خلال ما تبقى من عام ٢٠٢٠ فإن الصحافة والإعلام عامة، وربما أيضا قراء الكف والفنجان سوف ينشطون للتطلع بالأمل إلى ما سوف يأتي في العام القادم.
المؤكد أن أحدا لن يختلف على أن العام الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة لم يكن رحيما بالبشر من جراء أزمة "كورونا" وتوابعها الصحية والاقتصادية والاجتماعية. حيث بلغ إجمالي عدد حالات الإصابة حتى ٧ ديسمبر ٢٠٢٠ أكثر من ٦٧ مليون حالة، والوفيات أكثر من ١.٥٤ مليون حالة في ٢٢٠ دولة وكيانا سياسيا. والأزمة كانت "مركبة"، فهي صحية تهدد حياة الإنسان؛ وهي اقتصادية لأن جزءا من علاجها سحب الجماهير، أو بعضها من دوائر العمل والإنتاج، وفصلها عن بعضها البعض مع غلق وعزل مناطق ووسائل مواصلات؛ وهي اجتماعية لأنها أثرت سلبا على قطاعات واسعة من المواطنين انخفض دخلهم أو انعدم بالبطالة، كما أنها وضعت المواطنين أمام خيارات صعبة بعضها روحي يحقق نوعا من السلام الداخلي في الممارسات الدينية، وكثير منها مادي يتمثل في فقدان أعزاء وتدهور في مستويات المعيشة. والأزمة كانت غامضة، فمايزال علماء الكون يبحثون في كنه الفيروس الغامض والخوف من تحولاته المفاجئة إلى أشكال جديدة.
وللتعامل مع هذه الأزمة المركبة، أصبح "التعايش" مع المرض هو الصيحة العالمية في دول عانت جميعا من "الجائحة". فالمعضلة الأولى التي يجري حلها هي التعامل مع عامل الزمن، ونفاد الصبر، والرغبة السريعة للشعوب في العودة إلى الحالة "الطبيعية". واكتسب البحث عن لقاح للفيروس شدة لم يسبق لها مثيل في الأبحاث الطبية، مع ما يترتب على ذلك من آثار هائلة على الصحة العامة والاقتصاد العالمي والسياسة. وعملت الحكومات والشركات والمختبرات الأكاديمية على تسريع جهودها وسط التيارات الجيوسياسية المتعارضة وتحديات إنتاج جرعات كافية لمليارات البشر. ومع اقتراب عام ٢٠٢١، هناك عشرة اتجاهات يتواتر الإشارة إليها في المصادر المختلفة يجب مراقبتها في العام المقبل.
أولا، حروب اللقاحات: عندما تصبح اللقاحات الأولى متوفرة بكميات كبيرة، سينتقل التركيز من الجهد البطولي لتطويرها إلى المهمة الشاقة بنفس القدر المتمثلة في توزيعها. سترافق دبلوماسية اللقاحات المعارك داخل البلدان وفيما بينها حول من يجب أن يحصل عليها ومتى؛ وكم عدد الأشخاص الذين سيرفضون اللقاح عند تقديمه؟ وقبل نهاية العام أصدرت شركتا Pfizer وModerna بشكل منفصل بيانات أولية تشير إلى أن لقاحهما فعال بنسبة تزيد عن ٩٠٪ وهو أكثر بكثير مما توقعه العديد من العلماء. ولكن الوصول للقاح ربما يكون سببا هاما في تحقيق نوع من التواضع الإنساني لأن البشرية لا تزال مهددة من الفيروس مرة أخرى ربما تكون نتيجة تحولات أو Mutations نتيجة محفزات جديدة. وعلى أي الأحوال فإن العام الجديد سوف يشهد سباقا محموما على الخروج من الأزمة الصحية أولا ومن بعدها تأتي أبعاد أخرى لا تقل أهمية.
ثانيا، انتعاش اقتصادي مختلط: هنا يجب إدراك أن الوباء مايزال موجودا، وربما يستغرق إنهاؤه في العالم العام القادم كله، ومن ثم فإن الانتعاش الاقتصادي المتوقع سوف يجري تحت شرط استمرار الوباء أو بعض منه، وسوف يكون الحذر دائما واجبا في حركة الأفراد والتجمعات. ولكن الاقتصادات المختلفة سوف تأخذ في الانتعاش، ولكنه سوف يكون انتعاشا غير مكتمل مع حرص الحكومات المختلفة على تجنب حدوث نكسات أو نوبات جديدة من المرض. ولكن أيا كانت المحاذير فإن تقدما اقتصاديا سوف يحدث مع استئناف الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وربما تكون السياحة هي آخر القطاعات الاقتصادية التي يحدث لها رواج أو تقدم ملموس.
ثالثا، إصلاح اضطراب العالم الجديد: لم يكن العالم مضطربا في عام ٢٠٢٠ فقط بسبب "كوفيد -١٩" وإنما كان بسبب موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما انتهت إليه من فوز الديمقراطي جو بايدن مع إصرار الرئيس دونالد ترامب على تأكيد تزوير الانتخابات. على أي الأحوال إن الرئيس الجديد سوف يتولى منصبه في ٢٠ يناير وبعدها سوف تكون أمامه فرصة لإصلاح ما حدث في النظام العالمي. وتبعا لوعوده الانتخابية فإنه سوف يقوم فورا باستخدام سلطاته لعودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للتعامل مع التغيرات المناخية، فضلا عن إصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها.
رابعا، تقليل التوترات بين الولايات المتحدة والصين: من غير المتوقع من الرئيس بايدن أن يلغي الحرب التجارية مع الصين ولكنه سوف يحاول استغلال الضغوط التي راكمها ترامب على بكين لكي يحصل على مزيد من التنازلات الصينية، وفي نفس الوقت استخدام النفوذ الصيني للتقدم في المفاوضات مع كوريا الشمالية. وفي الأول والآخر فإن بايدن يعرف العلاقات مع الصين على أنها علاقات تنافسية وليست بالضرورة عدائية. وهنا خامسا، الشركات التي على خط المواجهة الأمريكية الصينية، وهذه أمثلتها الشهيرة شركات Huawei وTikTok، حيث تصبح الأعمال التجارية أكثر من ساحة معركة جيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. ولكن في غياب ترامب فإن هذه الشركات سوف تحاول تجنب تركيز قواعد إمدادات الصناعة في دولة واحدة، وإن كان ممكنا نقل التركيز إلى الإقليم الآسيوي في مجموعه.
سادسا، في عام ٢٠٢٠، سرَّع الوباء تبني العديد من السلوكيات التكنولوجية، من مؤتمرات الفيديو والتسوق عبر الإنترنت إلى العمل عن بُعد والتعلم عن بعد. وفي الحقيقة فإن الوباء لم يكن شرا كله، وفي عام ٢٠٢١، سيتضح مدى استمرار هذه التغييرات الإيجابية. وفي العموم فإنه سابعا سيكون العالم أقل إرخاء مما كان عليه قبل عام ٢٠٢٠ حيث تتقلص السياحة ويتغير شكلها، مع مزيد من التركيز على السفر الداخلي. ستواجه شركات الطيران وسلاسل الفنادق وشركات تصنيع الطائرات صعوبات، وكذلك الجامعات التي تعتمد بشكل كبير على الطلاب الأجانب، وهو ما سيؤثر سلبا على التبادل الثقافي أيضا. ولكنه على الجانب الآخر يوجد ثامنا متغير إيجابي في عام ٢٠٢١ يمثل فرصة بشأن تغير المناخ، والذي هو أحد الجوانب المهمة وسط الأزمة حيث توجد فرصة اتخاذ إجراءات تقلل من التلوث، حيث تستثمر الحكومات في خطط التعافي الأخضر لخلق فرص عمل وخفض الانبعاثات.
وباختصار فإنه بقدر ما كانت الأزمة قاسية فإنها تحمل في طياتها فرصا كثيرة، وهذا تاسعا حيث تمثل الأزمة دعوة للتنبه لمخاطر أخرى حيث سيحاول الأكاديميون والمحللون، الذين حذر الكثير منهم من خطر حدوث جائحة منذ سنوات، استغلال نافذة ضيقة من الفرص لجعل صانعي السياسات يأخذون على محمل الجد مخاطر أخرى مهملة، مثل مقاومة الإرهاب النووي والاحتباس الحراري كما أسلفنا، واحتمالات ظهور أمراض وبائية أخرى، مع التوسع في الدبلوماسية العالمية متعددة الأطراف للتعامل مع أي من هذه الأخطار.
وفي العموم وذلك عاشرا فإن العام القادم سوف يكون غير قابل للتنبؤ بشكل خاص بالنسبة للمخاطر والفرص المستقبلية، بالنظر إلى التفاعلات بين الوباء، والانتعاش الاقتصادي غير المتكافئ، والجغرافيا السياسية التي تسيطر عليها المنافسة الشديدة على كعكة إنسانية انكمشت كثيرا. ونتيجة هذه الحقيقة فإن الدعوة سوف تكون كيف يمكن للبشرية أن تقيم المؤسسات الضرورية بعد مراجعة رصيد المؤسسات الحالية خلال الأزمة، مثل منظمة الصحة العالمية التي يمكنها الرصد والتنبؤ بالأزمات قبل وقوعها. ربما يكون الحديث عن التعاون الدولي بعيد المنال ولكن ضرورته سوف تكون صيحة العام القادم ٢٠٢١.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة