سفينة الصحراء تتألق في زمن المناخ الصعب.. الإبل تزيح الأبقار من قطعان الرعاة
أضحت قطعان الإبل البديل الأكثر إقبالا من الرعاة والفلاحين، لتحل محل الأبقار التي أضحت غير مناسبة لظروف المناخ الصعبة التي يعيشها العالم، بينما يقدم البديل إنتاجا أوفر وتكلفة أقل وحياة أكثر صداقة للبيئة.
ويقول تحليل جديد لواشنطن بوست إن الأبقار في كينيا وفي معظم أنحاء أفريقيا هي أهم حيوان منذ قديم الأزل، وتعتبر أساس الاقتصادات والوجبات الغذائية.
لكن في كينيا تحديدا بدأ رعاة القطعان ينظرون للجمال على أنها المستقبل، للاعتماد عليها في توفير العديد من الموارد بدلا من الأبقار.
الأرض القابلة للرعي تتقلص الآن بفعل التغير المناخي، ومصادر المياه تجف، وقد أدى الجفاف الذي استمر ثلاث سنوات في منطقة القرن الأفريقي -الذي انتهى العام الماضي- إلى مقتل 80% من الأبقار في شمال كينيا، وحطم سبل عيش الكثير من الناس.
وفي هذه المنطقة، يضطر الملايين إلى التكيف مع تغير المناخ، ويتجلى ذلك في وصول دفعة قوامها 77 جملا وصلت لتوها إلى مقاطعة سامبورو بكينيا، سيتم الاعتماد عليها كقطعان بديلة للأبقار النافقة بسبب تغير المناخ.
وكانت الحكومة الإقليمية قد اشترت الإبل من التجار بالقرب من الحدود مع الصومال بسعر 600 دولار للواحد.
وحتى الآن، تم توزيع 4000 جمل كجزء من هذا البرنامج عبر الأراضي المنخفضة للمقاطعة، مما أدى إلى تسريع التحول الذي كان يحدث بالفعل منذ عقود في العديد من الأجزاء الأخرى التي تعتمد على الماشية في أفريقيا من الأبقار إلى الإبل.
والتغيير طال أيضا عددا قليلا من المجتمعات, خاصة في كينيا وإثيوبيا, في مراحل مختلفة من الانتقال, وفقا للدراسات الأكاديمية.
وتضاعف عدد الإبل في العالم على مدى السنوات العشرين الماضية، وهو ما ترجعه "وكالة الأمم المتحدة للزراعة والاستثمار" جزئيا إلى ملاءمة الحيوان وقدرته على التكيف وسط تغير المناخ، وقدرة الإبل في أوقات الشدة على إنتاج حليب أكثر من الأبقار.
والتوجه الجديد بالاعتماد على الجمال يأتي استشهادا بالمقولة الشعبية في هذه المنطقة من أفريقيا، التي تقول إن البقرة هي أول حيوان يموت في الجفاف والجمل هو الأخير.
وقال جوناثان لاتي ليليليت، حاكم مقاطعة سامبورو، التي تقع على بعد نحو 240 ميلاً شمال العاصمة نيروبي إنه "لولا التغير مناخي لما كلفنا أنفسنا عناء شراء هذه الجمال"، وأضاف "لدينا الكثير من الأشياء الأخرى التي يجب القيام بها بالمال القليل الذي لدينا، لكن ليس لدينا خيار".
الاستفادة بإنتاج الحليب شرط أساسي
واشترطت الحكومة المحلية على المستفيدين بالدفعة التي تم شراؤها من الجمال للرعاة في كينيا أن تكون الاستفادة منها بهدف در الحليب فقط وليس اللحوم.
أيضا تقرر أن يتم منح الإبل لهؤلاء الذين اعتبرهم المسؤولون المحليون الأكثر احتياجاً، وكانت لديهم قصص عن خسائر شبه كاملة في الماشية خلال فترة الجفاف العام الماضي، بالإضافة لمعاناتهم من المشي لأميال للعثور على الماء، وعن مصادمات عنيفة مع قبيلة مجاورة أثناء ابتعادهم عن أراضيهم بحثا عن مكان لرعي مواشيهم المتعثرة.
واجتمع المحليون على أن أبرز من عايش محنة خلال هذه الفترة، هو مواطن يدعى ديشون ليلينا، وكان ليلينا، البالغ من العمر 42 عاماً، من الأثرياء بمعايير هذه المنطقة قبل الجفاف.
وكان لديه زوجتان وعشرة أطفال، وكان محاطًا بوفرة من الأبقار منذ فترة طويلة، حتى إنه استخدم العديد من الثيران كأضحية في مناسباته السعيدة.
ولكن عندما عانت المنطقة من غياب موسم الأمطار لسنوات متتالية، انخفض قطيع "ليلينا" المكون من 150 بقرة على مدى عدة سنوات كما لم يحدث من قبل.
وقد داهمت قبيلة بوكوت المجاورة العشرات من البقار، وأكثر من مائة بقرة عانت من ضعف البنية بسبب الجفاف، وأصبحت نحيفة في منطقة الوسط، وتعرضت للتورم في مناطق أخرى، كما لوحظ أن البعض منها يذهب للنوم ليلاً ولا يستيقظ أبدًا، وقد يصل البعض أخيرًا إلى مصدر للمياه، ويشربون بشراهة ومن ثم ينهارون حتى الموت.
واستمر ذلك حتى فقد ليلينا أفضل بقرة حلوب لديه، وبحلول الوقت الذي استؤنفت فيه الأمطار العام الماضي، كان قد بقي لديه سبع بقرات من أصل 120 بقرة.
ذلك دفع ليلينا ليكون ضمن المقبلين على اقتناء الجمال ضمن الدفعة الجديدة التي استقدمت لكينيا، لحل أزمة غياب مورد الألبان له ولأسرته التي عانت بدورها من الضعف والجوع.
حيوان خلق لمواجهة الجفاف
وبفضل الثقافات الأفريقية يتعزز اتجاه المواطنين في كينيا لامتلاك الجمال، على اعتبار أنها الحيوان الأنسب لمواجهة أوقات الجفاف.
ويصف الأفارقة الجمل بأنه يمتلك بنية تجمع بين الأرجل الرفيعة، والمنطقة الجسمانية المفتولة من الوسط مثل الحصان، والعنق الطويلة مثل الزرافة، ويمكن أن تبقى الإبل بدون ماء لمدة أسبوعين، مقابل يوم أو يومين بالنسبة للبقرة.
كما يمكن أن تفقد الجمال 30% من وزنها وتستمر بالعيش بشكل طبيعي، وهي واحدة من أعلى درجات التحمل لأي حيوان كبير.
وتتقلب درجات حرارة أجسامهم بالتزامن مع أنماط المناخ اليومية، وعندما يتبولون يتدفق البول إلى أسفل أرجلهم، مما يبقيهم باردين.
وعندما يستلقون تطوى ركبهم الجلدية إلى ركائز تعمل على دعم جزء كبير من جوانبهم السفلية فوق الأرض مباشرةً، مما يسمح للهواء البارد بالمرور.
وقد وصفت إحدى الأبحاث المنشورة مؤخرًا الجمال -التي ربما ابتعدت عن العلم ومالت أكثر إلى التبجيل- بأنها "الأنواع المعجزة" من الحيوانات.
أيضا عززت واشنطن بوست تحليلها الذي يؤكد أن الجمال هي المستقبل بالنسبة للرعاة في المناطق التي تعاني من الجفاف الشديد بسبب تقلبات المناخ، بإحصائية تقارن بين متطلبات الجمال ومتطلبات الأبقار لإنتاج كمية محددة من اللبن.
والإحصائية تقول إن الجمل يحتاج إلى 1,170 كيلوغرام من العلف لإنتاج طن متري واحد من الحليب، في حين يحتاج رأس الماشية الواحد من البقر إلى 1,780 كيلوغرام من العلف لإنتاج الكمية نفسها.
ويحتاج الجمل إلى 4,900 كيلوغرام من المياه لإنتاج طن متري واحد من الحليب، في حين يحتاج رأس الماشية الواحد من البقر إلى 5,730 كيلوغراما من المياه لإنتاج الكمية نفسها.
ويصدر الجمل 6000 كيلوغرام من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لإنتاج طن متري واحد من الحليب، في حين يصدر رأس الماشية الواحد من البقر 7250 كيلوغراما من الانبعاثات لإنتاج الكمية نفسها.