أشارت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية بوضوح إلى فوز المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن, وحصوله على أعداد من أصوات المُجمَّع الانتخابي تفوق بكثير ما يحتاجه للفوز.
ورغم ذلك فقد تحدى الرئيس ترامب هذه النتائج ووصفها بأنها مزورة. ومع استمرار رفض محاكم الولايات للدعاوى والطعون التي قدمتها حملة ترامب بسبب افتقادها الأدلة على صحتها، فإنه أصبح من المؤكد أن ترامب سوف يغادر البيت الأبيض في 20 يناير 2021، وينضم إلى نادي الرؤساء الذين لم ينجحوا في إعادة انتخابهم لدورة ثانية.
وحسب التقاليد التي أرساها الرعيل الأول من الرؤساء، فإن الرئيس يُنتخب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة أي بحد أقصى ثماني سنوات، واتبع جميع الرؤساء هذا التقليد حتى انتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1932 وسط أزمة الكساد العالمي ووصول هتلر إلى الحكم عام 1933 وسياساته التوسعية التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. وكان من شأن هذه الظروف الاستثنائية، خوض روزفلت أربعة انتخابات متتالية واستمر في الحكم من 1933 حتى وفاته 1945. ولمنع تكرار هذه السابقة، صدر تعديل دستوري ينص على فترة الدورتين.
تعاقب على منصب الرئيس، منذ انتخاب جورج واشنطن لأول مرة عام 1789، خمسة وأربعون رئيساً. لم ينجح عشرة منهم في إعادة انتخابه وينضم إليهم ترامب ليحمل الرقم 11. هذا باستثناء الرئيس جون كنيدي الذي اُغتيل عام 1963 قبل أن يكمل فترة رئاسته الأولى.
ينقسم هؤلاء الرؤساء وفقاً لمعيار الفترة الزمنية إلى التالي: واحد في القرن الثامن عشر وهو جون آدمز الرئيس الثاني. وأربعة في القرن التاسع عشر هم جون كوينسي آدامز الرئيس السادس وهو نجل جون آدمز أي أن الأب والابن لم ينجحا في إعادة انتخابهما لمرة ثانية، ومارتن فان بيورين، وجروفر كليفلاند، وبنجامين هاريسون. وخمسة في القرن العشرين هم وليام تافت، وهربرت هوفر، وجيرالد فورد، وجيمي كارتر، وكان آخرهم جورج بوش الأب الذي خسر انتخابات 1992 أمام المرشح الديمقراطي بيل كلينتون. ومن المفارقات أن هذا القرن شهد خسارة رئيسين متعاقبيْن للانتخابات أحدهما من الحزب الجمهوري هو فورد في انتخابات 1976، والثاني من الحزب الديمقراطي هو كارتر في انتخابات 1980. وينضم ترامب إلى هذه القائمة باعتباره أول رئيس لا يُعاد انتخابه في القرن الحادي والعشرين. وينقسمون وفقاً لانتمائهم الحزبي إلى التالي: رئيسان ينتمي أحدهما إلى الحزب الفيدرالي، والآخر إلى الحزب الجمهوري الديمقراطي، وهما الحزبان اللذان عرفتهما أمريكا قبل تبلور الحزبيين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري. وكان للحزب الجمهوري النصيب الأوفر فانتسب إليه خمسة رؤساء، واقتصر نصيب الحزب الديمقراطي على ثلاثة هم مارتن فان بيورين وجروفر كليفلاند وكارتر.
أما عن الأسباب التي أدت إلى الفشل في إعادة انتخابهم، فإن أغلبها يرجع إلى أن شاغر المنصب كان شخصية عادية ولم تكن له إنجازات واضحة مما سهل على خصمه الحصول على أصوات الناخبين. ولكن هناك حالات واضحة لسبب الهزيمة مثل حالة الرئيس هوفر الذي انتخب 1928، وداهمته في العام التالي مباشرة تداعيات الأزمة الاقتصادية الكبرى وانهيار الأسواق المالية فيما عُرف باسم الكساد العالمي، ورغم أنه كان صاحب خبرة واسعة وشغل منصب وزير التجارة لعدة سنوات، واتخذ العديد من الإجراءات لإنعاش الاقتصاد، فإنها لم تؤتِ ثمارها خلال فترة حكمه. وأدى ذلك إلى تدهور الأوضاع المعيشية للأمريكيين، وأوجد البيئة المناسبة لنجاح منافسه الديمقراطي فرانكلين روزفلت وهو الرئيس الوحيد الذي انتخبه الأمريكيون أربع مرات متتالية.
وخسر رئيسان الانتخابات رغم أنهما حققا إنجازات في مجال السياسة الخارجية هما كارتر الذي أعاد الاعتبار لسمعة أمريكا الأخلاقية في العالم بدفاعه عن حقوق الإنسان، وإنجازه معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979. وكذلك الرئيس بوش الأب الذي شهدت فترة حكمه الثورات الديمقراطية في شرق أوروبا، وإقامة التحالف الدولي لدحر الغزو العراقي للكويت، وتدهور مكانة الاتحاد السوفيتي ثم تفككه، وإعلانه ظهور نظام دولي جديد. تشير هاتان الحالتان إلى إحدى الحقائق الرئيسية في تحليل العوامل المؤثرة على نتائج الانتخابات الأمريكية، وهي أنها ترتبط في المقام الأول بالأوضاع الداخلية، ومدى رضاء الأمريكيين عنها.
ينضم ترامب إلى هذه القائمة من الرؤساء وتتردد أخبار عن عدم نيَّته اعتزال الحياة السياسية ورغبته في الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة في 2024، وإذا تحقق ذلك فسوف يكون تكراراً لحالة أخرى فريدة عندما قام جروفر كليفلاند الذي خسر انتخابات 1888 بترشيح نفسه مرة ثانية عن الحزب الديمقراطي في انتخابات عام 1892 ونجح فيها، وأصبح بذلك الرئيس الثاني والعشرين والرابع والعشرين في التاريخ الأمريكي.
فهل يُكرر ترامب هذه السابقة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة