الأكراد يمثلون صداعاً دائماً للنظام الإيراني وتهديداً للعلاقات المزعزعة بين طهران وأربيل في الجانب العراقي
معضلة الهوية المستعارة الرسمية والهوية الوجدانية القومية التي يولد ويموت بها أكراد إيران تمثل سيناريو رعب حقيقيا يهدد النظام الإيراني بعد انتشار وتوسع بقعة الحركات الانفصالية المختلفة.
في إيران يزيد عدد القوميات الكبيرة فيها والصغيرة على 30 قومية، بينما تمثل القومية الفارسية ما نسبته 50 إلى 51% من السكان في إيران وفق الأرقام الرسمية المسيسة ومع معدل الولادة المرتفع في القوميات الأخرى وخاصة التي تدين بالمذهب السُني، ووفق ما نشرته بعض التقارير من الداخل الإيراني بعد تصاعد المخاوف من النمو السكاني السُني أنه من المتوقع ألا تمثل القومية الفارسية أكثر من 20% من السكان بحلول عام 2030، بينما يصبح السُنة هم الأغلبية في إيران خلال العشرين سنة القادمة، وخلال الـ 50 سنة القادمة سيمثل السُنة أكثر من 70% من السكان في إيران، فهل ستكون قنبلة التنوع العرقي والمذهبي هي أكبر تحدٍّ ستخوضه إيران في المستقبل؟
وكردستان الإيرانية أو شرق كردستان من شمال غرب إيران التي يقطنها معظم الأكراد الإيرانيين على الحدود مع العراق وتركيا، هي واحدة من أربعة أجزاء من كردستان الكبرى وغالبيتهم من المسلمين السُنة، ومن هذه الخلفية علينا أن ندرك مأساة أكراد إيران، والذين لا يقلون عن 10% من التعداد السكاني في إيران ومدى مضايقة «الحرس الثوري» الإيراني لمناطقهم، تحت ذريعة إخماد الانفصاليين، وما يصاحب ذلك من اغتيالات سياسية، كما أن حزب «الحياة الحرة لكردستان» (بيجاك)، وهي جماعة محظورة تسعى للحكم الذاتي للأكراد في إيران بقيادة «عبدالرحمن حاجي أحمدي»، والذي يدير الحزب عن بُعد من مقر إقامته في بلجيكا، يعد تحدياً حقيقياً يوسع المعارضة الإيرانية، ويجعلها بالملايين ضمن حراك شعبي حقيقي.
فهناك تصعيد غير مسبوق في العقدين الأخيرين بين طهران والأكراد، واشتباكات عديدة بين قوات الحرس الثوري والمتمردين الأكراد من الحزب «الديمقراطي الكردستاني» في إيران (KDPI)، وقد يتحول الموقف الدفاعي للحزب إلى موقف هجومي مع الوقت، وتجد قوات «الحرس الثوري» نفسها في مأزق داخل مناطق الاشتباك في محيط المناطق الجبلية في محافظات كردستان، خصوصاً أن إيران تصدّر الفوضى، وتتدخل في الشأن الداخلي لجيرانها، وترمي الآخرين بالحجارة وبيتها مصنوع من الزجاج الهش سريع الانكسار!
وبطبيعة الحال يُحجم الغرب والولايات المتحدة عن التحدث علناً ضد العنف المتصاعد في المنطقة الكردية الإيرانية وفي إقليم الأهواز، وهي ورقة ضغط ستستخدم في الوقت المناسب للضغط على إيران والانتفاض ضد نظام الملالي والإطاحة بالنظام، ولذلك شعرة معاوية محفوظة بين الطرفين، وكل طرف لديه ما يهم الآخر ومصالحه، والحال نفسه ينطبق على العلاقة التركية الإيرانية وأهمية أن تبقى مرنة ومطاطة لأبعد حد، خصوصاً أن حرب تركيا مستمرة ضد حزب «العمال الكردستاني»، واكتساب الأكراد حقوقاً سياسية وثقافية شكلية كبيرة في تركيا في العقد الماضي، ولذلك من غير المفاجئ أن الأكراد الإيرانيين يشعرون أن وقتهم قد حان الآن، لكنهم متأرجحون بين الوسائل السلمية وغير السلمية.
فالأكراد يمثلون صداعاً دائماً للنظام الإيراني وتهديداً للعلاقات المزعزعة بين طهران وأربيل في الجانب العراقي، والبعد الحدودي الذي يهدد الأمن القومي الإيراني والحسبة معقدة، وهو مثال بسيط على مدى تشابك الخطوط السياسية، وبأن إيران ليست في وضع مثالي للاستمرار في خرق حقوق الجانب الخليجي متى ما توجد، ولذلك هي تحرص على جعل الخليج العربي كتلة غير موحدة وزعزعت الأمن الخليجي بين الحين والآخر بطريقة أو بأخرى، فالمهم أن يبقي مشغولاً بمشاكله في الداخل ويحاصَر من الخارج، ولهذا السبب بالذات كذلك يجب أن نعلم أن الإرهاب في الخليج العربي له جذور وداعمون وأصحاب مصالح في الخارج أكثر من الداخل.
وفي تناقض غريب نجد طهران تشن المعارك ضد المقاتلين الأكراد في شمال غرب إيران، وفي الوقت نفسه لا تتردد في عرض المساعدات على البشمركة في كردستان العراق لعدم فتح جهة أخرى على الحدود الإيرانية مع «داعش»، والتي بدورها حظيت بدعم إيران في السابق، ولكن ما يسبب القلق الكبير لإيران ويشعرها بقلق بالغ هو التعاون الكردي مع إسرائيل، والذي بدأ من خمسينيات القرن الماضي، ناهيك عن تداعيات المنافسة الإقليمية بين إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية على وضع كردستان الإيرانية، فإيران ليست بمأمن من تجرع نفس الكأس الذي تحاول أن تبثّ فيه السم لجيرانها.
نقلاً عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة