"دبي السينمائي".. دعم مشروعات عربية وتسويق أفلامها في أسبوع واحد
لم يكن ممكناً لـ"مهرجان دبي السينمائيّ" أن يستمر في تنظيم دورات سنوية، لولا ثبات الرغبة في تفعيل حضور ثقافي لدبي في منطقة الخليج.
لم يكن ممكناً لـ "مهرجان دبي السينمائيّ الدولي" أن يستمرّ في تنظيم دورات سنوية على مدى 12 دورة متتالية، لولا ثبات الرغبة في تفعيل حضور ثقافي، فني لإمارة دبي في منطقة الخليج العربي، كما في الجغرافيا العربية والعالم الغربي، ولولا العمل الدؤوب على تفعيلها وترجمتها عملياً وميدانياً.
الرغبة وثباتها معطوفان على حيوية اشتغال واجتهاد دائمَين بحثاً في كلّ جديد يُمكن الاستفادة منه في آليات التنظيم والإدارة والاختيارات، كما في نوعية الأفلام المنتقاة من دول العالم، ووضعها أمام مهتمّين بالشأن الإبداعي للسينما.
لكن الثبات وحده لم يكن قادراً على منح المهرجان ما يُعينه على استكمال مشروعه، الموزّع على عروض أفلام وتوزيعها ودعمها وتنظيم لقاءات حولها، لو لم يكن مؤسّسوه ومنظّموه منتبهين إلى معنى السينما في تغذية الوعي والروح والحياة، وإلى حاجاتها في مستويات الاقتصاد والتجارة والمال والأعمال.
هذا كلّه دافعٌ للمهرجان إلى تفعيل الشقّ الصناعيّ أيضاً، بالتوازي مع اهتماماته السينمائية، كأن تكون الأفلام المُشاركة في المسابقات الرسمية أو في البرامج المختلفة محمّلة بكمّ من الصُور السينمائية الجميلة والمؤثّرة، وبنوعية سوية من المواضيع والمعالجات.
مسابقات تُجرى إلى جانب تنظيم ملتقيات وأسواق ومنتديات، تنصبّ كلّها في إطار واحد: دعم السينما ـ خصوصاً العربية ـ بشتّى الوسائل الممكنة. فالسينما العربية تعرف بعض نهوضٍ فعليّ بفضل "صندوق إنجاز"، المؤسَّس في العام 2009، بهدف دعم الأفلام في مرحلتي الإنتاج وما بعد الإنتاج، علماً أنه يدعم مشروعات عربية في مرحلة ما بعد الإنتاج، في حين أن اهتمامه بالسينما الخليجية معقودٌ على التمويل.
و"إنجاز"، إذ يُعتَبَر مشروعاً مهمّاً بالنسبة إلى مهرجان دبي وخططه العملية، يهدف إلى توسيع مساحة اختيار الأفلام العربية المعروضة أمام الجمهور، وإلى دعم الأفلام هذه في المحافل السينمائية الدولية، وإلى العمل الجدّي على إيجاد أسواق لها في العالم، وإلى بناء صناعة مستدامة في المنطقتين الخليجية والعربية.
والصندوق، إذ يوفّر للفيلم العربي إمكانية تحقيقه، يُقدِّم خلال أعوام تأسيسه دعماً مالياً لـ 100 فيلم.
على الرغم من أن "إنجاز" يموّل صناعة أفلام عربية، إلاّ أن "السوق السينمائية" التابعة للمهرجان، والمؤسَّسة قبل الصندوق بعامين، تهتمّ بتسويقه، عبر تسليط الضوء على أفضل الأفلام العربية، وعرضها على الجمهور الدولي. أي أن السوق والصندوق يتكاملان معاً في دعم تطوير الصناعة هذه، والبحث عن منافذ لتسويقها هنا وهناك.
بالإضافة إليهما، هناك "المنتدى"، الذي يجمع مهتمّين وعاملين في شؤون السينما في جلسات حوار ونقاش تتناول أحوال الصناعة هذه وشجونها وقضاياها وحاجاتها، فيضعون خططاً ويقترحون نماذج يُمكن الاقتداء بها من أجل مزيد من النهوض بالسينما العربية، داخل الجغرافيا الخاصّة بها وخارجها.
إلى جانب الاستعراض والسجادة الحمراء والأضواء والنجوم والتكريمات، وهذا كلّه منخرط في الجانب الترفيهي المطلوب في كلّ مهرجان عربي أو دولي، لا يزال مهرجان دبي محافظاً على خصوصية اشتغاله على مستويي الدعم والتمويل، كما في اختياراته. وهذان المستويان، إذ يمنحان الفيلم العربي بعض توازن في عملية بحثه عن إنتاج متكامل، يُشكلان حافزاً لتفرّغ ما للسينمائيّ العربيّ واهتمامه أكثر بالجانب الفني ـ الدرامي ـ الجمالي، ويجدان في الجوائز المالية استكمالاً لما يعملان عليه. بهذا، يبلغ المهرجان مرتبة متقدّمة في مقاربته السينما بشقّيها، وفي معاينته أحوال العاملين فيها، والسعي إلى توفير أفضل ما يُمكن لها، خصوصاً في العالم العربي.
إذاً، يبلغ "مهرجان دبي السينمائي" دورته الـ 12، المقامة بين 9 و16 ديسمبر 2015. هذه خطوة حسنة، إذ إن تنظيم دورات سنوية منذ العام 2004، والبحث الدائم عن نواقص لإلغائها، أو عن وهن لإصلاحه، تجعله أقدر على ابتكار أنماط متجدّدة لتحويله إلى مؤسّسة يُتوقّع لها، إنْ تنجح الخطوة، أن تجعله مستقلاًّ بحدّ ذاته، ومعتمداً على نفسه. والدورة الـ 12 هذه، التي تشهد تقليصاً للجوائز وتوفيراً قدر المستطاع في صرف الميزانية الأساسية الموضوعة للمهرجان لغاية العام 2018، تحاول ألاّ تسمح للتقليص والتوفير أن ينتقصا من قيمته الثقافية ـ الفنية. لذا، وفي لعبة الأرقام، فإن الدورة الـ 12 ـ التي تُفتتح مساء اليوم الأربعاء بعرض فيلم "غرفة" للأيرلندي ليني أبراهامسون ـ تتضمن 134 فيلماً مختاراً من 60 بلداً و40 لغة، تُقدَّم للجمهور في 180 ساعة عرض، منها 60 فيلماً في المسابقة الرسمية. غير أن الاستمرار في تناول الموضوع المالي "يُسيء" إلى الجوانب الأخرى في المهرجان، لأن "الأرقام والحديث عنها يحوّلان المهرجان إلى "بيزينس"، علماً أنه في الواقع ليس هكذا، لأنه حدث ثقافي"، كما يقول رئيسه عبد الحميد جمعة.
في العام 2013، لا يجد "مهرجان دبي السينمائيّ" أمامه غير إصدار كتاب يتناول أفضل 100 فيلم عربي يختارها سينمائيون عرب (مخرجون، ممثلون، تقنيون، كتّاب سيناريو، نقّاد، وغيرهم) للاحتفال ببلوغه دورته العاشرة. والكتاب، إذ يثير نقاشاً يتناول آلية اشتغاله وخياراته، يبقى محاولة إيجابية يريدها المهرجان تأكيداً لاهتمامه بالجانب الكتابي أيضاً، إذ يتفرّغ عددٌ من النقّاد العرب لتعليقات مختلفة تتناول بعض الأفلام، مناقشين فحواها، ومحلّلين أشكالها وتفاصيلها ومساراتها. صحيحٌ أن المهرجان لم يُخصّص ميزانية أساسية للمطبوعات، إلاّ أنه لا يتوانى عن إصدار ما يراه مناسباً من كتب أو كتيّبات، بالإضافة إلى منشورات مختلفة تواكب يومياته السينمائية.
لا شكّ في أن المهرجان يزداد حضوراً في الخليج والعالم العربي، ويزداد حيوية ونشاطاً، خصوصاً بعد تحوّله إلى المهرجان السينمائيّ الوحيد في منطقة الخليج العربي، بعد توقّف "مهرجان أبوظبي السينمائي" بدءاً من العام 2015. حضوره وأهميته كامنان في قدرته على التوفيق بين جوانب مختلفة من سلوكه السينمائيّ، وإيلائه الهمّ الإبداعي أولوية لا تلغي اكتراثه الواضح بالجوانب الاقتصادية للصناعة.