ماذا عن مستقبل الاقتصاد المصرى فى ظل الازمة العالمية الحالية؟ هذا هو التساؤل المطروح على الساحة
ماذا عن مستقبل الاقتصاد المصرى فى ظل الازمة العالمية الحالية؟ هذا هو التساؤل المطروح على الساحة فى ظل ماتناولناه على مدار المقالات السابقة فيما يتعلق بالأزمة الراهنة وانتهاء عصر الليبرالية الجديدة، كنتيجة لتأثيراتها السلبية المختلفة وعلى رأسها البطالة وعجز الموازنة والدين العام وسوء توزيع الدخول، وهى امور تتطلب تعديل المسار الاقتصادى والسير به فى الاتجاهات التى تستطيع علاج هذه المشكلات.وهو مايشير إلى ضرورة تحريك عملية التنمية، إلى ماهو أبعد من وضعها الحالي. والسير بها فى طريق «التنمية الاحتوائية الشاملة» والتى ترى أن النمو وعدالة التوزيع وجهان لعملة واحدة، وأن العدالة الاجتماعية تُعد قوة دافعة للنمو الاقتصادى. وذلك انطلاقا من أن السياسات الملائمة للنمو الاقتصادى طويل الآجل، هى تلك التى ترتبط بتحسين توزيع العوائد على جميع قطاعات وفئات المجتمع.من خلال منظومة تنموية متكاملة تهدف إلى الارتفاع بمعدلات التنمية وتحقيق الرفاهية والارتقاء بمستوى معيشة الأفراد، والعمل على تحقيق التنمية المستدامة بما يضمن تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون المساس بحقوق الأجيال القادمة. وهو ما لن يتحقق إلا عبر اتباع نظام «السوق الديمقراطية »، والتى ترتكز على معادلة الدولة الرشيدة والسوق الناضجة.وذلك لن يتحقق إلا عبر تحديد واضح للأدوار بين القطاع الخاص والحكومة والدولة.
وهنا نتفق مع ما ذهب إليه د.محمود عبد الفضيل من أن الدولة التنموية هى التى تؤسس شرعيتها على قدرتها على إطلاق عملية تنموية متواصلة، لا تقتصر فقط على رفع معدل النمو. وإنما الأهم هو إحداث تحولات جذرية فى هيكل الإنتاج المحلى وإحداث تحولات مهمة فى النظام الاقتصادى والعلاقات الاجتماعية القائمة. فالتنمية هى عملية تغيير اقتصادى واجتماعى شامل، تهدف الى تحقيق زيادة مطردة ومستمرة فى إشباع الاحتياجات الاساسية المادية والمعنوية للأفراد، وبالتالى فجوهر التنمية هو إحداث تحول جذرى فى المجتمع يؤدى الى القضاء على التخلف ويزود المجتمع بآليات التقدم والنهضة. وبالتالى فالتنمية هى عملية متعددة الجوانب من حيث كونها تعيد تشكيل الهيكل الاقتصادى والإنتاجى بالبلاد من خلال إعادة النمو المتوازن لفروع الإنتاج وتعمل على بناء قاعدة إنتاجية قوية تساعد على زيادة الانتاج ورفع معيشة الافراد، وبالتالى فجوهر التنمية هو إحداث تحول جذرى فى المجتمع يؤدى الى القضاء على التخلف ويزود المجتمع بآليات التقدم والنهضة. وبالتالى فهى عمل إرادى ينعكس فى سياسات واضحة يتقبلها المجتمع ككل فى ضوء أهداف واقعية محددة .
إذ ان اختيار بديل تنموى معين لايعد عملا فنيا محايدا على الإطلاق، وذلك لأن كل بديل ينطلق من رؤية معينة ومصالح محددة ويترتب عليه نتائج مختلفة لفئات المجتمع، بل إن اختيار بديل معين قد يترتب عليه اتخاذ مواقف معينة تجاه قوى او دول أخرى. من هنا تأتى أهمية الحوار المجتمعى للوصول إلى أفضل البدائل التنموية المتاحة لتحقيق الأهداف التنموية المنشودة..
فالحكومة فى النموذج الذى نقترحه عليها عدة أدوار أساسية ورئيسية منها ضمان كفاءة آلية السوق بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التى تجعل تفاعل العرض والطلب يتم فى إطارحقيقى مع ضمان التخطيط الاستثمارى السليم، عن طريق توفير البيانات والمعلومات الأساسية عن القطاعات الاقتصادية بالمجتمع, وذلك بالشكل الذى يمكن الجميع من إجراء دراسات الجدوى السليمة والصحيحة. وكذلك توفير المناخ الاستثمارى الجيد عن طريق إصلاح التشريعات القانونية والإدارية. ووضع القوانين موضع التنفيذ. وهذا يعنى ببساطة إيجاد بيئة تنافسية تدفع للمزيد من الكفاءة فى الإنتاج مع ضمان عدالة التوزيع لثمار النمو. وبمعنى آخر فانه بقدر ما لايمكن إهمال آلية السوق وجهاز الثمن، الا انه لايمكن ان يستمر ذلك دون التدخل الذكى والمنظم من جانب الدولة، فالأهداف التنموية تقع على عاتق الدولة، فلايمكن مثلا ترك مجالات مثل الصحة العامة ومحاربة المرض والتعليم او النهوض بالأحياء الفقيرة لقوى العرض والطلب، او للقطاع الخاص.
وهنا يجب التخلى عن بعض الانطباعات الخاطئة عن اقتصاد السوق والبعد عنها، أولها يتعلق بالاعتقاد بأن مجرد قيام القطاع الخاص بدور كبير فى الاقتصاد، يعنى أن الاقتصاد قد أصبح يقوم على أساس اقتصاد السوق، وهذا غير صحيح على الإطلاق. والانطباع الآخر يرى أن القطاع الخاص كله يقع فى بوتقة واحدة وله مصلحة مشتركة وهذا أيضا خطأ شائع ، والثالث يتعلق باعتقاد البعض بأن الأسواق سوف تظهر من تلقاء نفسها ومباشرة بمجرد انسحاب الدولة من العمليات الإنتاجية. وكلها أمور ابعد عن الحقيقة، وهنا يشير د. حازم الببلاوى الى ان السوق هى نتيجة طبيعية لتطور طويل، وهى بذلك تتغير وتتحسن نتيجة للتطورات الاجتماعية، اى انها لايمكن ان تنشأ بالقرارات الادارية، فهى تنظيم مؤسسى متكامل ينبغى ان تتوافر لديه العديد من الشروط لكى تصبح فاعلا وتحقق الاهداف المنوطة منها، فهى تتطلب حدا ادنى من العوامل وحدا ادنى لتوزيع الموارد، ومادامت السوق لا تلبى جميع الاحتياجات فان الدولة تتدخل بطريقة مختلفة عن القديمة للإصلاح. لان السوق تعنى وجود نظام تنافسى قائم على توحيد قواعد اللعبة بين جميع المشتركين وتشمل جوانب مؤسسية واحترام القوانين والانسيابية الكاملة للمعلومات.
من هذا المنطلق يصبح للدولة عدة أدوار أساسية ورئيسية منها ضمان كفاءة آلية السوق ووضع القوانين موضع التنفيذ، فإذا كانت آلية السوق باعتبارها جزءا أساسيا من النظام لا تخدم بدقة بعض الأهداف التى تدعى أنها تحققها مثل تزويد المجتمع بتقييم دقيق للتكاليف النسبية للإنتاج وغيرها. اذ تعانى الأسواق من اختلالات عديدة أكدها الكثيرون بشكل واضح صريح، يعود بعضها الى الأوضاع الاحتكارية، والبعض الآخر ناجم عن الاعتبارات قصيرة الأجل، والتى تجعل السوق اقل قدرة على المنافسة أو أقل كفاءة او أقل اهتماما بالاوضاع البيئية فى المجتمع.وثانيا هناك تشوهات فى شكل تفاوتات بين الافراد الداخلين للسوق إما لافتقارهم التعليم او المهارات اللازمة للمنافسة. وثالثا كثيرا ما لا تعبر السوق عن التكاليف والفوائد الخارجية.
يضاف الى ذلك أهمية التلازم بين الديمقراطية واقتصاد السوق،وهوما أشارت اليه معظم التجارب التنموية المختلفة، بل إن هذا التلازم شرط اساسى لإنجاح التنمية، إذ أن التجارب التى نجحت قد ارتبطت أساسا بتدعيم آليات المشاركة الشعبية والديمقراطية والشفافية وتطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة عند وضع السياسات المختلفة.
وهكذا فان جدول أعمال المستقبل حافل بالعديد من القضايا الأساسية والمنهجية التى تحتاج الى المزيد من التأمل وإعمال الفكر بغية وضع التصورات الرئيسية حول الأطر المستقبلية. عبر دراسة التاريخ والتحليل العميق لأخطاء الماضى والابتعاد عن التأكيدات السريعة والمشحونة بالانفعالات. وهكذا يجب البعد عن الأفكار البالية والرجوع عن الكتب العتيقة المتربة والبحث فى آليات جديدة. وهو ما يحتاج وبحق الى بناء العقل النقدى والخلاق باعتباره إحدى الآليات الداعمة للنهضة المصرية المنشودة.
نقلا عن / الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة