التوجس في محله، وقد عبّرتْ عنه المشاركة الضعيفة نسبيًّا التي لم تتجاوز نصف نسبة المشاركين في التصويت على برلمان ٢٠١٢.
يكتمل الأسبوع القادم تشكيل البرلمان الجديد، بعدما تنتهي الانتخابات التكميلية في أربع دوائر ويتم اختيار الأعضاء السبعة والعشرين المعينين بقرار رئيس الجمهورية، وذلك في ظل أجواء ملبّدة بالتوقعات والتساؤلات والشكوك حول قدرة البرلمان القادم على التعبير عن آمال الشعب المصري وتطلعاته.
التوجس في محله، وقد عبرتْ عنه المشاركة الضعيفة نسبيًّا التي لم تتجاوز نصف نسبة المشاركين في التصويت على برلمان ٢٠١٢. وقد جاء ذلك نتيجة لعدم رضاء الناس والشباب منهم على وجه الخصوص عن المناخ الذي جرت فيه الانتخابات البرلمانية، وعدم اكتراثهم بمتابعتها، وعدم اقتناعهم بأن مجلس النواب القادم سوف يكون ذا تأثير على تصحيح المسار الحالي.
ولهذا العزوف أسباب كثيرة لا مجال للخوض في تفاصيلها الآن وإن كانت تنقسم بشكل عام إلى مجموعتين: الأولى تتعلق بالنظام الانتخابي بما تضمنه من الأخذ بنظام القائمة المطلقة، والتأخير الشديد في عقد الانتخابات، وفتح المجال للتمويل بلا حساب أو رقابة، والسكوت عن تجاوزات إعلامية غير مسبوقة لتخوين كل من يجرؤ على مجرد إبداء تحفظ أو استفهام على الإدارة الحالية للدولة. أما المجموعة الثانية من الأسباب فتتعلق بالمناخ السياسي العام الذي جرت الانتخابات في ظله بما تضمنه من استمرار حبس الشباب المحكوم عليهم أو المحتجزَين دفاعًا عن حق الاحتجاج السلمي، واتساع دائرة من شملتهم الملاحقة الأمنية من أصحاب الآراء المعارِضة من جميع الاتجاهات السياسية، وتقييد نشاط العمل الأهلي، وعودة الشرطة لممارسات التعذيب وسوء معاملة المواطنين التي تصور الناس أنها قد ولّت. كل هذا جعل الانتخابات البرلمانية تجري في مناخ لا يعبّر عن رغبة حقيقية وجادة من جانب الدولة في العودة إلى مسار ديمقراطي سليم، وجعل حتى الحديث المعتاد عن «عرس الديموقراطية» الذي يصاحب كل انتخابات برلمانية غير ممكن.
والنتيجة أننا أمام برلمان قد يستكمل البنية الشكلية لخارطة الطريق المعلن عنها في يوليو ٢٠١٣، ولكنه لا يعبر عن تقدم حقيقي في المسار الديموقراطي ولا عن استعداد الدولة لفتح المجال السياسي الذي جرى إغلاقه خلال العامين الماضيين.
ومع ذلك فإن هذا لا يعني التقليل من أهمية البرلمان القادم، ولا إهماله والتصرف كأنه غير موجود أو لا قيمة له. أيًّا كان تقييمنا لهذا البرلمان والظروف التي أحاطت بتشكيله، فإنه يعبّر في كل الأحوال عن واقع جديد نشأ بالفعل وعن صفحة جديدة من النشاط البرلماني سوف تتصدره أحزاب وقوى سياسية مختلفة، وعن عالم جديد لا نعلم بعد ماذا يخبئ لنا.
التحدي الأكبر الذي يواجه البرلمان القادم -أو على الأقل الذي يواجه أعضاءه الحريصين على نجاحه- هو استرجاع المصداقية لدى الناس وتجاوز الظروف السيئة والمناخ السلبي الذي جرت فيه الانتخابات، واستغلال كل فرصة متاحة من أجل استرداد هيبة واستقلال ومكانة السلطة التشريعية التي يمثلونها. وهذا لن يتحقق إلا إذا نجح هؤلاء النواب الجدد المعقودة عليهم بعض الآمال في أن يحافظوا على استقلالهم، وينحازوا لمطالب الجماهير التي انتخبتهم وكذلك التي لم تنتخبهم، ويتمسكوا بمبادئ العدالة والقانون مهما كانت الضغوط عليهم للتنازل عنها، ويدافعوا عن الدستور نصًّا وروحًا رغم تربّص الدولة به واستهتارها بأحكامه.
من جهة أخرى فإن علينا أن ندعم هؤلاء النواب المستعدين لخوض معارك حقيقية لصالح الوطن ولصالح العدالة ونقف وراءهم ونؤازرهم في مهمتهم الصعبة ولا نيأس من سيطرة الوجوه الإعلامية على الساحة التشريعية لأن هذا البرلمان لا بد سيفرز قيادات ووجوهًا جديدة لا نعلمها بعد، وأصحاب تطلعات مخلصة، ومواقف وطنية سوف تُظهرها المعارك والصراعات القادمة تحت قبة البرلمان، أما تجاهل البرلمان بعد انتخابه أو انتظار أن يتعثر أو يفشل في أداء دوره فلن يجدي في شيء.
وبعد ذلك تبقى ضرورة التذكير بأن البرلمان، وإن كان الساحة الرئيسية للعمل السياسي والتمثيل النيابي، إلا أنه ليس الساحة الوحيدة. البرلمان لا يُغني عن الانتخابات المحلية، ولا يعني سكوت الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية عن أداء أدوارها، وأعضاء البرلمان يحلّون محل الشعب في التشريع والرقابة على الحكومة ولكن لا يلزم أن يتصرفوا من فراغ أو من واقع اعتقاداتهم الشخصية فقط، بل يجب أن يتأثروا ويستجيبوا لمطالب الناس وتطلعاتهم. وكلما كان المجتمع متمسكًا بحقه في التعبير والمشاركة كان البرلمان مضطرًّا إلى الاستجابة لضغوطه والاستماع إلى صوته.
الصراع من أجل استعادة المسار الديمقراطي للبلد لم ينته بانتهاء الانتخابات البرلمانية بل لا يزال مستمرًّا، واليأس والإحباط وكذلك الانسحاب من الساحة لن تؤدي إلا إلى تحقق أسوأ المخاوف والاحتمالات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة