منذ سنوات عندما احتفلت الجامعة العربية بمرور ستين عامًا علي إنشائها كانت النكتة المتداولة بشأنها أنها بلغت "سن المعاش" أو التقاعد.
منذ سنوات عندما احتفلت الجامعة العربية بمرور ستين عامًا علي إنشائها كانت النكتة المتداولة بشأنها أنها بلغت "سن المعاش" أو التقاعد، لم يكن المقصود هو أن يتم إلغاء وجود الجامعة بشكل نهائي، ولكن الإشارة من خلال السخرية لإحباط الكثيرين من ضعف دور الجامعة سياسيًّا، وعجزها عن أداء دورها المنشود في تشكيل إرادة جماعية للدول الأعضاء.
أذكر حوارًا لي في هذه الفترة مع وزير خارجية عربي عبَّر لي فيه عن هذا الشعور بالإحباط بشأن الجامعة رغم وجود عمرو موسي علي رأس المنظمة، ولما أشرت إلي صعوبة وجود هذا الدور في ظل التفكك والصراعات بين الدول العربية، رد قائلًا: ماحنا كنا فاكرين أنه (أي موسي) ممكن يعمل حاجة.
والحقيقة أنه لا يمكن فقط توجيه الاتهام لشخص الأمين العام بسبب ما تواجهه الجامعة من تراجع في دورها السياسي؛ لأنها في النهاية هي تعبير عن الإرادة الكلية للدول الأعضاء، علي فرض أن هناك مثل هذه الإرادة التي يمكن التعبير عنها، وهو أمر صار صعبًا إن لم يكن مستحيلًا في ظل الأوضاع الراهنة.
غير أن ما يمكن أن نأخذه على أمناء الجامعة خاصة في السنوات الأخيرة، هو تكريس جهودهم بشكل شبه حصري على الدور السياسي للمنظمة، في وقت يصعب فيه إحياء هذا الدور، ربما لأن فيه "البريستيج"، بينما يتم تجاهل الدور الآخر الأهم في هذه المرحلة، وهو الدور الثقافي الذي لا أكاد ألحظ التفاتًا إليه من جانب مسئولي الجامعة، واعتقادي أن الانتباه لهذا الجانب، هو وحده الذي يمكن أن يعيد للجامعة حيثيتها وينبه الشعوب العربية إلى ضرورة استمرارها، هذه ليست دعوة لإنهاء الدور السياسي للجامعة تمامًا، فلا بديل عن استمراره ولكن مع الاعتراف بمحدوديته في الوقت الراهن، وأن التركيز على الدور الثقافي ربما يكون أكثر حيوية وأهمية الآن.
ولدعم هذا الدور لابد وأن يكون له بعدان:
الأول: مرتبط بالتأكيد على ما هو مشترك بين الشعوب العربية والمساعدة على انتشار الفنون والآداب والقيم التي تدعم هذا الارتباط، ولا بأس من تنظيم مهرجانات فنية وأدبية لهذا الهدف، وتبني نشر نوعية معينة من الكتب أو الأعمال الفنية لدعم هذا الاتجاه.
هذا يقودنا للبعد الثاني وهو في تقديري أصبح حاسمًا في المرحلة الحالية، أخذًا في الاعتبار الصورة النمطية السلبية للغاية التي بدأت تتكرس عالميًّا تجاه كل ما له ارتباط بالثقافة العربية أو الإسلامية، بحيث يتحتم وجود مؤسسات قوية تعمل علي مواجهة أي عمليات تشويه ،وهي كثيرة، خاصة في الغرب.
وهنا أذكر أني ذهبت منذ سنوات لمقر منظمة مكافحة التمييز اليهودية في واشنطن ADL، حيث وجدتهم يطبعون كتابًا سنويًّا عن رسوم الكاريكاتير العربية التي وصفوها بمعاداة السامية، ويتم توزيع هذا الكتاب لدي وسائل الإعلام والمسئولين والسياسيين في المدينة خاصة في الكونجرس، وعندما أقارن بين ما كان ينشر في هذا الكتاب وما نشاهده ونسمعه الآن من حملات تشويه تجاه كل ماله علاقة بالحضارة أو الثقافة العربية والإسلامية أجد بوْنًا شاسعًا، حيث نرى حملات منظمة تصل أحيانًا لدرجة الشطط في الربط بين تلك الثقافة والإرهاب، كما أن هناك العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية والمواقع الصحفية والإلكترونية التي تكرس جزءًا كبيرًا من جهودها، للتأكيد علي هذه الصور السلبية، بما يعني ضرورة التصدي لهذه الحملات بالتنسيق مع المنظمات العربية والإسلامية في الدول الغربية.
إن العمل في هذا الموضوع لا يقل، بل يزيد أهمية عن الأنشطة السياسية التي تُركز عليها الأضواء، وهو يحتاج للتنظيم والتمويل الذي يتطلب جهة مثل الجامعة العربية، التي تحتاج أيضًا دورًا جديدًا يعيدها لساحة الاهتمام العربي، فهل تنتبه لذلك قبل فوات الأوان؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة