تهملهم وسائل الإعلام، ولا تحتفي بهم وبمشكلاتهم إلا عندما يعودون في قوافل الصيف، أثناء عطلهم الرسمية.
ليست هناك أرقام عن عددهم، وليست هناك إحصاءات رسمية يمكنها أن تقدم رؤية شاملة عن هويات المغتربين العرب في شتى دول العالم. هم جاليات عربية اختارت البحث عن مواطن رزق خارج حدود الوطن العربي. طيور هاجرت منذ أوائل القرن الماضي، وهي لا تزال تتكاثر خارج الجغرافيا العربية، وهي الآن محط أنظار العرب والعالم، إنهم المغتربون العرب، المتهمون دائماً بالإرهاب، رغم أنهم ضحايا هذه الظاهرة....
تهملهم وسائل الإعلام، ولا تحتفي بهم وبمشكلاتهم إلا عندما يعودون في قوافل الصيف، أثناء عطلهم الرسمية.
الكثير منهم تقطعت بهم السبل، وآخرون غير مدرجين بقوائم المهاجرين الشرعيين. علماء وخبراء ومهندسون وأطباء، عمال حضائر وفلاحون وكثير منهم منحرفون، وشق منهم إرهابيون، لكن وسائل الإعلام الغربية تضع الجميع في سلة واحدة، وبعد عملية نيس الفرنسية، ازدادت حملات الكراهية ضدهم. الرسالة الوحيدة التي تصلهم، هي «أنتم غير مرحب بكم في بلدنا، ارحلوا إلى أوطانكم».
الواقع المعيش الذي ينقله المغتربون العائدون من أرض المهجر، يثبت صعوبة الحياة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكلما كانت هناك عملية إرهابية جديدة، كلما تعقد الوضع أكثر. وحتى المقيمون بصفة رسمية، صاروا يتذمرون من سوء المعاملة، ومن بطء الإجراءات وتعقدها، عند تسليم وثائق الإقامة.
والكثير منهم سحبت منهم وثائق الإقامة تحت مسببات عدة.
في الولايات المتحدة تعقدت إجراءات الهجرة والإقامة بعد أحداث 11 سبتمبر، وفي فرنسا تم تشديد المراقبة على الحدود، وانطلقت باريس في ترحيل الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين، وتم تشديد إجراءات الإقامة بالنسبة للمتقاعدين من المهاجرين. وفي إيطاليا التي كانت الدولة الأوروبية - الأسهل - من حيث تسليم وثائق الإقامة، أصبحت إحدى أكثر الدول الأوروبية تشدداً في منحها.
الأمر ليس مستغرباً، فالصورة التي تترسخ لدى الأوروبيين يوماً بعد يوم هي أن العربي إرهابي متوحش، حتى وإن كان عالماً أو فناناً.
والحقيقة تعززها العمليات الإجرامية التي يقوم بها بعض الشباب من الجيل الثالث أو الرابع من المغتربين العرب، على اختلاف جنسياتهم الوطنية.
لا هروب من هذا الواقع المرير، فالمغتربون العرب في كل قارات العالم صار يشار إليهم بالبنان، وينعتون بأبشع النعوت، فهم قتلة ومجرمون، وإرهابيون. وكل المهاجرين يوضعون في سلة واحدة. هكذا يرى اليمين في فرنسا وفي ألمانيا وفي الدول الإسكندنافية، وفي الولايات المتحدة التي أعلن مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب عن أن برنامجه يتضمن خطة لتطهير الولايات المتحدة من المهاجرين.
المغتربون العرب في هذا المشهد الدولي المركب، هم ضحايا دون أدنى شك. وهم ضحايا من جهتين.
الأولى أن أغلب المهاجرين، إنما رحلوا بعد أن سدت في وجوههم كل أبواب الأمل في أوطانهم.
وكلمة السر بين هؤلاء المغتربين، هي أنهم يأتون لتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية. وهذا يعني أنهم ضحايا سياسات خاطئة في أوطانهم. ومن جهة ثانية هم ضحايا هذه الصورة التي تلتبس بهم نتيجة الإرهاب الذي يضرب دول إقامتهم.
هم يحبسون أنفاسهم مع كل عملية جديدة، لأنهم يدركون أن تبعات تلك العملية مهما كان حجمها ستكون وخيمة عليهم.
هؤلاء المغتربون الذين يعدون بالملايين، فيهم خيرة العقول العربية التي استهوتها الجامعات الدولية، والذين أغرتهم الامتيازات المالية والقيمية التي يحظون بها في المهجر، ورغم الإضافات العلمية الهامة التي يقدمونها في كبرى مراكز البحث العالمية إلا أن المكاسب تظل قليلة.
لا بد من الإشارة إلى أن العمليات الإرهابية التي ضربت قلب أوروبا في الفترة الماضية، يرافقها تصاعد مستمر للنزعات اليمينية المتطرفة، التي تسعى إلى إشعال حرب دينية بين الإسلام والمسيحية. وهذه النزعات تنتشر بسرعة خاصة في عقول الشباب الغربي.
وهي لا تفرق بين عالم ومجرم خطر تدان أعماله في كل أنحاء العالم.
إن موضوع المغتربين العرب، هو ملف على غاية من الأهمية، ويجب أن يطرح على طاولة النقاش، في أرفع المستويات السياسية العربية وفي مستوى هياكل الجامعة العربية.
إنه كما يقول متابعون «مسألة أمن قومي عربي». وباعتبار أن الدول العربية تخسر الكثير من طاقاتها وثرواتها الطبيعية، فإنه سيكون من الخطأ الاستمرار في فقدان هذه الثروات البشرية لأن هجرتها تعني استنزاف الطاقات، وتعني أيضاً ترك الجغرافيا دون عقول تحرسها، فيعمّ الخراب وتنتشر الفوضى.
نقلا عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة