وضعت الأحداث المأساوية التي شهدتها جوبا عاصمة جنوب السودان قبيل يومين فقط من احتفالات البلاد بذكرى استقلالها الخامسة
وضعت الأحداث المأساوية والاشتباكات الدامية التي شهدتها جوبا عاصمة جنوب السودان قبيل يومين فقط من احتفالات البلاد بذكرى استقلالها الخامسة، مخلفة أكثر من 300 قتيل و42 ألف مشرد، اتفاق السلام الذي تم توقيعه في أغسطس الماضي بين الرئيس سلفا كير وخصمه اللدود ريك مشار على المحك.
وجاءت هذه الأحداث لتكشف حجم المأساة التي يعيشها شعب جنوب السودان الذي صوت بنسبة بلغت 99% لصالح الانفصال عن السودان، ظناً منه أنه سيحقق في دولته الوليدة ما افتقده في الدولة الأم من عدالة ومساواة، فها هو يجني السراب، ويحصد ثمار الاستعلاء الزائف للقبلية البغيضة، وتحيط به الأهوال من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم.
ما بال رفاق الأمس طلاب الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة عندما تحقق حلمهم، وآلت إليهم مقاليد الأمور يتنصلون من مسؤولياتهم التاريخية في بناء دولتهم الوليدة، والعبور بشعبهم الذي زعزعته الحروب وأضناه البحث عن الاستقرار والأمن إلى بر الأمان.
لقد كان اتفاق السلام واضحاً وحاسماً في عدم منح الحصانة لأي مسؤول حكومي أو منتخب من المحاسبة على جرائم الحرب، وأوصى بقيام محكمة مختلطة للنظر في تلك الجرائم، تحسباً لعدم ترويع الآمنين وتكرار مثل هذه الحوادث الدامية.
ولكن تلكؤ طرفي النزاع في تنفيذ الاتفاق وتعللهما بأن قيام هذه المحكمة قد يؤدي إلى زعزعة الجهود الرامية إلى توحيد الأمة، وتربصهما ببعضهما البعض، أدت إلى تعقيد الأزمة وفتح الباب على مصراعيه للتدخل الدولي وتعديل تفويض القوات الأممية لتصيح قوة تدخل وحماية للمدنيين.
المطلوب الآن فتح تحقيق شفاف وعاجل حول أحداث جوبا الأخيرة، يحدد المسؤوليات والجناة ويقدمهم للمحاكمة، لينالوا جزاءهم العادل، وهذا هو مطلب مجلس الأمن الدولي وهيئة «الإيقاد».
ولعل الشروط التي وضعها مشار لإنهاء الأزمة، وعودته لمباشرة مهامه كنائب أول للرئيس، جاءت متوافقة مع مطالب المجتمع الدولي و«الإيقاد»، خاصة في ما يتعلق بإخلاء العاصمة جوبا من التشكيلات المسلحة وقيام قوة ثالثة من الإقليم تحت رعاية القوات الدولية بحفظ الأمن فيها، وتشكيل المحكمة المختلطة وتعديل الدستور ليتماشى مع اتفاقية السلام وإكمال بناء مؤسسات الدولة.
ومهما يكن من أمر، فإن العالم لن يقف مكتوف الأيدي إزاء عمليات القتل الهمجي للمدنيين في جنوب السودان، لذلك لن يجد اعتراض سلفا كير على إسناد مسؤولية حفظ الأمن في العاصمة للقوات الدولية بمبرر انتهاك السيادة الوطنية آذاناً صاغية، خاصة أن هذه القوات موجودة فعلاً على الأرض.
نقلا عن / الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة