بالصور.. المتحف القبطي "أيقونة" الفن المصري على مر العصور
يضم المتحف القبطي مجموعة كبيرة من التحف والمقتنيات أغلبها ذو شأن كبير من الأهمية للفن القبطي في العالم وهي تقدر بحوالي 16 ألف قطعة
خلف أسوار القلعة الرومانية الشهيرة "بابليون" في منطقة القاهرة القديمة المسماة (مصر عتيقة) يقبع المتحف القبطي المصري، بواجهته البيضاء الجاذبة (تشبه إلى حد كبير واجهة مسجد الأقمر بشاعر المعز لدين الله الفاطمي في القاهرة المعزية)، هادئًا ساكنًا، وشاهدًا على امتزاج وتداخل الحضارات وعلى روائع التأثير والتأثر بين إبداعات الفكر الإنساني.
المنطقة المحاطة بالمتحف والتي تزخر بالآثار المفعمة بالحياة هي في الحقيقة "متحف أثري مفتوح" تصف وتجسد تاريخ الفترة القبطية في مصر، وهي فترة من أغنى الفترات في التاريخ المصري ثقافة وحضارة إبداعًا وفنًا، الفن القبطي هو الفن المصري الوحيد الذى تلتقي عنده جميع فنون مصر؛ إذ يحتفظ بكثير من خصائص الفن المصري القديم؛ فجدران الكنائس والأديرة القديمة تزدان بالتصاوير مرتبة في صفوف منتظمة لتعبر عن الديانة المسيحية، كذلك تأثر الفن القبطي بكل من الفن اليوناني والروماني والبيزنطي، وتأثر في مراحله المتأخرة (بعد دخول الإسلام إلى مصر) بالفن الإسلامي.
قصة إنشاء المتحف القبطي تعود إلى نهايات القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، حينما قام العالم الفرنسي "ماسبيرو" بجمع أعمال الفن القبطي وتخصيص قاعة لها في المتحف المصري، بعدها طالب مرقس باشا سميكة عام 1893م بأن تضم مجموعة الآثار القبطية إلى اهتمامات لجنة حفظ الآثار والفنون، وقد جاهد الرجل طويلاً حتى تمكن في العام 1910، من بناء مبنى المتحف القبطي ليجمع المادة الضرورية لدراسة تاريخ المسيحية في مصر، ويستكمل بذلك سلسلة من المتاحف الأخرى التي كانت تأسست بالفعل، في ذلك الوقت كانت توجد المتاحف الآتية في مصر؛ المتحف المصري الفرعوني القديم، المتحف اليوناني-الروماني بالإسكندرية، ومتحف الفن الإسلامي بالقاهرة.
كان بديهيًّا أن يكون مرقس باشا سميكة أول مدير لهذا المتحف، ونشر أول دليل لمحتوياته عام 1930، وقد ظل المتحف القبطي تابعًا للبطريركية الأرثوذكسية حتى عام 1931 لتنتقل تبعيته بعد ذلك إلى وزارة الثقافة المصرية، واستمر سميكة باشا في جمع القطع النادرة من الكنائس القديمة والأديرة الأثرية وقصور الأغنياء المسيحيين في مصر حتى عام 1947، وهو التاريخ الذي تأسس فيه جناح ثانٍ للمتحف الذي أقيم بالأساس ليسد ثغرة في التاريخ والفن المصري.
يضم المتحف مجموعة كبيرة وضخمة من التحف والمقتنيات أغلبها ذو شأن كبير من الأهمية للفن القبطي في العالم، تقدر بحوالي 16 ألف قطعة، الجناح القديم من المتحف يمثل في حد ذاته قطعة معمارية رائعة، فهو عبارة عن سلسلة من الحجرات المتسعة، وأما الجناح الجديد الواسع فيتشابه نموذجه مع الجناح القديم.
الجناح القديم للمتحف يضم كذلك مجموعة من قطع الأثاث الخشبية والأبواب المطعمة، وجدير بالملاحظة أنه يضم الباب المصنوع من خشب الجميز الخاص بحامل أيقونات كنيسة القديسة بربارة، الألواح يمكن تمييزها حيث قاموا بتركيبها في العصر الفاطمي في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.
المجموعة تستقر في الجناح الجديد الذي يظهر مختلف الأنواع والطرز والموضوعات، مثل التصميمات الهندسية، لفائف نبات الاكانتس وأوراق العنب، وافريزات مزدانة بأرانب، طواويس، طيور، والأنشطة الريفية، مرورًا بالتراث الهيللينستي والقبطي حتى الصيغ الفنية الإسلامية في مصر، ويضم المتحف القبطي كذلك مخطوطات نادرة للكتاب المقدس تعود لآلاف السنين.
يضم المتحف العديد من الأقسام (12 قسمًا)؛ من أهمها قسم الأيقونات، الأخشاب، الأحجار، المخطوطات، المعادن، العاج والعظام، المنسوجات، قسم الزجاج، الخوص والجلد، الفخار والخزف، الفريسك، أخيرًا قسم الأوستراكا.
من أهم مقتينات المتحف وآثاره النادرة، شاهد قبر من الحجر الجيري يظهر التداخل بين علامتي الصليب والعنخ "نهاية القرن 4 م"، وقطعة نسيج عليها رموز مسيحية " القرن 6 م"، ونقش على مشط من العاج يظهر بعض معجزات السيد المسيح "القرن 7م"، وتاج عمود من الحجر الجيري مزين بشكل عناقيد العنب "القرن 7م "، ومسرجة من البرونز لها مقبض على شكل الهلال والصليب، كتاب "مزامير داود" والذي خصصت له قاعة منفصلة، بالإضافة إلى لوحات" القلالي" (مفردها قلاية وهي التي يستخدمها الرهبان في الأديرة للخلوة والعبادة).
من أشهر المقتنيات أيضًا 3 قطع من الأخشاب لها أهميتها القصوى في دراسة فن النحت فيما بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين وهي "باب كنيسة القديسة بربارة"، "مذبح كنيسة القديسين سرجيوس وواخس"، عتبة عليا كانت تزين أحد أبواب الكنيسة المعلقة، برديات العارفين بالله وهي 1600 بردية تقريبًا وجميعها من نجع حمادي فقط، بالإضافة إلى صور نسيجية لهرقل يصارع الأسود.
وهكذا لا يعتبر فن المتحف القبطي يعود إلى الحقبة القبطية المصرية فقط وإنما فنًّا قبطيًا ممزوجًا بالتقاليد المصرية القديمة والهلينسية والبيزنطية والإسلامية.
مر المتحف القبطي بتطورات عديدة، افتتاحه كان في 1910 وتجديده في 1947، وأغلق في عهد عبد الناصر عام 1966، وأعيد افتتاحه عام 1984بعد الانتهاء من ترميمه، وأُغلق مرة أخرى عقب زلزال أكتوبر المدمر 1992، ثم أعيد افتتاحه مجددًا في عام 2006.
aXA6IDMuMTQ1LjM0LjIzNyA= جزيرة ام اند امز