أردوغان - كولن.. صراع على السلطة يهز الديمقراطية في تركيا
الحرب التي تشنها حكومة أردوغان عقب محاولة الانقلاب الفاشلة على كولن والموالين له في جوهرها صراع على السلطة يهز مؤسسات تركيا الديمقراطية
تشهد تركيا، الواقعة عند مفترق الطرق بين أوروبا المقسمة والشرق الأوسط باضطراباته، صراعا على السلطة بين حليفين سابقين هز مؤسساتها الديمقراطية وأثار من التساؤلات ما يمسّ مسارها مستقبلا.
ومنذ الانقلاب الفاشل الذي وقع في 15 يوليو/ تموز الجاري يخوض حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي أسسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معركة مع قطاعات في مؤسسات الجيش والقضاء والجهاز الإداري يعتبرها موالية لحليفه السابق وخصمه الحالي فتح الله كولن الذي يقيم في الولايات المتحدة.
أزعج هذا الصراع المرير الغرب وهز أركان تركيا ذات الثمانين مليون نسمة المتاخمة للعراق وسوريا بما يشهدانه من فوضى، وهي في الوقت نفسه حليفة للغرب في الحرب على تنظيم داعش.
ويتهم أردوغان كولن بتدبير المحاولة الانقلابية التي نفذتها مجموعة داخل القوات المسلحة، وقد اعتقلت حكومته الآلاف من قطاعات مختلفة في عمليةٍ يقول إنه يطهّر بها تركيا مما وصفه بـ"فيروس" كولن.
حملة "تطهير"
تنفذ حكومة أردوغان عملية "التطهير" في وقت تواجه فيه هجمات من تنظيم داعش وتجدد الصراع مع المسلحين الأكراد ويتجاوز نطاقها من تم احتجازهم من رجال القوات المسلحة وعددهم أكثر من 100 جنرال و6000 جندي أو من القضاة ويقارب عددهم الثلاثة آلاف.
شملت الاعتقالات أو الوقف المؤقت عن العمل أيضا 21 ألف مدرس وعددا كبيرا من أساتذة الجامعات، واستهدفت كذلك شخصيات جديدة في عالم الإعلام رغم ما شهده في السنوات السابقة من فصْل للعاملين وغرامات وأحكام بالسجن بل وإغلاق مؤسسات إعلامية.
وقال أردوغان لرويترز في مقابلة يوم الخميس "هم خونة"، ووصف شبكة كولن بأنها مثل "السرطان"، وقال إنه سيعامل أتباعه مثلما يعامل أتباع "منظمة انفصالية إرهابية" وسيجتثهم من جذورهم أينما كانوا.
وينفي كولن (75 عاما) التآمر على الدولة، وقال في اليوم التالي للمحاولة الانقلابية إنها ربما كانت مدبرة من قبل السلطات لتبرير الحملة على أتباعه.
ولا يعرّف الملايين من أعضاء حركة "خدمة" التي أسسها كولن أنفسهم علنا بأنهم من أنصاره. ومنذ محاولة الانقلاب عمد كثيرون إلى الاختباء ورفضوا الرد على المكالمات، بل وحاول البعض مغادرة البلاد.
"حلفاء انقلبوا أعداء"
بعد محاولة الجيش والمحاكم إقصاء حزب العدالة والتنمية في 2007-2008 اتجه أردوغان إلى طلب المساعدة من كولن الذي كانت حركته قد اجتذبت أتباعا موالين لها في صفوف الشرطة والقضاء وأجهزة الخدمة المدنية.
وبعد الصعود للسلطة أصبح أردوغان وحزب العدالة والتنمية يعتمدان على أتباع كولن في حرب الطرفين المشتركة على الجيش، غير أن ما حققه أنصار كولن من نجاح في مساعدة أردوغان على كسْر قبضة الجيش على الحياة السياسية في تركيا شجعهم على المطالبة بمزيد من السلطات في أجهزة الأمن والجيش.
وبدأ الصراع بين الحليفين السابقين في أواخر عام 2011.
ففي صيف ذلك العام كان أردوغان قد انتخب من جديد لفترة ثالثة كرئيس للوزراء ولم يكن يخفي طموحاته الرئاسية.
وركزت كل لافتات الدعاية على تولي السلطة حتى عام 2023 الذي تمر فيه مائة سنة على تأسيس الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك.
غير أنه عندما اضطر أردوغان فجأة للابتعاد عن الساحة السياسية لإجراء جراحة، استهدف مدعون يفترض أنهم موالون لكولن رئيس استخباراته خاقان فيدان.
وتلت ذلك المعارك الواحدة تلو الأخرى وهزت الحياة السياسية في تركيا. وأغلقت الحكومة شبكة من المراكز التعليمية الخاصة تدير أغلبها الحركة. وفي عام 2013 بدأ مدعون من أتباع كولن تحقيقات في قضايا فساد شملت أعضاء في حكومة أردوغان وبعض أفراد أسرته. وتصلبت مواقف الطرفين.
"سعيا وراء السلطة"
قال محلل متخصص في الشأن التركي، طلب عدم ذكر اسمه خاصة أن إعلان حالة الطوارئ قد يمس من يوجهون انتقادات للدولة، "هو في جوهره ليس صراعا فكريا لأن أفكارهما العقائدية متشابهة جدا. فكلاهما يريدان تحويل تركيا إلى مجتمع إسلامي أكثر محافظة."
وقال نديم سينر الصحفي الاستقصائي بصحيفة "بوسطة" إنه كان هناك ميل لاعتبار كولن من القيادات الدينية لكنه كان يرفض ذلك على الدوام.
وأضاف "هو رجل يسعى وراء السلطة والسلطة وحدها. ففتح الله كولن وأتباعه يريدون السيطرة على أجهزة الدولة."
وتابع "لو أنه (أردوغان) أخذ ذلك على محمل الجد لقام بعملية التطهير قبل سنوات. لكنه لم يتخيل أن توجَّه البنادق إليه."
وقال سنان أولجن رئيس مؤسسة إيدام الليبرالية للأبحاث في إسطنبول وزميل مؤسسة كارنيجي أوروبا إن حركة كولن "لها طموحات للاستيلاء على الدولة. ومن المؤكد أنهم قطعوا شوطا كبيرا في سبيل الوصول إلى هذا الهدف، ومن المؤكد أن حزب العدالة والتنمية ساعدهم وعاونهم."
وأضاف أولجن "عندما جاء حزب العدالة والتنمية للسلطة أسس تحالفا. وساعد في شغل أتباع كولن مناصب في الإدارة التركية."
ويقول مسؤولون حكوميون إن أتباع كولن خططوا بعناية للسيطرة على مؤسسات الدولة على مدى ثلاثة عقود مستخدمين مدارسهم وجامعاتهم لإعداد الموظفين العموميين، وهو أمر وجد حزب العدالة والتنمية صعوبة في مجاراته عندما تولى السلطة.
ويرى سينر أن تخصيص الحكومة خطوطا هاتفية ساخنة لكي يبلغ الناس من خلالها عمن يشتبهون أنه من أتباع كولن معناه أن الحركة بسبيلها فيما يبدو إلى السقوط.
aXA6IDE4LjExNy4xMDYuMjMg
جزيرة ام اند امز