عقود تسوية الخلافات الزوجية في مصر.. عذاب المرأة بدون "صيغة تنفيذية"
الحرج من زوج شقيقتي دفعني إلى مكاتب التسوية، بعد أن سَمِعت أنهم سيساعدوني في العودة لزوجي، أو يجبرونه على أن ينفق علينا بموجب عقد ملزم.
قاطبة الجبين تقف أمام باب مكتب تسوية النزاعات الأسرية في زنانيري بمنطقة روض الفرج في شبرا بالقاهرة، تحمل طفلًا على يدها، في حين تحكم قبضة يدها الأخرى على بعض الأوراق، الحزن والأسى على وجهها يجعلانك تفقد قدرتك على الكلام، لكن وقوفها كتمثال أمام المكتب يثير فضولك لأسباب تلك الوقفة التي يبدو أنها لا تنتهي.
"أم إسلام" تبلغ من العمر 23 عامًا، تزوجت قبل 3 سنوات، وأنجبت طفلها قبل سنتين، بعد أن تركت منزل الزوجية بأشهر قليلة، عقب رفض زوجها الإنفاق عليها، متعللًا بضيق ذات اليد، رغم عمله بالمقاولات، لتواجه الحياة مع طفلها الصغير بكل متطلباته وحدها، دون معين.
وبصوت مهتز، تكتمه الدموع المتجمدة بعينيها، روت "أم إسلام" لـ"العين" قصتها، وأكدت أنها تعيش في منزل شقيقتها، التي يساعد زوجها في الإنفاق على ابنها "إسلام"، وقالت: "الحرج من زوج شقيقتي دفعني إلى اللجوء لمكاتب التسوية، بعد أن سَمِعت أنهم سيساعدوني على العودة لزوجي، أو يجبرونه على أن ينفق علينا، وسيكتبون معه عقدًا يلزمه بذلك".
وأضافت "توجهت إلى المكتب، ثم حضرت وحضر زوجي أكثر من مرة، ورفض إنهاء الخلافات والعودة للعيش معًا، رغم ترحيبي بذلك، للانتقال أنا وابني للعيش معه، والتخفيف عن زوج شقيقتي الذي ينفق علينا منذ سنتين، لكن زوجي رفض، وانتهينا إلى تحرير عقد يضمن إرساله مبلغًا شهريًّا للإنفاق عليَّ وعلى ابنه، وأعطاني مبلغًا من المال أمام موظفي المكتب، لكنه لم يلتزم للشهر الثالث على التوالي".
أم إسلام تابعت: "لجأت من جديد إلى مكتب التسوية، وطلبت منهم أن يستدعوا زوجي مجددًا ويطلبوا منه المبلغ المقرر للنفقة، لكنهم قالوا لي (مانقدرش نعمل لك حاجة)، فذهبت إلى محامي، أكد لي إن العقد لا يجبر الزوج على دفع مبلغ النفقة، وأن المحكمة لن تقدم لي شيئًا، وقال، إن العقد ناقص (في إشارة إلى الصيغة التنفيذية)، فعُدت من جديد إلى مكتب التسوية، ونقلت لهم ما قاله المحامي، لكنهم قالوا لي: إرفعي قضية".
ورغم نجاح مكاتب تسوية نزاعات الأسرة في إنهاء العديد من النزاعات وديًّا، والانتهاء إلى الصلح، لكن تستمر الأزمات فيما يتعلق بعقود التسوية، التي تُحرر داخل تلك المكاتب بين طرفي النزاع، على سبيل التأكيد على بنود الصلح، خصوصًا في الحالات التي تتعلق بتعاملات مادية، وإلزام الزوج بالإنفاق على زوجته وأبنائه، فما بين اعتبار مكتب التسوية هذا العقد والاتفاق بمثابة حكم قضائى، وبين اعتبارها البعض الآخر مجرد "ورقة" ليس لها محل في القانون، تواجه الزوجة في كثير من الحالات أزمة حقيقة، تتمثل في رفض الزوج تطبيق بنود العقد، ولا تجد في هذا الوقت سندًا قانونيًّا يجبر الزوج على الالتزام بالاتفاق المكتوب.
المحامية والناشطة الحقوقية مها أبو بكر، قالت، إن المشكلة الحقيقية تكمن في تنفيذ حكم النفقة وفقًا للعقد المتفق عليه؛ لأن كثيرًا من الحالات يرفض الزوج فيها سداد مبلغ النفقة، مما يضطر الزوجة في أغلب الحالات إلى اللجوء مرة أخرى إلى المحكمة، لإفراغ محتوى العقد فى حكم قضائي حتى يتسنى لها تنفيذه.
وأضافت أبو بكر أن المشكلة الأكبر تتلخص في عدم قدرة الزوجة على رفع دعوى بالحبس على الزوج الرافض دفع النفقة، بناء على عقد الاتفاق، وعللت ذلك بأن القاضى غالبًا يخبر الزوجة بأن عقد الاتفاق ليس حكمًا قضائيًّا نهائيًّا، مما لا يوجب معه حكم الحبس.
أبو بكر أكدت على ضرورة وجوب أن يكون عقد الاتفاق بمثابة حكم قضائي، ما يستلزم تذييله بالصيغة التنفيذية، بحيث يكون العقد واجب النفاذ، وتابعت: "للأسف، كل مشكلة في هذه النوعية من القضايا لا تتوقف عند حد كونها مشكلة فقط، لكن ينتُج عنها مشكلة أخرى في الغالب، مثل عدم القدرة على التنفيذ عن طريق بنك ناصر إلا بحكم قضائى، يطلبه البنك الذي لا يعترف بعقد الاتفاق، لذلك لا بد من أن يصرح المشرع بقوة عقد الاتفاق، واعتباره مماثلًا لحكم المحكمة حتى يكون لمكاتب التسوية التي تحرر تلك العقود دور فعال وحقيقي في مساندة الزوجة".
المحامي أسعد هيكل قال، إن المشكلة أحيانًا تكون في عدم تأهيل وزارة العدل للموظفين في تلك المكاتب، لتولي مثل هذه المهمة، مضيفًا أن أغلبهم يفتقد إلى الخبرة القانونية، موضحًا أن بعضهم يفتقد القدرة على تولي الأمور الدقيقة الخاصة بالأزمات الأسرية خلال كتابة عقود التسوية، ما يؤدي في النهاية إلى إهدار حق المرأة، رغم حيازتها عقد التسوية بالاتفاق المنصوص عليه بينها وبين الزوج.
هيكل أضاف أن وزارة العدل يتعين عليها البدء في تأهيل الخبير القانوني الموجود بمكتب التسوية، مشيرًا إلى أن القانون ينص على أنه "إذا تم الاتفاق بين الزوجين أمام مكتب التسوية، يتم تحرير محضر بالاتفاق، ويتم أخذ الصيغة التنفيذية عليه"، وموضحًا "الصيغة التنفيذية على العقد تمثل سندًا تنفيذيًا"، وفي كثير من الأحيان لا يعطي الخبير القانوني الصيغة التنفيذية للعقد، بما يجعله كأن لم يكن، ما يعني أن إسقاط الصيغة التنفيذية عن العقد خطأ موظف مكتب التسوية".
وقال: "إذا تمت صياغة محضر الصلح، وحصلت الزوجة على صيغة تنفيذية بشكل قانوني صحيح، تستطيع أن تتقدم به إلى قلم المحضرين للحجز على أموال الزوج، على سبيل ضمان تسديده النفقة المقررة لها، ويتم حبسه حال عدم التسديد لكن وفقًا لشروط، فالحبس يتطلب صدور حكم نهائي من المحكمة بدفع الزوج للنفقة"، مشددًا على أن بقاء الزوجة على ذمَّة زوجها لا يمنع تقاضيها النفقة بأي شكل من الأشكال.