسياً في وسائل الإعلام الخارجي يشير إلى متابعة دقيقة لما تخطط له هذه القيادات التي يمثلها الأمير محمد بن سلمان لتغيير الواقع الراهن، واستكشاف للمستقبل بدليل ما تم طرحه وصياغته للمستقبل المنظور، والذي يعد تغييراً دراماتيكياً لشكل ومضمون المنطقة بأسرها، حيث تتحدث هذه القيادات عن الغد برؤية غير نمطية، ومن خلال خطط مدروسة لسنوات ممتدة، وهو ما قد يدفع بعض القوى الإقليمية للتحفظ على ما يجري بل العمل على التشويش على ما يتم إنجازه، ولعل متابعة حقيقية لما تقوم به تركيا تشير إلى هذا، حيث تتنامى الأطماع التركية في الموارد العربية ومحاولة السيطرة علي مناطق التماس العربي، ولعل ما جرى من محاولة توظيف واستثمار ما جرى مع السعودية مؤخراً دليلاً على هذا التوجه المصلحي، والعمل على استثماره بصورة كبيرة، وفي ظل حالة أيضاً من الترقب وإعادة ترتيب الحسابات بالنسبة لإيران ومصالحها وطموحاتها في الخليج العربي، ومن ثم لا يمكن استبعاد الرؤية المصلحية والنفعية للقوى الإقليمية، والتي تجعل من الأطراف الإقليمية مثل تركيا وايران وإسرائيل في نفس القارب، وعلى نفس المستوى من التقديرات الانفرادية، والتي تأتي على حساب الأمن القومي العربي المستهدف إقليمياً ودولياً، ومن دول الإقليم ومن خارجه، وهو ما يجب التحسب لتداعياته في ظل المتغيرات الجديدة التي تحاول القيادات الصاعدة في المنطقة العمل عليه، وتنمية الحضور العربي الكبير في مواجهة ما يخطط خارجياً، ويستهدف المساس بالمعطيات العربية الراسخة.
رابعاً: تؤكد جولة الأمير محمد بن سلمان العربية، ومنها إلى قمة الـ20 في الارجنتين بأن على العالم أن ينظر إلى السعودية باعتبارها دولة كبيرة ومركزاً حضارياً وسياسياً وإسلامياً لا يمكن تجاوزه، ومن ثم فإن أي استقرار في أسواق النفط العالمي لن يتم في ظل أي احتمالات لعدم الاستقرار في السعودية، وفي ظل الهدف الرئيس للولايات المتحدة وللدول الكبرى في حفظ التوازن في أسعار النفط والموائمة بين العرض والطلب لتحقيق الاستقرار الدولي، ودعم اقتصاديات الدول الكبرى، ومن ثم فإن التعامل مع السعودية إنما يتم في ظل حسابات سياسية واقتصادية كبيرة، ولا يمكن تجاوزها بالفعل في الفترة المقبلة، بصرف النظر عن المحاولات اليائسة لتصدير أزمة للسعودية إيهام الرأي العام الدولي بأن الأوضاع في المنطقة عموماً، وفي السعودية على وجه الخصوص غير مستقرة، وتدعو للمراجعة برغم أن من يروج لهذه الرؤى يدرك جيداً أن الدول العربية الكبيرة في الإقليم تعمل أيضاً في اتجاه الحفاظ على الاستقرار في المنطقة بل السعي لإيجاد تسويات حقيقية في الملفات السورية والليبية واليمنية وأن الأطراف الإقليمية هي من تغذي من حدة المواجهة، وتسعى لمزيد من اشتعال المواقف داخل بعض الدول العربية باعتباره هدفاً حقيقياً، إما لتفكيك العالم العربي لكيانات هشة ضعيفة، وإما العمل على إقامة دول وكيانات جديدة يسهل التعامل معها، ولعل ما جرى بالنسبة للملف الكردي، وما جرى في شمال العراق، وفي الجنوب العربي وفي ليبيا وسوريا، ما يؤكد هذا التوجه الراهن، والذي ما زال موجوداً ومطروحاً في النطاق العربي بصورة لافتة ومباشرة.
خامساً: إن استقرار الخليج العربي استقرار للإقليم بأكمله باعتباره ركناً أساسياً من أركان النظام الإقليمي العربي - والتي تعتبر السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من ركائزه الحقيقية – أمر مطلوب وملح سياسياً واستراتيجياً، وبالتالي فإن إحياء دور مجلس التعاون الخليجي، وتنشيط التعاون العربي العربي عسكرياً واستراتيجياً يمكن أن يكون المنطلق الحقيقي لإعادة بناء القدرات العربية والوقوف في مواجهة ما يخطط للمنطقة، وما يرسم لها من سياسات وتدابير وسيناريوهات تحتاج إلى تنبيه ومتابعة عربية يقظة، ولعل هذا ما تدركه القيادات الصاعدة المبهرة في الإقليم، والتي تملك جميع المقومات لقيادة العالم العربي بإن إعادة توجيه موارده الاقتصادية للمصالح العربية بالأساس، مع العمل على تنمية المقدرات العربية في المجالات كافة، وهذا ما يجب أن يكون على رأس التحديات العربية.
إن البداية الحقيقية في تحديد المتطلبات العربية من العالم، وهذا العالم ليس الإدارة الأمريكية فقط التي تتعامل من منطق واضح قائم على النفقة والتكلفة والعائد، وهو ما يدفعنا أيضاً للتأكيد على ضرورة الانفتاح على دول كبرى في العالم مثل الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا إضافة لتصويب مسارات واتجاهات العلاقات العربية الأمريكية الراهنة، والمحتملة بما يحقق المصالح العربية أولاً وأخيراً، وهو ما يجب على الدول الكبرى أن تدركه أيضاً، خاصة أن المقومات والمعطيات العربية الكبيرة تدفع بنا كدول وقيادات شابة ومؤهلة تأهيلاً كبيراً لتحقيق ذلك، ولعل العالم ممثلاً في مجموعة الـ20، والتي ستحضر قمة الأرجنتين ستتعامل مع الأمير محمد بن سلمان من منطق أنه ممثل لدولة كبيرة ومستقرة وتؤدي دوراً جوهرياً في الإقليم بأكمله، وليس في الخليج العربي فقط، ولتبقى الرسالة قائمة في ضرورة أن يدرك العالم الغربي أن الدول العربية -وفي القلب منها السعودية- ستظل مركزاً كبيراً للعالم العربي والإسلامي والثقافي، وهو ما يجب أن تتفهم أبعاده دول الإقليم الأخرى، خاصة العابثة باستقرار الدول العربية، والساعية لهز استقرارها، وتريد النيل منها وتعمل على أن تبقى غير مستقرة أو آمنة.. حمى الله العالم العربي من المخططات الخارجية التي تستهدف استقراره، والسعي لإدخاله في دائرة من الفراغ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة