وسط خلافات بشأن القرار الذي عليها اتخاذه، أجلت أوبك+ اجتماعها لمدة يومين، ثم عادت للاتفاق في نهاية المطاف على خطة جديدة لم تكن مدرجة ضمن المناقشات التي عرضتها وسائل الإعلام قبيل التوصل للاتفاق.
فقد كان من المفترض أن تزيد أوبك+ إنتاجها بمقدار 1.9 مليون برميل يوميا بدءا من أول يناير المقبل ليصبح حجم الخفض في الإنتاج هو 5.8 مليون برميل يوميا طبقا للاتفاق الذي أبرم في أبريل الماضي. بينما كانت المناقشات تتركز على تمديد العمل بالخفض الراهن البالغ 7.7 مليون برميل يوميا لمدة ثلاثة أو ستة أشهر، أي حتى مارس أو يونيو المقبل.
ولكن جاءت تسوية الحل الوسط لتحدد زيادة في مستوى الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا فقط في بداية يناير، أي خفض الإنتاج بمقدار 7.2 مليون برميل يوميا. كما أن من الأمور المهمة التي تم الاتفاق عليها أيضا جعل اجتماع دول المجموعة لتقرير مستوى الإنتاج اجتماعا شهريا، كما اتفق على أن الزيادة أو الخفض في الإنتاج بناء على ما يشهده السوق من تطورات ستكون شهرية في حدود 500 ألف برميل يوميا. والهدف من الاتفاق كما هو واضح إضفاء المزيد من المرونة على عملية صنع القرار بحيث لا تنتظر الاجتماع نصف السنوي العادي لأوبك+، وكذا تبني التدرجية في زيادة أو خفض الإنتاج بناء على تطورات الأسواق. وتذهب بعض التقديرات إلى أن هذا الخفض سيسمح بامتصاص تدريجي للمخزون في الدول المستهلكة الرئيسية بنحو 500 ألف برميل يوميا، أي أن الطلب سيزيد على العرض، وهو ما سيسمح بزيادة تدريجية في الأسعار خلال العام المقبل. فيرى وزير النفط العراقي على سبيل المثال أن الاتفاق من شأنه أن يعمل على أن تكون أسعار برميل النفط من نوع برنت أعلى من 50 دولارا خلال بداية العام المقبل.
يجري ذلك في ظل حالة من عدم اليقين ما زالت تسيطر على الأسواق خاصة بشأن المستقبل القريب. فالموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا وما يرافقها من إغلاقات تضيف المزيد من التعقيد بشأن مستوى الطلب. في الوقت الذي عمل فيه ظهور لقاحات على إشاعة جو من التفاؤل أنه في تاريخ لاحق من عام 2021 ربما نهاية الربع الأول أو الربع الثاني من العام قد يعود الوضع في كثير من البلدان المستهلكة إلى وضع قريب من الوضع العادي الذي كان سائدا قبل انتشار الفيروس.
وفي حين زاد معدل الإغلاقات في الغرب نتيجة للموجة الثانية من تفشي الفيروس وهوما يؤدي إلى إضعاف الطلب، نجد أن الوضع على خلاف ذلك في الدول الآسيوية، إذ كما تقول وكالة "بلومبرج" كانت الشوارع في الهند ممتلئة مؤخراً أثناء عيد الأنوار، كما ذهب الملايين في الصين بالسيارات والقطارات وحتى الطائرات في الأسبوع الذهبي لزيارة أقاربهم عبر الدولة. ومن هنا فقد ارتفع الطلب على النفط في عدد من الدول الآسيوية. وجاء التفاوت في الطلب على النفط نتيجة للتقلبات التي شهدتها الأسواق. فرغم أن تعافي الطلب على النفط الذي بدأ في مايو تعثر في أكتوبر ونوفمبر مع الموجة الثانية من الوباء، فإن الضرر لم يكن مماثلاً لما حدث أثناء التفشي الأول للفيروس في بداية العام. فالإغلاقات في أوروبا ليست حادّة مثل الموجة الأولى والطلب في آسيا يرتفع، ليس فقط في الصين التي تعافت اقتصاديا إلى حد كبير، وإنما أيضاً في الهند واليابان وكوريا الجنوبية.
وإلى جانب ما يحدث في الطلب فهناك تطور على جانب العرض أيضا لاسيما مع ارتفاع الإنتاج في دول مثل ليبيا التي كان مستوى إنتاجها منخفض للغاية في بداية العام، فإذا به يرتفع مؤخرا بعد الاتفاق بين الأطراف المتصارعة هناك ليصل إلى نحو 1.2 مليون برميل يوميا. ومن المعروف أن ليبيا ليست من بين الدول التي يشملها اتفاق خفض الإنتاج لذا فهي تنتج -إلى جانب كل من إيران وفنزويلا- دون أي قيود.
وهناك أيضاً انقسام هام آخر في سوق المنتجات النفطية، فبينما تعافى الطلب على البنزين والديزل إلى حوالي 90% من مستويات ما قبل تفشي الوباء، ما يزال الطلب على وقود الطائرات منخفضا بحوالي 50% نتيجة لانخفاض حركة السياحة والسفر.
ربما من الأمور التي تؤدي إلى وجود خلافات بشأن كمية الإنتاج، هو استناد خطط خفض الإنتاج الراهنة إلى مستوى القدرات الإنتاجية للدول أعضاء أوبك+ في أكتوبر 2016، وهو التاريخ الذي تم اختياره عند وضع خطة خفض الإنتاج الأولى. ومن المنطقي أنه كلما امتد الزمن وتحقق تطور بالزيادة في القدرات الإنتاجية لبعض الأعضاء أن يشعروا بالغبن نتيجة لأن حصتهم الإنتاجية محددة عند مستوى طاقة إنتاجية يقل بكثير عن الطاقة الواقعية التي وصلوا إليها.
فقد قال الرئيس النيجيري محمد بخاري إن بلاده ذات الثقل السكاني الضخم بحاجة لإنتاج مزيد من النفط لدعم الاقتصاد وتشييد البنية التحتية لمواطنين يعاني الكثير منهم من الفقر. وأفاد بيان صادر عن مكتبه أنه ناشد أوبك النظر في ذلك عند تحديد حصص إنتاج النفط.
وكانت نيجيريا قد طلبت من أوبك في وقت سابق خلال الشهر الماضي إعادة تقييم حصتها من إنتاج حقل أجبامي على أنه من المكثفات. ومن شأن تطبيق ذلك تحسين امتثال نيجيريا لخطة الخفض، فثلاثة من ستة مصادر تعتبر إنتاج الحقل خاما بينما تعتبره ثلاثة مصادر أخرى من المكثفات. ومن المعروف أن تحديد حصص الإنتاج يتم بناء على حجم إنتاج الخام وليس المكثفات.
ونجد أن نفس الموقف المتعلق بكمية الإنتاج يميز الموقف العراقي أيضا حيث ارتفعت الطاقة الإنتاجية منذ عام 2016 بشكل ملحوظ، في الوقت الذي تحدد فيه حصة الإنتاج وفقا لمستوى الطاقة الإنتاجية في عام 2016. وهناك أيضا أعضاء آخرون لديهم نفس الشكوى.
ولن تجد مثل هذه المطالب حلا لها إلا مع حدوث زيادة كبيرة في مستوى الطلب تدفع نحو زيادة الإنتاج دون تحقيق انهيار في الأسعار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة