حلم اليونسكو "العربي".. بين وحدة الرؤية وتشتيت الجهود
4 مرشحين عرب لأرفع منصب ثقافي عالمي وكالعادة لا تنسيق وغياب كامل لرؤية شاملة وكلية يكون هدفها الأساسي ضمان فوز المرشح "العربي" بالمنصب
"اتفقوا على ألا يتفقوا" تبدو هذه الجملة العبثية -رغم عتاقتها وابتذالها- أنسب وصف لعبثية الموقف المتكرر بحذافيره، دون نقصان أو زيادة.. منصب ثقافي دولي رفيع، يترشح له أكثر من مرشح من المنطقة العربية، لا سبيل إلى اتفاق أو تفاوض أو تشاور بغية تحقيق هدف أبعد من النظر إلى موضع القدمين، من الفيفا إلى اليونسكو، ومن أروقة المنظمات الدولية في مجالات حقوق الإنسان والأولمبياد إلى المنافسات الدبلوماسية ومفوضيات اللاجئين والأنروا، سردية قاتمة تتكرر فصولها بفوضاها واشتباكاتها والتباساتها المزعجة حاليًا وفي ما هو معلن من ترشح 4 شخصيات عربية (من مصر ولبنان وقطر) لمنصب المدير العام لليونسكو خلفًا للبلغارية "إيرينا بوكوفا" التي سنتهي فترتها الثانية 2017 (انتخبت "بوكوفا" مديرة لليونسكو في 2009 لمدة 4 سنوات، ثم فازت بفترة ولاية ثانية في نوفمبر 2013، وسيجري الاقتراع على اختيار مرشح جديد للمنصب في 2017).
4 مرشحين عرب دفعة واحدة لأرفع منصب ثقافي عالمي، وكالعادة لا تنسيق وغياب كامل لرؤية شاملة وكلية يكون هدفها الأساسي ضمان فوز المرشح "العربي" بالمنصب وتقديم تجربة في الإدارة الثقافية في أرفع مستوياتها تشهد للعرب بأنهم قادرون -إذا توفرت الإرادة والفكر السليم- على النجاح والتميز في أي موقع من المواقع العالمية، وفي أي منصب دولي مرموق.
لكن وفي ظل الغياب الحاصل -حتى الآن- وعدم ظهور أي بادرة لأي تنسيق من أي نوع، فإن الواقع على الأرض يشهد بوجود 4 مرشحين عرب لليونسكو؛ المصرية مشيرة خطاب واللبنانية فيرا خوري، والقطري حمد بن عبد العزيز الكواري، واللبناني غسان سلامة، دونما تجاوز لهذه المنطقة "الغائمة"، من التشتت والارتباك وبعثرة الجهود، مما ينذر بتفتيتٍ للأصوات وإضعافٍ لفرص كل مرشح من الأربعة على حدة، في ما لو تجمعت وتركزت حول مرشح واحد فقط!
ولعل البيان الذي أصدره اتحاد كتاب وأدباء العرب، الذي يترأسه الشاعر الإماراتي حبيب الصايغ، قد بلور هذا الإحساس بالمرارة والألم من غياب موقف تنسيقي يترجاه العرب منذ قديم، يقول البيان:
"التوافق على مرشح واحد ضرورة لا مفر منها لحفظ صورتنا أمام أنفسنا قبل العالم كأمة عربية واحدة"، وأضاف "نكن كامل الاحترام والتقدير لكل اسم تم ترشيحه ولكل دولة بادرت نحو ترشيح أحد أبنائها أو إحدى بناتها، واثقين من صدق النيات ورقي الأهداف".
وتابع قائلًا "لسنا هنا في معرض تفضيل أو تقويم للمرشحين -أشخصًا أو دولًا- وأبدًا لا يجوز أن نتحدث بهذا المنطق، لكن الأصل أن تكون أهدافنا مشتركة وأحلامنا واحدة على الأقل في الثقافة".
وتساءل الصايغ في نهاية البيان "ثمة توجه دولي يمكن رصده على أن هذه الدورة هي "دورة العرب"، فإذا كان موقف المجتمع الدولي كذلك فهل يليق بنا نحن أن نفعل العكس؟".
المرشحون "العرب" لليونسكو
السيرة الذاتية للمرشحين الأربعة تكشف أن المصرية مشيرة خطاب الدبلوماسية المخضرمة والوزيرة السابقة التي تحظى بثقة ودعم الحكومة المصرية، تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1967، وتمتلك تاريخًا حافلًا في العمل السياسي والديبلوماسي والدفاع عن حقوق المرأة، بدأت عملها في وزارة الخارجية المصرية عام 1968، ثم تقلدت منصب سفيرة مصر لدى تشيكوسلوفاكيا منذ عام 1990 حتى 1995، كما شغلت منصب مساعد وزير الخارجية المصري، والأمين العام للمجلس القومي للأمومة والطفولة، ثم أصبحت وزير الأسرة والإسكان في حكومة الفريق أحمد شفيق عام 2011.
وكانت مصر رشحت مشيرة خطاب لمنصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو، وهو المنصب الذي تحاول مصر الحصول عليه مجددًا بعد محاولة سابقة لم يكتب لها النجاح لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسني في 2009.
أما القطري حمد الكواري، فهو اسم يعرفه المثقفون العرب من خلال ترؤسه لمؤسسات ثقافية عدة في قطر، فضلًا عن كونه المستشار المستشار الثقافي في الديوان الأميري، وكانت قطر قد أعلنت في مارس الماضي، ترشيح الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، لمنصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو في حفل استقبال أقيم في مقر اليونسكو في باريس.
في موازاة المرشحين العربيين السابقين، ثمة خلاف لبناني - لبناني آخر، فقد أعلن وزير الثقافة اللبناني والدبلوماسي السابق في الأمم المتحدة غسان سلامة ترشحه أيضًا، في ذات الوقت الذي رشحت فيه الحكومة اللبنانية رسميًّا السيدة فيرا خوري، نائب المندوب الدائم لدولة "سانت لوسيا" لدى المنظمة الدولية ترشحها هي الأخرى لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو..
فيرا خوري، لبنانية تعيش في باريس، متزوجة من محامٍ فرنسي من أمٍّ لبنانية، تولّت خلال 20 عامًا مناصب ديبلوماسية عدة في اليونسكو، درست العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثمّ سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية واكملت دراستها في جامعة نيويورك.
عقب إنهائها دراستها في نيويورك عادت إلى لبنان، ثم سافرت مجددًا إلى باريس واستقرت هناك وبدأت تبحث عن عمل، وعلمت بأنّ مندوبيّة "سانت لوسي" تبحث عن شخص لاستلام منصب في البعثة في اليونسكو، فقدمت ترشيحها وقُبِلت في هذه الوظيفة.
منذ 20 عامًا تعمل فيرا خوري في اليونسكو، وخاضت خلال هذه السنوات معارك انتخابية عدة، فكانت عضوًا في المجلس التنفيذي لدورتين أي لمدة 8 سنوات، وترأست لجانًا من أجل إصلاح المنظمة، وفي الوقت عينه كانت تشغل منصبًا دبلوماسيًا في المجلس الدائم في الفرنكوفونية.
أما الوزير اللبناني السابق غسان سلامة الذي أعلن ترشحه، ولم يحظ بالدعم الحكومي الذي نالته خوري، فسياسي وأستاذ للعلوم السياسية في جامعة السوربون، تولى وزارة الثقافة في ظل حكومة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري من عام 2000 إلى 2003.
ويظل السؤال معلقًا في فراغ الشتات العربي: هل يمكن أن يفعلها العرب هذه المرة ويتجاوزون التجارب السابقة في موقف واحد يستقر على مرشح واحد تدعمه الكتلة العربية، ومن معها ووراءها ما يعزز فرص وصول "عربي" للمرة الأولى كي يكون مديرًا عامًّا لمنظمة اليونسكو؟!