والحقيقة أن السياسةَ الإسرائيلية في الضفة الغربية المرتبطة ببناء المستوطنات تثير الكثير من التساؤلات حول خططها المستقبلية.
في كلمته أمام منتدي "صبان" السنوي في واشنطن؛ قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: إن إسرائيل لم تمنح سوي تصريح بناء واحد للفلسطينيين العام الماضي في المنطقة (ج) بالضفة الغربية، بينما يتم إصباغ الشرعية علي البؤر الاستيطانية بانتظام، مع ازدياد في هدم المباني الفلسطينية في تلك المنطقة، وتساءل: "هل تفهمون ذلك؟"
والإجابة علي سؤال الوزير كيري هي ببساطة أننا نفهم، وسوف أوضح ما نفهمه لاحقا، لكننا كنا نتوقع منه أكثر من مجرد طرح الأسئلة والحديث كما لو كان محللا سياسيا يرصد الموقف، ومع هذا فقد كانت كلماته قوية بما يكفي للتأكيد علي مخاوف كل من كان يأمل في حل الدولتين، فقد ذكر بوضوح أن الوضع الحالي يبتعد بنا عن هذا الحل، محذرا من أن الدولة الواحدة لن تحافظ لإسرائيل علي الطابع الديمقراطي واليهودي، لأن اليهود لن تكون لهم الأغلبية في تلك الدولة (من البحر إلي النهر)، وتساءل عن إمكانية معاملة الفلسطينيين بمساواة أو بقوانين مختلفة، وإنشاء طرق معزولة للطرفين، وهي إشارة لا يمكن تجاهلها لدولة فصل عنصري.
والحقيقة أن السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية المرتبطة ببناء المستوطنات تثير الكثير من التساؤلات حول خططها المستقبلية، فليس من المنطقي أن تختار إسرائيل لنفسها مسارا يحسم النظر إليها عالميا كدولة فصل عنصري مهما كان تطرف مسؤوليها، لأنهم يدركون استحالة استمرار ذلك طويلا، وما نموذج جنوب إفريقيا ببعيد.
وفي لقاء لي مؤخرا مع مبعوث السلام السابق دينيس روس؛ سألته عن التفكير الإسرائيلي، لكنه اكتفي بالقول إن إسرائيل لا تنظر للمدي البعيد، وإن كان أكد قناعته بأن بنجامين نيتانياهو يرفض حل الدولة الواحدة، ويؤيد حل الدولتين.
لكن كيف لمن يؤيد حل الدولتين أن يتبع سياسات تغلق الباب نهائيا أمام هذا الحل؟
ربما تكون الإجابة الأكثر دقة، أو بالأحرى صراحة، هي التي سمعتها من الكاتب الأمريكي ماكس بلومنثال الذي أمضى سنوات في إسرائيل، نشر بعدها كتابه الهام "جالوت.. الحياة والنفور في إسرائيل الكبرى"، وقد سألته تحديدا: إذا لم يكن اليمين الإسرائيلي راغبا كما هو واضح في إقامة دولة فلسطينية، فما هو حلهم للمشكلة الديموغرافية التي تمنع الطبيعة اليهودية للدولة؟ فقال إن خطط اليمين -ممثلا في الوزير نيفتالي بينيت- تتجه لضم المنطقة (ج) التي تمثل ٦٠ في المائة من أراضي الضفة، وبها أكبر المستوطنات وأقل نسبة من الفلسطينيين، يتم منحهم الجنسية الإسرائيلية إذا أقسموا علي الولاء لإسرائيل، أما سكان المنطقة (أ) كثيفة السكان فيتم منحهم الجنسية الأردنية، أما القدس فقد تم وضع نسبة ٧٢٪ كأغلبية يهودية فيها، مع الاستمرار في عمليات هدم منازل الفلسطينيين، ويعتقد هؤلاء أن أصدقاء إسرائيل في واشنطن يمكنهم تمرير هذه الخطة، لكن أحزابا أخري في إسرائيل تري أنه حتي في المنطقة (ج) هناك عدد كبير من الفلسطينيين لا يسمح بضمهم للدولة، ويخلص بلومنثال إلي نتيجة حاسمة: الضم قادم قادم، ونراه في قرية سوسيا جنوب الخليل التي يتم الهدم فيها لإخلائها للمستوطنين.
هذا ما يقوله كاتب وخبير معروف، وهو منطقي إلي حد بعيد، لأنه يسمح لليمين الإسرائيلي بإجهاض مشروع الدولة الفلسطينية مع تفادي وصْم الدولة بالفصل العنصري (نسبيا علي الأقل)، يساعد علي ذلك الوضع الإقليمي والدولي.
نحن إذن نفهم ذلك سيادة وزير الخارجية الأمريكي، لكن الوصول إلي هذا الوضع وإن كان مسئولية الفلسطينيين والعرب في الأساس، إلا أنه لا يمكن تجاهل أخطاء السياسة الأمريكية علي مدي عقود، بل وفي ظل إدارة أوباما، رغم محاولاتها الكثيرة للتوصل إلي تسوية.
السؤال الآن: هل هناك ما يمكن عمله لتغيير هذه المعادلة؟ ربما لا تكون الإجابة بهذه السهولة، لكن المؤكد أن ذلك لن يتم باللجوء إلي بعض المحافل الدولية للحصول علي قرارات هنا أو هناك، كما أنه لن يتحقق بطعن بعض الإسرائيليين في الطرقات، والمؤكد أيضا أن العرب لا يشغلهم كثيرا قيام دولة فلسطينية الآن، بينما هم في معترك أكبر للحفاظ علي دولهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة