خبراء لـ"العين": السيسي اقتحم "ألغام الدعم" وتوزيع عبء الإصلاح تحدٍّ
خبراء ومحللون اقتصاديون قالوا لـ"العين" إن توزيع عبء الإصلاح الاقتصادي يبقى التحدي الأكبر للرئيس عبد الفتاح السيسي
قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دخول المناطق المحرمة، واقتحام حقول الألغام الاقتصادية والاجتماعية من خلال تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي توصلت إليه الحكومة مع صندوق النقد الدولي، باتفاق مبدئي في 11 أغسطس/آب، للحصول على قرض تمويلي بقيمة 12 مليار دولار.
هذا ما يراه خبراء ومحللون واقتصاديون بإقدام الرئيس السيسي على تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، تنفيذًا للاتفاق مع الصندوق، في مسعى لمعالجة العديد من القضايا المسكوت عنها نحو 40 عامًا، من تراجع الرئيس الأسبق أنور السادات عن تنفيذ برنامج مماثل في عام 1977.
والسؤال الأكثر إلحاحًا يتمحور حول "هل سيواصل الرئيس السيسي برنامجه حتى النهاية؟ وهل سيثمر عن نجاح تجربة الإصلاح في تحريك النمو الاقتصادي، وتخفيض الدعم حتى مرحلة الإلغاء تمامًا، وتخفيض عجز الموازنة، والحد من الاستدانة مستقبلًا، ومعالجة الأزمات التي تواجه الاقتصاد المصري، وغيرها؟
ويتفق خبراء على أن الجزء الأهم من معالجة الأزمة، هو الشفافية في كشف الحقائق للشعب، وخوض غمار الإصلاح الاقتصادي بروح أساليب جريئة، ومحاولة كسب تأييد شعبي وبرلماني وسياسي لجميع برامج معالجة مكونات الخلل في الأزمة الاقتصادية، بخلاف سرعة الإصلاح.
دكتور توفيق يوسف الجندي أستاذ الاقتصاد في جامعة المنيا يرى أن اهتمام الرئيس السيسي بالقضايا الاقتصادية، منذ قرار ترشحه لانتخابات رئاسة مصر في عام 2013، يؤكد الأهمية الرئيسية لهذا الملف، وهذا في حد ذاته أعطى ويعطي زخمًا لبرامج الإصلاح، وربما يسهم ذلك في تأييد شرائح من الشعب للمعالجات المهمة التي يعتزم الرئيس اتخاذها وسيتخذها في الفترة المقبلة.
ولفت إلى أن كلمة "الاقتصاد" أصبحت جزءًا أصيلًا ورئيسيًّا في خطابات وتصريحات الرئيس السيسي ليس الآن فقط، بل منذ توليه السلطة في مصر، وقبلها، الأمر الذي يؤكد وعي الرئيس بالقضايا الاقتصادية، مبينًا أن التعبيرات عن معالجة الدعم تكررت في خطابات وتصريحات السيسي مئات المرات، ويُمثل هذا أيضًا معالجة مبكرة لقرارات في مناطق وقضايا ظلت محظورة لسنوات.
وذكر الجندي أن برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر وفي عهد السيسي لم تكن بدايته مع مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد، بل سبق ذلك بشهور طويلة، حيث بدأ أبكر من ذلك من خلال اعتماد برنامج تحرير سعر مشتقات البترول في عام 2014، وهو ما يعني أن الإصلاح الاقتصادي منهج عمل وليس وليد اللحظة.
ويرى أن الرئيس السيسي وحكوماته الحالية والمتعاقبة سيواجهون العديد من التحديات، خصوصًا أنه دخل مناطق ألغام اقتصادية واجتماعية، وأبعدت كل الحكومات عن الحديث حولها، كونها أمورًا غير قابلة للنقاش، ومن المُحرمات، خصوصًا ما يتعلق بالدعم، والضرائب بجميع أنواعها، إلا أن المواجهة هذه المرة ربما يكون في صالح البرنامج الجديد للقيام بعمليات إصلاح حقيقية، قد تصل في بعضها للمعالجة "بمشرط البتر".
طه السيوفي الباحث المالي في مركز بحوث القناة للاستشارات المالية والاقتصادية، يشير إلى أن المرحلة الحالية لا تستدعي أي محاولات تأجيل للإصلاح الاقتصادي في مصر، بل يجب أن تتم فق إصلاح شامل وواقعي، لأن أي تأخير أو تأجيل معناه ترحيل كوارث اقتصادية، لا يمكن التوقع بنتائجها الكارثية، خصوصًا مع توقف الإنتاج، وندرة الاستثمارات، وتراجع التدفق النقدي من الخارج، وجمود الحركة السياسية.
وقال: إن مختلف مكونات الاقتصاد المصري بحاجة إلى مراجعة لإصلاح الخلل الهيكلي القائم، والمتراكم منذ عشرات السنين، حيث فشلت كل المحاولات السابقة لأسباب سياسية واجتماعية، وقرار بدء الإصلاح الآن قرار جريء، ومن المؤكد أنه سيكون له ثمن، ويجب أن يتحمله الجميع ومختلف الفئات من المجتمع المصري.
ولفت السيوفي إلى أن برنامج تحرير أسعار الكهرباء والذي يمثل أحد أهم جوانب الإصلاح الاقتصادي وإعادة توزيع الدعم، نموذج مهم جدا للعدالة في توزيع الأعباء، صحيح ستتأثر الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل بالأسعار الجديدة، لكن في نفس الوقت سيدفع الأغنياء والقادرون تكاليف حجم استهلاكهم من الكهرباء، وربما سيحتاج الإصلاح الاقتصادي إلى تحرير كلي وتطبيق الأسعار العالمية على الشرائح الأعلى استهلاكا.
ويتفق في هذا المعنى رجل الأعمال صبحي علي حسين رئيس شركة المروة للاستثمار العقاري، موضحا أن زمن دعم الأغنياء غير مقبول في ظل الأزمات الاقتصادية القائمة في البلاد، والمتراكمة من سنوات، لافتا إلى أن العمل بالأسعار العالمية في المواد البترولية تطبقه العديد من دول العالم، بل تطبقه الدول المنتجة للنفط، ومن الأوّلى أن تطبقه دولة مثل مصر، خصوصا على الفئات ذات الدخول الكبيرة، والأجانب المقيمين في البلاد والبعثات الدبلوماسية، ومن المهم أن تواصل الحكومة تطبيق برنامج تحرير الأسعار لمشتقات النفط.
وتوقع أن تقوم الحكومة بإجراءات أكثر جرأة في مجال الدعم وإعادة هيكلة الاقتصاد المصري، وفي نفس الوقت مراعاة الأبعاد الاجتماعية للمواطنين المصريين قضية مهمة، ليس بالضرورة من خلال الدعم، ولكن من خلال توفير فرص العمل، وتحريك معدلات النمو والعمل على إرساء العدالة الاجتماعية، وتوفير مناخ الاستثمار المناسب الذي يسهم في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتصب في تأسيس مشروعات توفر فرص العمل.
ومن القضايا الشائكة التي قررت الحكومة خوضها، إحياء فرض ضريبة على العاملين في الخارج، والتي يتوقع كثيرون أن تتسبب في سجال سياسي واجتماعي، والتي سبق أن تم الحكم بعدم دستوريتها في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وفشلت الحكومة مرتين في تطبيقها في مطلع العقد الأول من القرن الحالي.
الضريبة تحتاج إلى نقاش مجتمعي وفقا لتصريحات مندور المحمدي نائب رئيس اتحاد المصريين بالخارج الأسبق، مع مشاركة الجاليات المصرية بالخارج، وإجراء نوعا من الاجتماعات المباشرة، لافتا إلى دور وزارات الهجرة والخارجية والمالية في مناقشة فضية ضريبة العاملين في الخارج، ووضع أسس مالية واقتصادية، وتوافق مجتمعي استبعاداً لشبهة عدم الدستورية.
الدكتور محمود سليمان رئيس لجنة الاستثمار والمستثمرين باتحاد الصناعات المصرية، سبق وأن أوضح أن العديد من قرارات الإصلاح الاقتصادي تأخرت لأكثر من ربع قرن، وهو ما أسهم في تراكم الأزمات المالية والاقتصادية، وأدت في النهاية إلى خلل مالي وهيكلي، ومن المهم تدارك ذلك، شرط أن يعي المجتمع بأهمية الاصلاح لتفادي أية عواقب وخيمة على المجتمع، كما من المهم أن يشعر المواطن بعدالة توزيع الأعباء.
السفير جمال بيومى، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، يرى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي انطلق فعلا، ولا تراجع عنه، فالبديل سيكون صعب، ولا خيار أمام مصر سوى إعادة ضبط الاقتصاد المصري، وهو ما يعتزم الرئيس السيسي تنفيذه دون أي تراجع.
ولفت إلى أن قضية الدعم من القضايا المحورية في الإصلاح، وستظل التحدي الأكبر أمام الرئيس السيسي وحكومة المهندس شريف اسماعيل، خصوصا أن هناك خلل واضح في توزيع الدعم، ويجب ترشيده ليصل إلى من يستحقه فقط.
البعض يرى في تجربة تركيا واتفاقها مع صندوق النقد الدولي أفقا لنجاح اتفاق مصر مع صندوق النقد، بشرط أن وجود برامج تنمية حقيقية، وتوفير موارد مالية قادرة على سداد التزامات مصر فيما بعد للمؤسسات الدولية، وهو ما يشير إلى الدكتور محمد الصفتي أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة الأمريكية، موضحا أن نجاح برنامج السيسي في الإصلاح الاقتصادي مرهون بالإنتاج أولا وأخيرا.
وهنا قال مستشار بمجلس الوزراء المصري، رفض ذكر اسمه أن الحكومة، "مبكرا أدركت الحكومة متطلبات الاصلاح الاقتصادي، من خلال طرح قانون ضريبة القيمة المضافة، وتحرير أسعار المنتجات البترولية، وإعادة هيكلة دعم أسعار الكهرباء، وهو ما يؤكد عزم الحكومة على تنفيذ البرنامج ليس مع اتفاق صندوق النقد الدولي، بل قبل ذلك بفترة طويلة".
وكشف أن الدولة وفّرت الجزء الرئيسي من شرط الاتفاق مع الصندوق والخاص بتوفير تمويل اضافي لقرض الصندوق، من خلال اتفاقيات تم توقيعها بالفعل مع دولة الامارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والبنك الإفريقي، والتي ستوفر تمويلات بنحو 5 مليارات دولار باتفاقيات ثنائية، بخلاف بدء حوار في وقت قريب مع البنك الدولي، وجهات تمويلية أخرى.
aXA6IDEzLjU4LjIwNy4xOTYg
جزيرة ام اند امز