كانت القهوة الشعبية هى من ارتياد الرجال في الغالب وإن كان بعض الصبية يغشونها من قبيل الفضول أو من قبيل التعود التدريجي
مقاهي الحسين بالقاهرة ملتقي زوار مصر وأهلها، ويقال من لم يزر الحسين وخان الخليلي ويجلس في المقاهي ولا يلقي نظرة إلى مقهى الفيشاوي أو نجيب محفوظ فإن زيارته للقاهرة تكون ناقصة.
وكان أبناء خليجنا العربي عندما يأتون إلى البحرين ولا يزورون قهوة بوضاحي أو قهوة معرفي أو المقاهي الأخرى بالمنامة والمحرق فإن زيارتهم للبحرين تكون ناقصة.
فالمقاهي في بلادنا العربية هى ملتقي الأصدقاء، وهو المكان الذى يجمع بعض أصحاب الهوايات كلعب البتة أو «الكتشينة» والداما، والدمينو وألعاب شعبية أخرى، بالإضافة إلى احتساء الشاي بأنواعه وتدخين النارجيلة أو الكدو وأخيرًا الشيشة.
كانت القهوة الشعبية هى من ارتياد الرجال في الغالب وإن كان بعض الصبية يغشونها من قبيل الفضول أو من قبيل التعود التدريجي لحين بلوغ السن الذي يسمح لهم بالتردد على هذه المقاهي.
كانت البحرين عامرة بالمقاهي في المدن والقرى، وكانت محل حديث الناس في أيامهم العادية، فقضاء الأوقات يجعلهم قريبين من بعضهم وكانت بعض المقاهي خاصة في خليجنا العربي تعقد فيها صفقات البيع والشراء خاصة زمن اللؤلؤ الطبيعي، فقد كانت مقاهي الطواشين معروفة في معظم دول خليجنا العربي.
وأيام كنا طلبة ندرس في الخارج كانت مقاهي المنامة بمثابة تجمع للطلبة البحرينيين الدارسين في الخارج، فهذه قهوة يغشاها طلبة القاهرة والإسكندرية، وهذه قهوة يتردد عليها طلبة بغداد وجامعات العراق الأخرى وهذه قهوة يزورها طلبة جامعة دمشق، وهذه قهوة يتجمع فيها طلبة جامعة الكويت، وأحيانًا بل في كثير من الأحيان يختلط الطلبة من كل الجامعات في قهوة واحدة فهي فرصة لالتقاء الطلبة والحديث في كل شيء بما فيها السياسة والاجتماع والثقافة وشؤون الدراسة.
البحرينيون رغم تراجع أهمية المقاهي إلا أنهم لازالوا يترددون على البقية الباقية من هذه المقاهي في المنامة والمحرق والرفاع والحد وبعض القرى في المحافظتين الشمالية والجنوبية كما أن البعض انتقل من السوق القديم في المنامة والمحرق إلى مقاهي المجمعات كالسيف، والسيتي سنتر وبعض المجمعات التجارية الحديثة والمدن السياحية الحديثة التي تطورت فيها المواد والأغذية والأشربة المتنوعة وحل الكابتشينو محل «الملة» و«الملة» في مفهوم المقاهي الشعبية هي الشاي بالحليب أو ما يسمي الآن «بالكرك».
مهما تغيرت الأساليب وتنوعت فإن الهدف هو التقاء الأصدقاء والمعارف وتبادل الأفكار وقضاء الوقت في أُنس اجتماعي وإن كانت المقاهي في زماننا في المجمعات تحديدًا تضم فئات عمرية متباينة وأجناس وجنسيات متعددة وهذه هى سنة الحياة في تغير وتبدل وتحول.
أحمد إبراهيم سعد المرشد الأخ والصديق والذي جمعتني به زمالة الإعلام منذ بداياتنا في السبعينيات ممن يعشقون مقاهي الحسين بل من عشاق مصر المترددين عليها في كل أوقات السنة، تردد أحمد على كل مقاهي الحسين إلى أن حطت به الرحال إلى مقهي «المالكي» المقابل لجامع الحسين، وإذا كان أحمد موجودًا في مصر فإن مواعيده التي يضربها للأصدقاء للالتقاء بهم تكون في أحد المقاهي وحتى إذا ما أردت أن تراه فما عليك إلا أن تذهب إلى هناك وستجده متصدرًا على أحد الكراسي مستقبلاً زوار مصر من البحرينيين.. يومها اتصلت به وتواعدنا أن نلتقي بالحسين، وأخذت معي الأخ والصديق مبارك عبدالله المغربي الذي هو أيضًا من المترددين على مصر، وعندما وصلنا إلى المقهى سألت النادل عن أحمد المرشد، فقال لي: «أحمد المرشد راح يودي الطلبات» فذهلت وقطعًا أدركت أن الرجل أخطأ في فهمي، ولكن سرعان ما عرفت أنهم وظفوا نادلاً جديدًا ومن حسن الصدف أن اسمه هو نفس اسم أخينا وصديقنا أحمد المرشد، وعندما التقيت به ورويت له المصادفة ضحك ضحكة مجلجلة وبروحه الرياضية المعهودة أخذ يروي ذلك لأصدقائه ومعارفه من رواد المقهي، وتصادف يومها وجود بحرينيين زائرين فروى لهم الحكاية ليشارك الجميع في الضحك، يا لها من مصادفة عجيبة، وتشابه الأسماء أحيانًا يدعو إلى مواقف ظريفة وأحيانًا إلى مواقف محرجة.
المقاهي هي هوية البلدان، وهي أيضا تعكس طبيعة وهوية أي شعب والمرء عندما يتردد على هذه المقاهي يخرج دائمًا بانطباع عن أخلاقيات الشعب وإن كانت السياحة في زماننا قد جعلت من المقاهي في الحقيقة ملتقي شعوب وليست شعب، ولكن بطبيعة الحال لكل مقهي في بلداننا العربية أو البلدان الأجنبية خصوصية تنطبق عليها أخلاق وصفات كل شعب، وحتى المقاهي ذات الصبغة الدولية تختلف من بلد إلى بلد وإن كان ما يقدم فيها متشابه ومنطبق ولكن تظل الخصوصية للبلد تطبع هذه المقاهي بطابعها وشخصيتها.
جهود مقدرة في مملكتنا البحرين بذلت للمحافظة على المقاهي الشعبية وتطويرها سواء من قبل هيئة البحرين للثقافة والآثار أو من قبل إدارة السياحة بوزارة التجارة والصناعة، وجهود بذلها أشخاص يملكون مثل هذه المقاهي، وسنظل نحتفظ بذكريات الماضي في مقاهينا الشعبية وستظل المقاهي هي التي تترك لدى الزائرين انطباعا عن صفات أي شعب وخصوصيته.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.
نقلا عن / الأيام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة