الخميني انطلق في مشروعه السياسي المعارض من باريس، فهل سيعيد التاريخ نفسه، ونرى زعيما سياسيا جديدا؟
في المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية الذي عقد مطلع الأسبوع الجاري في العاصمة الفرنسية باريس، ردد الإيرانيون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".
المؤتمر لهذا العام عُقد تحت شعار "الحرية لإيرانFree Iran"، وهي عبارة مرتبطة بشكل كبير بالصيحات التي طالبت بإسقاط نظام ولاية الفقيه في إيران، والذي تأسس عام 1979 على يد الخميني بعد اختطاف الثورة الشعبية التي شارك فيها معظم شرائح المجتمع الإيراني ومكوناته الدينية والعرقية، ولكن تبخرت أحلامهم سريعا بعد أن سيطر الملالي على الحكم، وتم تهميش معظم شرائح المجتمع، وتحويل البلاد إلى دولة ثيوقراطية كهنوتية تركز بشكل أساسي على الطائفية وتصدير الإرهاب.
جاء مؤتمر المعارضة الإيرانية في توقيت هام للغاية للشعب الإيراني والمنطقة على حد سواء. فعلى الصعيد المحلي، ارتفعت وتيرة تذمر الشعب الإيراني من السياسات المتبعة من النظام الحاكم، وبخاصة وصول الشعب الإيراني إلى قناعة تتمثل في أن الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 لن يغير من الواقع المعيشي للمجتمع شيئا، وأن أحلامهم بتحسن أوضاعهم الاقتصادية، وتراجع نسب التضخم في الأسعار، وتراجع معدلات الفقر والبطالة، قد تبخرت تماما.
هذا التذمر الشعبي برز مؤخرا في مسيرات ما يسمى "يوم القدس"، إذ ردد متظاهرون في مدينة أصفهان وسط إيران شعارات "اتركوا سورية وفكروا بنا"، وهذا الشعار يعيد إلى الأذهان شعارات مماثلة رددها الشعب الإيراني، بعد تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2009، وفوز أحمدي نجاد بدورة ثانية على حساب مير حسين موسوي، عندما قالوا "لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران".
علاوة على ذلك، شهدت محافظات الشعوب غير الفارسية حراكا نوعيا، تمثل في اشتباكات مسلحة وعمليات نوعية تستهدف الحرس الثوري الإيراني، في بلوشستان وكردستان وعربستان "الأحواز"، إضافة إلى تبني جماعة أحوازية تطلق على نفسها مسمى "صقور الأحواز" عملية استهدفت مصنعا للبتروكيماويات في مدينة معشور "ماهشهر" في الأحواز.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، تشهد المنطقة تصعيدا إيرانيا خطيرا، وتدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للدول العربية، علاوة على استمرارها في دعم الإرهاب، وإشعال الطائفية في المنطقة.
أيضا، تتحدث التقارير الغربية عن خروقات إيرانية للاتفاق النووي، واستمرار طهران في محاولاتها الحصول على تقنيات يمكن استخدامها في إنتاج السلاح النووي، فقد كشفت الاستخبارات الألمانية عن محاولات إيران حيازة مواد محظورة، وصرح المكتب الفيدرالي الألماني لحماية الدستور، بأنه اكتشف عدة محاولات إيرانية للحصول على مواد محظورة من ألمانيا، لا سيما تلك التي يمكن استخدامها في مجال التقنية النووية.
إن مثل هذه المحاولات الإيرانية، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن النظام الإيراني ماض في محاولاته للحصول على السلاح النووي، متجاهلا بذلك الاتفاق النووي الذي تم توقيعه قبل نحو عام، ولعل تقرير الاستخبارات الألمانية يقود مجموعة 5+1، إلى اتخاذ خطوات صارمة، لضمان تطبيق إيران الاتفاق، وردعها في حالة استمرار محاولاتها خرق الاتفاق.
علاوة على ذلك، أصبحت إيران تعترف صراحة بتدخلاتها السافرة في العراق وسورية، ويطلق المسؤولون هناك تصريحات تستهدف البحرين واستقلال أراضيها، إلى جانب استمرار طهران في محاولاتها إيصال الدعم العسكري والمالي إلى الانقلابيين في اليمن.
لم يكن مؤتمر مجلس المقاومة الإيرانية هذا العام الأول، بل سبقه العديد من المؤتمرات التي تقام سنويا، ولكنه كان الأكثر تميزا لهذا العام، بسبب الحضور المكثف ونوعية المشاركين، سواء من حيث المتحدثين أو المدعوين من عدة دول عربية وغربية، وقوة الرسالة التي بعث بها المؤتمر المتمثلة في أن الشعب الإيراني يحث الخطى لإسقاط النظام، والعمل على إيران مستقبلية، تتمتع بعلاقات حسنة مع دول الجوار، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإعادة دمج إيران في النظام العالمي، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على المواطن الإيراني في المقام الأول، وصورة إيران في محيطها الجغرافي والعالم، الأمر الذي يستحيل تحققه في ظل النظام القائم في طهران، إلا إذا تخلت طهران عن مشاريعها السياسية التي تستهدف دول المنطقة ووحدة أراضيها، وأوقفت دعم فرق الموت ومحاولات الهيمنة على المنطقة عبر الميليشيات، ودعم الإرهاب والطائفية.
خلاصة القول، إن كان الخميني قد انطلق في مشروعه السياسي المعارض للنظام البهلوي من العاصمة الفرنسية باريس، فها نحن نشهد اليوم، وبعد مرور قرابة أربعة عقود، عودة الحراك السياسي الإيراني في المهجر من المكان ذاته، فهل سيعيد التاريخ نفسه، ونرى زعيما سياسيا إيرانيا جديدا يصل إلى طهران على متن طائرة تابعة للخطوط الفرنسية؟.
لا شك أن القرار بيد الشعب الإيراني، والمعارضة في الداخل والخارج، ولكن ذلك يحتاج إلى تنسيق كبير بين أطياف المعارضة الإيرانية، وتجاوز الخلافات، والتفكير في مستقبل أفضل، يضمن لكل مكونات الشعب الإيراني حقوقه الدينية والمذهبية والعرقية، فهل يقول الإيرانيون "بيدي لا بيد عمرو"؟
نقلًا عن صحيفة الوطن أون لاين
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة