انفجرت الأوضاع في جنوب السودان بسرعة كبيرة، وأصبحت عاصمة البلاد «المستقلة» حديثاً ساحة حرب.
انفجرت الأوضاع في جنوب السودان بسرعة كبيرة، وأصبحت عاصمة البلاد «المستقلة» حديثاً ساحة حرب، تضم مختلف أنواع الأسلحة من البنادق إلى الدبابات والمروحيات، ما أسدل أجواء مرعبة على جوبا التي توهمت لفترة أنها استعادت أنفاسها، بعد توقيع اتفاق للسلام وعودة زعيم المتمردين، ريك مشار، ليتسلم وظيفة نائب لخصمه اللدود الرئيس، سلفا كير.
في ساعات قليلة سقط ضحايا كثيرون، تقدرهم بعض الجهات بالمئات مضافاً إليهم الآلاف حزموا أمتعتهم هرباً من القتال العنيف، وغير المسبوق في تلك المدينة الفقيرة. وعملياً أحرق هذا القتال الشرس وثائق اتفاق السلام، التي وقعت قبل أقل من عام في أديس أبابا، والتي قضت بأن يتقاسم زعيما الحرب الأهلية، السلطة، ويعودا للعمل معاً، مثلما كان وضعهما بعد الانفصال عن السودان عام 2011. ومن سوء الصدف أن يتزامن تجدد القتال مع الذكرى الخامسة للانفصال، فقد عاد معسكرا سلفا كير وريك مشار إلى لغة السلاح، كاشفيْن بذلك أن اتفاق السلام المشار إليه، لم يكن بقناعة الطرفين أو أحدهما، وإنما فرضه ضغط دول الجوار الإفريقية والأمم المتحدة، ربما من أجل أن يعاود الخصمان اكتشاف بعضهما. ولكن يبدو أن الأسابيع القليلة التي قضاها الرئيس ونائبه في عاصمة واحدة، كانت كافية للاندفاع مجدداً إلى الحرب، بعدما انعدمت الثقة بين الطرفين. وللتذكير فإن ريك مشار، وبعد إرجاء متكرر عاد في إبريل/نيسان الماضي إلى جوبا مشترطاً أن تصحبه كتيبة مسلحة من قواته، خشية أن يتم الغدر به أو اعتقاله، إذا ما فكر سلفا كير في تفعيل بطاقة الجلب التي أصدرها قبل عامين، ضد قادة المتمردين، وعلى رأسهم مشار.
اندلاع معارك بهذه الضراوة في جنوب السودان أمر لا يفاجئ، فالبلد من أفقر دول الكرة الأرضية، وتعصف به حروب وانتهاكات ومجاعات وفساد وتدخلات إقليمية ودولية، وبسبب انعدام الموارد وتراكم الاستحقاقات، قد لا يجد الخصوم من شيء يفعلونه غير العودة إلى الحرب، ربما انتظاراً لوساطات دولية قد تلبي مساعيها تحسين شروط أحد الطرفين أو كليهما، إذا ما سارت الأمور باتجاه إعادة صياغة اتفاق السلام الحالي أو البحث في اتفاق جديد.
صحيح أن وساطة «إيجاد» برئاسة كينيا وإثيوبيا، نجحت شكلياً في مهمتها، وأمّنت مؤقتاً تعايشاً حذراً بين سلفا كير ومشار، لكن الاحتقان ظل كامناً لدى الرجلين ومعسكريهما.
وأسهمت التقارير، التي كشفت مؤخراً عن جرائم قتل على الهوية بين قبيلتي الدينكا (كير) والنوير (مشار)، وما صاحبها من أعمال اغتصاب وحشية واسترقاق للأطفال والنساء، وتدمير قرى بكاملها، في إثارة الأحقاد وتفجير الوضع، كما هي حاله اليوم. وإذا لم تسكت أصوات المعارك خلال أيام قليلة، فستكون هذه الجولة من القتال أخطر وأسوأ من سابقتها، التي ظلت خلالها جوبا مستقرة نسبياً، في حين دارت المعارك شمالاً في ولايتي أعالي النيل وجونقلي، فأخطر الحروب دائماً تلك التي تندلع في العواصم، وجوبا هذه الساعات ساحة مفتوحة على معركة، لا تبدو نهايتها قريبة، ومسارها مشوب بكثير من الدماء والجرائم والدمار، في بلد هو مدمر أصلاً، ولا يمتلك مقومات الحياة، ناهيك عن الحرب.
*- نقلاً عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة