قمع أردوغان للصحفيين في 2020.. "الأسطل" و "يوجيل" أبرزهم
تجاوزت ممارسات نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد الصحفيين في 2020 حدود بلاده، وبات يلاحق الباحثين عن الحقيقة بغض النظر عن جنسياتهم.
وتنوعت انتهاكات النظام التركي للصحفيين ما بين اعتقال وتضييق وحالات اختفاء قسرى وأحكام بالسجن ومصادرة ممتلكات طالت العشرات من جنسيات عدة.
فخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، اختطف النظام التركي الصحفي الفلسطيني أحمد الأسطل ولفق له تهمة التجسس، فيما صدر حكم بسجن الصحفي الألماني من أصل تركي دينيز يوجيل، وحكم آخر بسجن الكاتب التركي محمد بارانصو، لينضم إلى العشرات من الصحفيين الأتراك، الذي استهدفهم أردوغان على مدار العام.
ولم يكتف نظام أردوغان بملاحقة الصحفيين وسجنهم، بل أوكل إلى محاكمه مهام إصدار أحكام بمصادرة ممتلكاتهم، لترهيب الجميع وإحكام تكميم الأفواه.
وإزاء تلك الممارسات توالت الإدانات المحلية والدولية لنظام أردوغان على خلفية الانتهاكات المتواصلة لنظامه ضد الصحفيين وقمع حرية التعبير.
وقبل أيام جددت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان شكواها للأمم المتحدة، مطالبة السلطات التركية بالإفراج عن الصحفي الفلسطيني "الأسطل".
ومطلع الشهر الجاري أصدرت مؤسسة "ملتقى الحوار الحقوقية"، تقريراً أكد أن "حرية الرأي والتعبير في تركيا تعاني من تسلط النظام الحاكم الذي يعادى حرية الصحافة بشكل واضح، وينكل بالصحفيين حتى أصبحت تركيا في حكم أردوغان هي سجن الصحفيين الأول في العالم".
يأتي هذا بعد نحو شهر من إدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ممارسات أردوغان ضد 10 صحفيين أتراك.
الإدانة الأوروبية جاءت بعد أيام من صدور تقرير عن جمعية دراسات الصحافة التركية يرصد انتهاكات عديدة بحق الصحفيين بتركيا خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان أبرزها مثول 74 صحفيا تركيا أمام القضاء، ومطالبة الادعاء العام بأحكام بالسجن بحقهم تصل إلى 916 عاما.
واستبق ذلك صدور عدة تقارير من جهات مختلفة ترصد وتدين انتهاكات نظام أردوغان ضد الصحفيين، من بينها تقرير أعده مركز التوثيق التابع لمنظمة حقوق الإنسان والحريات في تركيا، رصد انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ارتكبها نظام أردوغان، خلال الأشهر الـ8 الأولى من العام الجاري.
ويستخدم أردوغان القضاء للتضييق على الصحفيين وملاحقتهم بتهم تدور معظمها إما حول إهانته، في محاولة لترهيب الإعلام من انتقاد سياساته التي تعاني منها البلاد، أو عبر تلفيق اتهامات للصحفيين بدعم الإرهاب والتجسس.
وتحتل تركيا المرتبة 154 من أصل 180 دولة، في مؤشر حرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود" الصادر أبريل/نيسان الماضي.
تقارير متتالية تركية ودولية كلها تدين نظام أردوغان وتكشف أن انتهاكاته ضد الصحفيين نهج ثابت وليست مجرد حالات فردي، ترصدها "العين الإخبارية" في التقرير التالي.
من الأسطل إلى يوجيل
يعد تلفيق تهمة التجسس، الهواية المفضلة لمخابرات أردوغان للصحفيين الأجانب.
فالصحفي الفلسطيني أحمد الأسطل، من غزة يبلغ 45 عامًا، يحمل وثائق سفر أردنية، اختطفته المخابرات التركية سبتمبر/ أيلول الماضي، قبل أن تكشف عن مصيره بعد نحو شهر من اعتقاله، زاعمة أنه اعتقل بتهم التجسس للإمارات.
قضية مفبركة لا تعرف عائلة الأسطل حتى اليوم هدف أنقرة منها، رغم إدراكها أن ما يحصل لابنها ليس بالأمر الغريب، فلقد سبق وأن احتجز نظام أردوغان العديد من الفلسطينيين وغيرهم من مواطني الدول الأخرى، لمآرب مختلفة.
وفي بيان أصدرته عقب الإعلان عن اختطاف ابنها، وصفت عائلة الأسطل قضية احتجازه بـ"المسرحية الماسخة"، مشيرة إلى أن السلطات التركية "أنكرت وجوده لديها في البداية، "وعندما تم التواصل معهم، بدأت السلطات بالكذب والمراوغة".
اعتقال الصحفي الذي قالت عائلته إنه مصاب بمرض السرطان في الغدة الدرقية وأجرى عملية استئصال ما يجعل استمرار حياته مرتبطا بالأدوية، فجر غضبا فلسطينيا وعربيا عبر مواقع التواصل، واستنكارا واسعا لممارسات تركيا ضد الفلسطينيين، وانتهاكها لحقوق الإنسان.
وقبل 3 أيام، جددت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، شكواها إلى الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة، لمطالبتهم بالتحرك الفوري والضغط على السلطات التركية من أجل الإفراج عن الأسطل المقيم في تركيا منذ 7 أعوام.
وطالب أيمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت السلطات التركية بضرورة الإفراج عن الأسطل وإسقاط التهم الموجه له، والتي لا أساس لها، وعلى عشرات الآلاف من السجناء المحتجزين على خلفية محاكمات جائرة ودون ضمانات إجرائية كافية.
تلفيق تهمة التجسس، سبق أيضا أن جرى مع الصحفي الألماني من أصل تركي دينيز يوجيل.
وفي 16 يوليو / تموز الماضي قضت محكمة تركية، بسجن يوجيل لمدة 3 سنوات غيابيا، بزعم نشره "دعاية" داعمة لجماعة كردية.
وكان يوجيل البالغ من العمر 46 عاما، والصحفي في صحيفة "دي فيلت" الألمانية قد سجن في تركيا سابقا لمدة عام قبل أن يطلق سراحه عام 2018، ما تسبب بتوتر العلاقة بين أنقرة وبرلين.
ويوجيل موجود حاليا في ألمانيا منذ إطلاق سراحه من سجنه في إسطنبول.
وبرأت محكمة إسطنبول يوجيل من تهمة "تحريض الناس على الكراهية والعدائية"، لكنها قضت بسجنه لمدة عامين و9 أشهر و22 يوما بتهمة "الدعاية لحزب العمال الكردستاني".
ودان يوجيل "الحكم غير القانوني" في تعليق نقلته عنه وكالة الأنباء الفرنسية، مشيرا إلى أنه سيستأنف الحكم.
وسبق أن وصف أردوغان الصحفي الألماني التركي بأنه "جاسوس إرهابي".
من جهته، وصف رئيس اتحاد الصحفيين الأتراك المعروف اختصارا بـ"تي جي إس"، جوكخان دورموش، الحكم الصادر بحق يوجيل بـ"غير المنصف"، لافتاً إلى أن "محاكمته لم تكن عادلة".
وقال دورموش، في تصريحات لـ"العربية.نت" في يوليو/تموز الماضي، إن "قضية يوجيل خير دليل على تخبط النظام القانوني في البلاد. فقد ألقي القبض على هذا الصحفي بذريعة أنه جاسوس وقضى عاماً في السجن ومن ثم قررت المحكمة استمرار احتجازه قبل أن تقر بإطلاق سراحه اليوم التالي في خطوة مفاجئة، وها هي تعود مجدداً لتحاكمه غيابيا بالسجن لعامين و9 أشهر".
سجن ومصادرة ممتلكات
وإلى جانب يوجيل، يواجه عشرات الصحفيين الأتراك الفارين خارج البلاد، أحكاما غيابية بالسجن لسنوات طويلة كالصحفي المعروف جان دوندار، رئيس تحرير صحيفة "جمهورييت" السابق، الذي يواجه عقوبة السجن مدى الحياة لنشره وثائق ومستندات تكشف عن دعم أنقرة لمقاتلين داخل الأراضي السورية.
وكان الصحفي دوندار ،أول من نشر مقطع فيديو بخصوص تفاصيل واقعة توقيف شاحنات تابعة لجهاز الاستخبارات محملة بالأسلحة والمعدات العسكرية مطلع العام 2014 قبل العبور إلى الأراضي السورية للجماعات الإرهابية هناك.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي أصدرت محكمة تركية قرارا بمصادرة جميع ممتلكات دوندار؛ لانتهاء المدة التي أمهلت له للمثول أمام القضاء؛ لوجوده خارج البلاد.
وفي الشهر التالي، وتحديدا في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت محكمة تركية، حكما بالسجن لمدة 17 عامًا وشهرا واحدا على الكاتب الصحفي محمد بارانصو، على خلفية قيامه قبل 10 أعوام بالكشف عن قضية الدولة العميقة التي كانت تخطط للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، لكن الأخير برّأ المتهمين كافة.
وكان محمد بارانصو، المعتقل منذ العام 2015، قد نشر عبر جريدة طرف المغلقة حاليًا، في العام 2010 وثائق تفضح مخطط انقلاب "المطرقة" على حكومة أردوغان، حينما كان رئيسًا للوزراء.
الوثائق المذكورة دفعت النيابة العامة لفتح تحقيقات أسفرت عن اعتقال عدد كبير من الضباط والجنرالات خططوا لإجراء انقلاب عسكري عام 2003، على أردوغان.
إلا أنه كان من المثير أنه تم الإفراج عن المدانين في قضية انقلاب المطرقة بعد واقعة فضائح الفساد والرشوة عام 2013، التي أغلق التحقيق فيها بأمر من أردوغان، الذي تحالف لاحقا مع أعدائه القدامى، وشنوا حملة لملاحقة من كشف القضية.
انتفاضة حقوقية عالمية
ما حدث للصحفيين الأربعة طال عشرات غيرهم على مدار عام 2020، الأمر الذي جعل المؤسسات الحقوقية تنتفض ضد ممارسات أردوغان عبر تقارير تدين تلك الانتهاكات.
وأحدث تلك التقارير أصدرته مؤسسة ملتقى الحوار، 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تحت عنوان "تركيا خلف الأسوار".
وجاء بالتقرير أن حرية الرأي والتعبير في تركيا تعاني من تسلط النظام الحاكم التركي الذي يعادى حرية الصحافة بشكل واضح، والتنكيل بالصحفيين حتى أصبحت تركيا في حكم أردوغان هي سجن الصحفيين الأول في العالم.
وأشار التقرير إلى أن حالات انتهاك حرية الرأي والتعبير في تركيا خلال العام 2020، قد ارتفعت وتصاعدت حالات احتجاز الصحفيين واعتقالهم وإصدار أحكام ضدهم، بالإضافة إلى حجب وحذف الآلاف من الأخبار والتقارير التي تناولت حكومة أردوغان وانتهاكات أعضائها بحق أبناء الشعب التركي.
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صدرت إدانة من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ضد تركيا لحبسها مؤقتا عام 2016 عشرة صحفيين معارضين من صحيفة "جمهورييت" لاشتباه أنقرة بـ"ترويجهم" لمنظمات تصنفها السلطات التركية "إرهابية".
الإدانة الأوروبية وجهت رسالة هامة وهي أن انتهاكات الرئيس التركي ضد الصحفيين لا تسقط بالتقادم.
واعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قرارها أن "الحبس المؤقت المفروض على مقدمي الشكوى في إطار إجراءات جنائية في حقهم يشكل تدخلا في ممارسة حقهم في حرية التعبير".
إدانات حقوقية تركية
ومن داخل تركيا، كشف تقرير أعده مركز التوثيق التابع لمنظمة حقوق الإنسان والحريات في تركيا، عن الفترة من مطلع يناير/كانون الثاني 2020 إلى 31 أغسطس/آب المنصرم، أن السلطات التركية احتجزت 38 صحفيًا وكاتبًا واحدًا، وأمرت المحكمة بسجن 17 صحفيا منهم، فيما أطلقت سراح 9 منهم تحت الرقابة القضائية.
وأظهر التقرير أن 24 شخصًا على الأقل واجهوا الاحتجاز بتهمة إهانة الرئيس التركي، بينما اعتقل ثلاثة منهم، في حين قررت السلطات فتح تحقيق مع شخص واحد بالتهمة نفسها.
يأتي هذا فيما كشف تقرير حقوقي صدر عن جمعية دراسات الصحافة عن مثول 74 صحفيا تركيا أمام القضاء خلال أكتوبر الماضي، فيما طالب الادعاء العام بأحكام بالسجن بحقهم تصل إلى 916 عاما.
وتعيش حرية الصحافة ووسائل الإعلام بتركيا أزمة كبيرة على خلفية ممارسة نظام أردوغان قيودًا كبيرة تصل لحد الإغلاق للصحف وسائل الإعلام لانتقادها الأوضاع المتردية التي تشهدها البلاد على كافة الأصعدة، ولا سيما الاقتصادية منها.
انتهاكات موسعة
وإضافة إلى محاكمة الصحفيين واعتقالهم، كشف تقرير أعده مركز "بيانيت" المستقل عن انتهاكات واسعة بحق وسائل الإعلام والصحفيين في تركيا خلال الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول الماضي.
وبين التقرير أن "81 صحفيا يواجهون أحكاما بالسجن المؤبد، ويتعرض 8 صحفيين لغرامات مالية تصل قيمتها إلى مليون و410 آلاف ليرة تركية كتعويضات وفقًا لقانون العقوبات التركي، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون جهاز الاستخبارات الوطنية، وقانون وكالة التنظيم والرقابة المصرفية، وقانون سوق رأس المال.
وأكد تقرير بيانيت أنه في الأشهر يوليو/تموز وأغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول 2020، تم استهداف 11 صحفيا، ونقابة صحفية واحدة، باعتداءات جسدية، وهجمات ضد مقر النقابة، واستهدفت الهجمات 9 صحفيين محليين.
ولفت إلى أنه في الفترة نفسها، واجه 8 صحفيين أحكاماً بالسجن تصل إلى 37 عاما و4 أشهر بتهمة "إهانة الرئيس"، بسبب آرائهم وانتقاداتهم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقالاتهم وكتاباتهم.
كما أصدر المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون، في الربع الثالث، من العام الجاري، 46 غرامة مالية، و15 تعليقا للبث، بحق قنوات تلفزيونية معارضة، وأصدر المجلس غرامات بما مجموعه، مليون و190 ألفا و620 ليرة تركية، على قنوات تلفزيونية.